كي لا يكرر ماكرون خطيئة شيراك وساركوزي مع الأسد
من المنطقي أن يتعامل كثيرون بحذر وتوجس مع مسارعة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى عقد مؤتمر دولي بهدف جمع التبرعات للبنان بعد انفجار مرفأ بيروت.
التوجس هنا على ثلاثة مستويات، اثنان منهما يخص الدول والحكومات، والثالث يتعلق بالشعوب، خاصة تلك المعادية لحزب الله اللبناني ومحوره الداخلي والإقليمي العوني-الأسدي-الإيراني.
فيما يتعلق بالدول، فإن حكومات كثيرة اعتذرت عن عدم حضور المؤتمر الذي استضافته باريس عبر الإنترنت يوم الأحد الماضي، وفي مقدمتها الولايات المتحدة، بدافع سياسي بالدرجة الأولى، يرى أن مثل هذه الخطوة المتعجلة تسهم في إنقاذ حزب الله وحكومته في بيروت، بمواجهة الغضب الشعبي العارم الذي انفجر بوجهها عقب انفجار المرفأ.
والواقع إن مثل هذا التوجس منطقي بالنظر إلى تاريخ التعاطي السياسي الفرنسي القريب جداً في المنطقة، حيث أسهمت رعونة سوء تقدير باريس للأوضاع في سوريا ولبنان منذ مطلع العقد الأول من هذا القرن في إنقاذ محور الأسد-حزب الله أكثر من مرة.
الأولى عندما حضر الرئيس الفرنسي الأسبق جاك شيراك جنازة حافظ الأسد، وكان الزعيم الغربي الوحيد الذي فعل ذلك، بل واحتضن وريثه بشار الأسد، مانحاً إياه وسام الشرف من الدرجة الأولى (لا يعرف أحد حتى اليوم لأي سبب!) ثم دعم موقفه بقوة تجاه التهديدات الأميركية بإسقاط النظام بعد احتلال العراق عام 2003، على أمل أن يبعده عن إيران، ثم عارض وبقوة الاندفاع الأميركي لنزع سلاح حزب الله بعد اغتيال رفيق الحريري، معتبراً أن ذلك يشكل خطراً على لبنان والمنطقة إذا ما حدث بالقوة، على الرغم من انقلاب شيراك على النظام في دمشق نتيجة اغتيال الحريري، حيث شاركت باريس وبقوة في إقرار قانون انسحاب سوريا من لبنان في مجلس الأمن.
الخطأ الفرنسي الثاني الذي أسهم في إنقاذ نظام الأسد وحزب الله لاحقاً، حدث على يد الرئيس السابق نيكولا ساركوزي، الذي قرر فور انتخابه عام 2007 استعادة العلاقات مع نظام الأسد والتي كان قد جمدها جاك شيراك اعترافاً بخطئه، بل ودعاه لحضور الاحتفال باليوم الوطني الفرنسي عام 2008 منهياً بذلك العزلة الدولية التي فرضت على نظام دمشق بسبب تدخلاته في لبنان والعراق، على أمل أن يبعد ذلك الأسد عن إيران ويدفعه لإجراء إصلاحات داخلية (!!) واستمر الزعيمان بتبادل الزيارات حتى عام 2011 عندما اندلعت الثورة السورية وتعرضت سفارة فرنسا في دمشق لاعتداء من قبل الشبيحة.
فهم ساركوزي مرة أخرى، ومتأخراً أيضاً مثل سلفه جاك شيراك، أن الأسد تلاعب به، وأنه لا يمكن أن ينفك عن إيران أو يقدم أي تنازلات أو إصلاحات، لذلك كان من أشد المتحمسين لشن هجوم عسكري على النظام في خريف عام 2013 بعد استخدامه السلاح الكيماوي في الغوطة الشرقية، لكن نظيره الأميركي باراك أوباما عدل عن تهديداته وقتها، وقرر نزع سلاح الجريمة والإبقاء على القاتل طليقاً!
واليوم تبدو مسارعة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لحشد العالم من أجل تقديم المساعدات العاجلة للبنان، مع ضرورة هذه المساعدات بالطبع، إلا أن الخشية من أن يسطو حزب الله على أموال الدعم ويقاسم بها حليفه نظام الأسد، خاصة في ظل الأزمة الاقتصادية الخانقة التي يعيشها الطرفان جراء تشديد العقوبات الغربية عليهما وعلى إيران، تبدو مخاوف مشروعة، مثلها مثل المخاوف من أن تكون هذه الخطوة مقدمة لكسر العزلة وفك الخناق السياسي المفروض على هذا المحور، كما حدث في كل مرة بادرت فيها باريس على خط دمشق-بيروت.
لقد كان واضحاً مدى السعادة والارتياح الذي قابل بهما حزب الله المبادرة الفرنسية، إلى درجة أنه لم يعلق على الإهانات الكبيرة التي وجهها ماكرون لقادة وزعماء لبنان خلال زيارته إلى بيروت عقب انفجار الميناء، بل إن أمين عام الحزب حسن نصرالله أكد دعمه لمبادرة باريس وانفتاحه على المساعدات الخارجية من أي جهة أو دولة كانت.
وبالطبع فإن هذا الموقف كان منتظراً من قبل الحزب الذي تعلم أن يستفيد من كل حدث أو تطور ويجيره لصالحه، سواء في لبنان أو في دول الجوار، الأمر الذي دفع الشعب اللبناني لرفع صوته من أجل وضع ضوابط صارمة تمنع وصول أموال المساعدات إلى الحزب والنظام في دمشق.
تحفظات ومطالبات تفاعل معها الرئيس الفرنسي الذي وضع عدة شروط لنقل أموال التبرعات إلى بيروت، وهي أن يتم تقديمها وصرفها تحت إشراف البنك الدولي ومؤسسات الأمم المتحدة، وبعد تشكيل حكومة وحدة وطنية جديدة في لبنان، وهي شروط لا تعتبر كافية للقول إنها ستمنع حزب الله من السطو على هذه الأموال بالفعل.
فأي حكومة سيتم تشكيلها وفق المعايير اللبنانية المعتمدة منذ اتفاق الطائف، ولاحقاً اتفاق الدوحة 2008، وأي مؤسسات دولية يمكن أن تعمل في لبنان، لن تستطيع القيام بأي دور مستقل ولن يسمح لها حزب الله بالعمل خارج هيمنته، حتى لو كان الثمن دمار لبنان كله وموت الشعب من الجوع.
هذه حقيقة أصبحت بديهية، فمدرسة حزب الله هي ذاتها المدرسة التي ينتمي إليها بشار الأسد، وهي مدرسة النظام الإيراني الذي عاث في المنطقة فساداً منذ أربعة عقود وما يزال، ودمر مقدرات الدولة والشعب الإيراني التي يحسده عليها العالم، من أجل ادامة سلطته وتحقيق مشروعه الطائفي، وعليه فإن أي مقاربة لا تأخذ هذه الحقيقة بعين الاعتبار، ستكون نتيجتها وخيمة في المستقبل، كما كانت نتائج سياسات شيراك وساركوزي على مدار عشرة أعوام.
المواد المنشورة والمترجمة على الموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر مؤسسة السورية.نت