يُنظر إلى الانتخابات التركية، في إطار السياسة الخارجية، على أنها مصيرية في مسار “بناء الحوار” بين تركيا والنظام السوري وإعادة تفعيل العلاقات معه، بحيث ستكون نتائجها النقطة الفاصلة في إكمال هذا المسار ضمن الشروط المطروحة بين الجانبين.
وفيما تشهد العاصمة الروسية موسكو، حالياً، اجتماعاً لوزراء خارجية تركيا والنظام، وهو اللقاء الدبلوماسي الأول من نوعه بعد لقاء وزراء الدفاع، يبدو أن النقاط الخلافية الأساسية لا تزال قائمة بين الجانبين.
إذ يريد النظام من تركيا سحب قواتها بشكل كامل من الأراضي السورية، فيما تشترط تركيا القضاء على انتشار “الإرهاب” قرب حدودها، وتوفير أساس عسكري وسياسي لعودة اللاجئين.
النظام يريد رحيل أردوغان
يقول الباحث في معهد دراسات العالم العربي والإسلامي في فرنسا، توماس بيريت، إن أردوغان يستخدم عملية التطبيع مع النظام كخطوة انتخابية، وإذا بقي في السلطة، فلن يكون لديه سبب لدفع هذه العملية.
وفي حديثه لشبكة “BBC” بنسختها التركية، قال بيريت إن النظام السوري يدعم فوز المعارضة التركية بالانتخابات المقبلة.
وأضاف: “هل تريد الحكومة السورية رحيل أردوغان؟ نعم بالتأكيد. لقد كانت في حالة حرب مع تركيا في أوقات معينة خلال السنوات العشر الماضية. لقد قاموا بحملات منذ سنوات ضد ما يسمى بالغزو التركي لشمال سورية”.
وتابع: “لا جدوى من الاستمرار في التطبيع إذا فاز (أردوغان) في الانتخابات”.
من جانبه، قال مراد الشيشاني من خدمة “BBC” العربية، إن النظام السوري ينظر إلى الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، كشخص يتدخل في بلاده ويدعم “الجماعات الإرهابية” ويقف في صف المعارضة السورية.
واعتبر أن النظام السوري والعديد من دول المنطقة يريدون رحيل أردوغان، وفوز المعارضة التركية.
ومع ذلك، فإن تركيا في وضع قوي للغاية بسبب علاقاتها الجيدة مع روسيا، بحسب الشيشاني، مضيفاً أن العلاقة بين سورية وتركيا ليست ثنائية الاتجاه، بل تتم عبر روسيا.
من ناحية أخرى، ذكر بيريت أن حكومة النظام السوري تعترف بـ”حزب الشعب الجمهوري” ومرشحه كمال كليشدار أوغلو، وسبق أن زارت وفوده النظام السوري عدة مرات وتبنى مسؤولوه خطاباً إيجابياً للغاية نحو النظام.
ومع ذلك يرى الباحث أنه في حال فوز “حزب الشعب الجمهوري”، سيحاول أيضاً تحسين علاقاته مع الغرب، وقد يتطلب ذلك نهجاً شديد الحذر عندما يتعلق الأمر بالمصالحة مع الأسد.
ماذا عن الشمال السوري؟
يرى الباحث في معهد دراسات العالم العربي والإسلامي في فرنسا، توماس بيريت، أن وضع “هيئة تحرير الشام” هو الأكثر تعقيداً، في حال خسرت الحكومة التركية الحالية الانتخابات.
وقال إن الهيئة “لديها اتفاقيات مع تركيا، وفي نفس الوقت لديها علاقات متوترة، خاصة أن للهيئة قادة على القائمة السوداء من قبل تركيا. وإذا فازت المعارضة في الانتخابات، فقد تظل هيئة تحرير الشام في موقف صعب”.
وبالتالي “يمكن أن تتجمع الفصائل السورية الخائفة من فقدان الدعم التركي مع هيئة تحرير الشام باعتبارها آخر قوة معارضة موثوقة”.
وبحسب بيريت، قد يغير بعض القادة السياسيين أو الدينيين أو العسكريين في صفوف قوى المعارضة مواقفهم عبر الانضمام إلى “هيئة تحرير الشام” في إدلب ، مضيفاً: “لقد حدث هذا بالفعل إلى حد محدود”.
ويسود تخوف في الشمال السوري من انسحاب القوات التركية على المدى القصير، في حال فازت المعارضة التركية بالانتخابات، بحسب تقرير “BBC”.
لكن الفوز في الانتخابات لا يعني بالضرورة أن المعارضة الحالية ستسحب قواتها من سورية، بحسب بيريت، معتبراً أنهم سيحتاجون إلى التفكير مرتين قبل سحب القوات، وهناك سببان رئيسيان لذلك.
الأول أن سحب القوات يمكن أن يؤدي لمشاكل، من بينها زيادة تدفق اللاجئين السوريين لتركيا في حال سيطر النظام على الشمال السوري.
والثاني أن مهمة الجيش التركي في سورية هي التعامل مع “وحدات حماية الشعب”، وتنظر أقسام من المعارضة التركية إلى الوحدات على أنها “تهديد وطني”، وبالتالي فإن أي حكومة تركية لا يمكنها سحب قواتها من سورية بين عشية وضحاها.
خطاب “غير واقعي” عن اللاجئين
تضع المعارضة التركية ترحيل اللاجئين السوريين كأبرز الملفات ضمن برنامجها الانتخابي، إذ قال المرشح كمال كلشدار أوغلو إنه في حال الفوز سيعيد جميع السوريين لبلدهم في غضون عامين كأبعد تقدير”.
وأضاف أنه سينسق ذلك بالتعاون مع حكومة النظام السوري.
وبهذا الصدد، قال مراد الشيشاني من خدمة “BBC” العربية، إن السوريين الذين يعيشون في تركيا قلقون من احتمال انتصار المعارضة، مشيراً إلى أن خطاب المعارضة التركية “عملي” لكنه “غير واقعي”.
فيما قال توماس بيريت إنه في حال فوز المعارضة التركية واتخاذها إجراءات لترحيل السوريين، فإن معظم السوريين لن يرغبوا بذلك وبالتالي فإن العودة ستكون قسرية، ما يعد انتهاكاً لحقوق الإنسان.
وأضاف أن ذلك “قد يعرض محاولات حزب الشعب الجمهوري لتحسين العلاقات مع الدول الغربية للخطر، وقد تثير هذه الخطوة رد فعل قوي من اللاجئين السوريين وأعضاء حزب العدالة والتنمية المعارضين آنذاك. كما أنه يخلق توترات شديدة مع قطر، على سبيل المثال”.