في سابقةٍ غير مألوفة في تاريخ العلاقات الروسية – الأميركية، حتى في عز أيام الحرب الباردة، وصف الرئيس الأميركي، جو بايدن، في مقابلة تلفزيونية، نظيره الروسي، فلاديمير بوتين، بأنه “قاتل”. وقد ترك هذا التصعيد الأميركي ضد بوتين ارتياحا في أوساط عديدة، خصوصا أن الرئيس بايدن لم يزد عن قول الحق، ذلك أن بوتين قاتل بالفعل، لكن ليس لأنه، كما أشار بايدن، يقوم بتسميم معارضيه، ومنهم ألكسي نافالني، بل الأهم، وهو ما تجاهله بايدن عمدًا، لأنه تسبب، منذ تدخله في سورية عام 2015، في قتل آلاف من النساء والأطفال والشيوخ، كما فعل في الشيشان قبل ذلك بعقدين، وتفاخره بأنه جعل من سورية ميدان رماية جرّب فيه كل أنواع الأسلحة التي طورها المجمع الصناعي العسكري الروسي خلال العقدين الأخيرين، ما زاد من حجم مبيعاته.
يعطي كلام بايدن شحنة عاطفية قصيرة الأمد، لكن عواقبه على القضية السورية، على المدى الأبعد، قد تكون بالغة السوء. إضافة طبعا إلى أن سجل بايدن ليس أفضل كثيرا، فقد قتلت إدارة أوباما (2009 – 2017) حيث شغل بايدن منصب نائب الرئيس، آلاف المدنيين من الأفغان والعراقيين والسوريين واليمنيين وغيرهم في حروب الدرونز ضد تنظيم القاعدة، ثم خلال حربها مع تنظيم الدولة الإسلامية في سورية والعراق (2014 – 2017). المفاضلة هنا إذا ليست بين من يحتل منطقة أخلاقية أعلى، أو يملك قيما إنسانية أكثر، وهو أمر لا تعنينا مناقشته هنا أصلا، ما يعنينا هنا هو هل سيكون للتصعيد الكبير بين موسكو وواشنطن تأثيرات إيجابية أم سلبية على الوضع في سورية؟
يعتقد بعضهم أن اتخاذ بايدن موقفا متشدّدا من بوتين سوف يسهم في تحجيم الدور الروسي الذي “انفلش” في سورية وعموم المنطقة، بسبب غضّ الطرف الأميركي في عهد إدارة ترامب. ولكن هؤلاء ينسون حقيقة أن الدور الروسي في المنطقة تعاظم، بما في ذلك التدخل في سورية، في عهد أوباما – بايدن، وأن روسيا أحرقت، تحت ناظريهما، مدنا سورية بأكملها (تذكرون مثلا شرق حلب بين يوليو/ تموز وديسمبر/ كانون الأول 2016؟) الأهم الذي يجب ألا يفوتنا أن سورية دفعت الثمن الأكبر للصراع الروسي – الأميركي في أوكرانيا عام 2014.
في ذلك الوقت، قرّرت إدارة أوباما توجيه ضربة قاصمة لمشروع الاتحاد الأوراسي الذي كان يمثل ذروة الطموح الاقتصادي والاستراتيجي الروسي. كان الرئيس بوتين يخطط لإنشاء اتحاد اقتصادي – سياسي، على شاكلة الاتحاد الأوروبي، يضم إليه بيلاروسيا وكازاخستان وأوكرانيا التي كانت تمثل جوهرة التاج في مشروعه هذا، بدونها لا يعود الاتحاد الأوراسي، أوراسيا، وكان بوتين استعادها من الغرب، بإيصال حلفائه إلى السلطة في انتخابات عام 2010، بعد أن كان قد خسرها في الثورة البرتقالية عام 2004. في أواخر عام 2013 موّلت واشنطن ودعمت احتجاجات أدّت إلى سقوط حليف موسكو، الرئيس فيكتور يانكوفيتش. ردّ بوتين بغزو شرق أوكرانيا، وضم شبه جزيرة القرم، ردّت واشنطن بفرض عقوبات على روسيا، لم يحتمل بوتين تعامل واشنطن معه كدولة عالمثالثية، بفرض عقوبات عليه، فقرّر أن يردّ في سورية. وعليه، قام بوتين بتعطيل مفاوضات جنيف 2 التي جرى الاتفاق على إطلاقها بموجب قرار مجلس الأمن 2118، والذي صادق على اتفاق تسليم أسلحة النظام السوري الكيميائية، وتم التوصل إليه بين بوتين وأوباما في سبتمبر/ أيلول 2013 في أثناء قمة سانت بطرسبورغ للاقتصادات العشرين الكبرى. فوق ذلك، قرّر بوتين التخلي عن معارضته إجراء انتخابات رئاسية في سورية، قبل التوصل إلى اتفاق سياسي، ودعم انتخابات 2014. ومع بلوغ العلاقات الروسية الأميركية الحضيض، قرّر بوتين توجيه صفعة كبرى لأوباما بالتدخل عسكريا في سورية.
خلاصة القول، تدل التجارب على أن تدهور العلاقات الأميركية الروسية قد لا يفيد، بالضرورة، في التوصل إلى حل سياسي للقضية السورية. بالعكس، قد يؤدّي ذلك إلى تدهور الأوضاع على الأرض، كما حصل قبل يومين في القصف الروسي على الأتارب، ويعتقد أنه مرتبط بالتوتر المستجد في العلاقة بين بوتين وبايدن. ولما بات دورنا، نحن السوريين، يقتصر على العمل مراقبين ومحللين سياسيين للتحولات المحتملة في علاقات الدول الفاعلة بقضيتنا، فليس أقل، إلى أن يرزقنا الله إرادة الفعل، من أن نحلّل بشكل صحيح ماذا هم فاعلون بنا.
المواد المنشورة والمترجمة على الموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر مؤسسة السورية.نت