لأول مرة لبنان وإسرائيل على طاولة المفاوضات لترسيم الحدود..الخلفيات والدوافع
السورية.نت – خالد خليل
أعلن رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري، أمس الخميس، أن لبنان وإسرائيل اتفقتا بوساطة أمريكية على إطلاق مفاوضات رسمية ومباشرة لترسيم الحدود البحرية والبرية تحت رعاية الأمم المتحدة، وفي حال انعقادها ستكون الأولى من نوعها بين الجانبين منذ نحو 30 عاماً.
وقال بري خلال مؤتمر صحفي، عقده في بيروت، إن ما اتفق عليه هو إطار اتفاق للتفاوض حول ترسيم الحدود بين لبنان وإسرائيل، موضحاً ان الاجتماعات ستكون في مقر قوات “اليونيفيل” في الناقورة جنوب لبنان، برعاية الأمم المتحدة وتحت علمها.
وأضاف رئيس مجلس النواب أن زيارة وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو إلى لبنان العام الماضي هي التي أعادت ملف ترسيم الحدود إلى الحياة، مؤكداً تلازم المسارين البري والبحري في عملية الترسيم.
وقال مساعد وزير الخارجية الأمريكي لشؤون الشرق الأدنى ديفيد شينكر، وهو مندوب من إدارة ترامب لهندسة هذا الاتفاق، إن مفاوضات رباعية ستعقد في 12 أو 14 من الشهر الجاري، تضم طاولات المفاوضات كل من لبنان وإسرائيل والولايات المتحدة والأمم المتحدة.
وكانت صحيفة “يديعوت أحرونوت” الإسرائيلية قد ذكرت أنه من المتوقع بدء مفاوضات رسمية حول ترسيم الحدود البحرية بين البلدين بعد نهاية موسم “عيد المظلات” في الديانة اليهودية (ينتهي في 9 من الشهر الجاري)، ومع تقدم المفاوضات سيتم إدراج ترسيم الحدود البرية أيضاً.
وسيقود المفاوضات من الجانب اللبناني الجيش اللبناني بإشراف رئيس الجمهورية ميشيل عون، ومن جانب إسرائيل ستتولى وزارة الدفاع المفاوضات، بحسب ما أعلن الطرفان.
وتأتي هذه الخطوة بعد تعثر المحادثات بين إسرائيل ولبنان، والذي دام عقداً من الزمن، ومن شأنها أن تنهي النزاع الحدودي على المياه الاقتصادية الغنية بالغاز في السواحل الشرقية للمتوسط.
بوساطة أمريكية
التوصل إلى إطار الاتفاق هذا لعبت فيه واشنطن دور الوساطة، عبر إجراء محادثات دبلوماسية بين الجانبين استمرت أكثر من عامين وشملت ثماني زيارات، قادها مساعد وزيرة الخارجية الأمريكية ديفيد شينكر، ومن قبله الدبلوماسي الأمريكي ديفيد ساترفيلد سفير واشنطن الحالي لدى أنقرة.
وقد رحبت واشنطن بهذه الخطوة، ووصفها وزير الخارجية مايك بومبيو بـ”الاتفاق التاريخي”، وتأمل الإدارة الأمريكية أن يتوصل الطرفان إلى اتفاق في غضون ستة أشهر ستقوم خلالها شركات من الجانبين بإجراء مسح زلزالي في المنطقة المتنازع عليها.
وتستند المبادرة الأمريكية لطي صفحة النزاع الحدودي بين الجانبين، إلى تفاهم أبريل/نيسان 1996 (لوقف إطلاق النار)، ومن بعده قرار 1701 الصادر عن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة في عام 2006.
تفاهم نيسان 1996 هو بمثابة وقف إطلاق نار بين لبنان وإسرائيل برعاية أمريكية، وهو اتفاق مكتوب غير رسمي بين تل أبيب وحزب الله، وبعد الانسحاب الإسرائيلي، أحادي الجانب، من جنوب لبنان عام 2000 أُعتبر “الخط الأزرق” ، هو الحد البري الفاصل بين البلدين، وتنتشر فيه قوات تابعة للأمم المتحدة (اليونيفيل).
أما بالنسبة للحدود البحرية بين الجانبين، على الرغم من أنها لم تشهد نزاعات عسكرية إلا أنها تشهد خلافات على ترسيمها، ومنذ 2010 شرعت بيروت وتل أبيب، بناءً على طلب من الأمم المتحدة، بمحادثات لترسيم حدود المياه الاقتصادية بعد اكتشاف الغاز فيها، ولكنها لم تتوصل إلى صياغة توافق بسبب اعتراضات “حزب الله”.
ونقلت يديعوت أحرونوت عن وزير الطاقة الإسرائيلي يوفال شتاينتس، ممثل الجانب الإسرائيلي بالمحادثات قوله: “هدفنا إنهاء الخلاف حول ترسيم المياه الاقتصادية بين إسرائيل ولبنان من أجل الوصول إلى منصات الغاز في المتوسط”.
وأضاف الوزير الإسرائيلي، ستكون هذه أول مفاوضات سياسية-مدنية بين إسرائيل ولبنان منذ 30 عاماً.
ويبدو أن الوضع الاقتصادي الصعب في لبنان، الموشكة على الإفلاس، هي التي ساهمت في نجاح المساعي الأمريكية الحالية في التوصل إلى إعلان إطار الاتفاق لترسيم المياه الاقتصادية، الأمر الذي يعني “موافقة ضمنية من قبل حزب الله”، بحسب مصادر إعلامية إسرائيلية.
المساحة المتنازع عليها
والمساحة المتنازع عليها في الحدود البحرية بين إسرائيل ولبنان صغيرة نسبياً، تبلغ مساحتها 850 كيلومتراً مربعاً من المياه الاقتصادية. وتمثل نسبة حوالي 3% من المياه الاقتصادية للبنان، ولإسرائيل هي أقل من 2٪.
وذكرت “يديعوت أحرونوت” أن إسرائيل أبدت في عام 2012 استعدادها لتقسيم الحقوق في المنطقة البحرية المتنازع عليها بنسبة 58:42 بالمئة لصالح اللبنانيين، هذا العرض قدمته واشنطن حينها ويعرف باسم “خط هوف”(فريدريك هوف هو دبلوماسي الأمريكي الذي اقترح خط ترسيم الحدود البحرية)، ولكن بيروت رفضته.
وفي حال نجحت المفاوضات في الوصول إلى اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين الطرفين ستتيح لهما ببدء التنقيب عن الغاز في المناطق المتنازع عليها. بالنسبة للجانب اللبناني “هناك مجال كبير جداً، خصوصاً بالنسبة للبلوك 8 و9، الذي سيكون أحد أسباب سداد ديوننا”، بحسب تصريحات نبيه بري.
أما بالنسبة لإسرائيل ستستفيد من التنقيب في حقل “ألون دي” المتاخم للمنطقة البحرية المتنازع عليها. كما يتوقع الإسرائيليون أن تقلل الاتفاقية من خطر أي نشاط عسكري معادٍ ضد منصات الغاز الإسرائيلية، الأمر الذي تعتبره تل أبيب أهم نقطة استراتيجية ترغب في تحقيقها.
ويعود اكتشاف مخزونات ضخمة من احتياطي النفط والغاز الطبيعي في المنطقة القريبة من حدود لبنان مع إسرائيل، إلى عام 2009 على يد شركة أمريكية، الأمر الذي أدى إلى تفجير أزمة ترسيم الحدود في المياه الاقتصادية بين بيروت وتل أبيب.
المكاسب السياسية
واللافت في هذا الاتفاق أنه ما كان ليتم لو لا موافقة “حزب الله” الذي يتحكم في مفاصل الدولة اللبنانية، ويسيطر على منطقة الجنوب، التي تشهد باستمرار حروب ومناوشات عسكرية بين الحزب وتل أبيب.
ويأتي في مرحلة حرجة تمر بها لبنان على الصعيد السياسي والاقتصادي، تهدد بانهيار الدولة وإفلاسها، لاسيما بعد انفجار مرفأ بيروت في آب/أغسطس الماضي.
ومن الواضح أن الدور الأمريكي، ونجاحه في التوصل إلى جلب اللبنانيين إلى طاولة المفاوضات مع الإسرائيليين، دليل على فشل المبادرة الفرنسية ومساعي ماكرون لإعادة نفوذ باريس على لبنان.
ولكن يحمل هذا التوافق دلالات سياسية ومكاسب تطمح إليها كل من الأطراف اللبنانية وتل أبيب وترامب، فلبنان يسعى لتحسين الأوضاع الاقتصادية من خلال البدء بالتنقيب عن الغاز إضافة إلى تخفيف أعباء العقوبات الاقتصادية الأمريكية على البلاد عبر استمالة إدارة ترامب، الذي ينشط مؤخراً كمنسق أعمال لليمين العنصري في إسرائيل.
ومن ناحية أخرى، يرى محللون، أن حزب الله يحاول شراء الوقت إلى حين ظهور نتائج الانتخابات الرئاسية الأمريكية بداية الشهر المقبل، ولم تكن موافقته إلا تكتيكية بناء على استعجال ترامب الذي يحاول قبيل الانتخابات جمع أكبر عدد من الإنجازات على صعيد السياسة الخارجية، والتي تمثلت بتوقيع اتفاقيات تطبيع بين تل أبيب ودول في منطقة الخليج العربي والبلقان.
كما يدرك زعماء لبنان أن الحضن الأمريكي ضمانة لبقائهم في الحكم ولو على حطام بلد على شفة الانهيار بسبب فسادهم، وهذا ما يفسر إسراع بري بالإعلان عن الاتفاق قبل ساعات من المسؤولين الأمريكيين وفقاً لما كان مقرراً.