قرر لاجئ سوري أن يحيل السلطات الكرواتية إلى “المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان”، في أول تحدٍ لممارستها المتمثلة في عمليات إعادة المهاجرين إلى البوسنة، وفق تقرير لصحيفة “الغارديان”.
وكان سامي البركل قد التقط صوراً وبشكل سري لحرس الحدود الكرواتيين في أثناء إقدامهم على ضرب رفاقه خلال رحلة الهجرة واجتياز الحدود من البوسنة إلى كرواتيا.
ويقول لصحيفة “الغارديان” في تقرير نشر، اليوم الاثنين: “لا أستطيع أن أنسى تلك التجربة على الحدود”.
وأضاف: “لقد صنعت هذا الفيديو لأنني أردت أن يفهم الناس ما كان يحدث لنا وكيف يلعبون بحياتنا كما لو أنها لا تساوي شيئاً. لذلك لدي آمال كبيرة في المحكمة”.
ما قصة الشاب؟
البركل غادر مدينة عين العرب (كوباني) في سورية عام 2014، وعندما بدأ تنظيم “الدولة الإسلامية” حملته هناك كان يبلغ من العمر 13 عاماً.
يعود بالذاكرة إلى الوراء، ويشرح أنه انتقل مع عائلته إلى تركيا، إثر هجوم التنظيم، وعمل هناك بحصاد وتعبئة الخضروات.
لكن وعندما أدرك أنه لا يستطيع الاستمرار على هذا المنوال، واشتبه في أنه لن يجد عملاً في ظل ظروف عمل أكثر إنسانية في تركيا، قرر الانضمام إلى مئات طالبي اللجوء على طريق البلقان يومياً، محاولين الوصول إلى وسط أوروبا.
وتقوم شرطة الحدود الكرواتية بإيقاف العديد منهم وتفتيشهم، مع تعرض بعضهم للسرقة وإعادتهم بعنف إلى البوسنة، حيث تقطعت السبل بالآلاف من طالبي اللجوء في درجات حرارة متجمدة.
وتعتبر عمليات الإرجاع هذه انتهاكاً للقانون الدولي، والذي ينص على أنه يجب أن تتاح لطالبي اللجوء فرصة تقديم طلب اللجوء بمجرد وجودهم داخل حدود البلد.
"Croatia was across the border. I was scared and alone. I had seen the wounds and blood after others had been beaten up by the officers." Sami Barkal tells @EP_Justice LIBE hearing about his #pushback whilst a minor. He took Croatia to @ECHR_CEDH. More 👉 https://t.co/Faep0xJz3u pic.twitter.com/oz7lgTSVC2
— ECCHR (@ECCHRBerlin) March 1, 2023
“الشرطة الكرواتية تعذبهم”
ويوضح البركل بقوله: “كان الوضع كارثياً. لم يكن هناك أي دعم على الإطلاق، وانتهى بنا الأمر بالنوم في حقل موحل”.
“كانت لدي خيمة، لكن كان على كثيرين آخرين أن يرتجلوا أكياس القمامة. لقد اعتمدنا على المتطوعين والسكان المحليين للحصول على الطعام والاستحمام”.
ويتابع أنه قرر في نوفمبر 2018 محاولة عبور الحدود من البوسنة إلى كرواتيا مع مجموعة من طالبي اللجوء من شمال إفريقيا.
ولأنه الأصغر في المجموعة، اقترح الكبار عليه البقاء في حالة إيقافهم من قبل الشرطة الكرواتية، وفجأة سمع صراخاً يتردد صداه في هواء الليل البارد، الأمر الذي دفعه للتصوير مختبئاً خلف شجيرات.
“الشرطة الكرواتية تعذبهم. “إنهم يكسرون عظام الناس”، همس البركل في هاتفه بينما كان يُسمع صوت الهراوات وهي تضرب اللحم، ثم ساد الصمت.
وبعد دقائق، خرج ثلاثة رجال من مجموعته من الغابة بوجوه مصابة بالكدمات وأفواه وأنوف دامية وأضلاع مكسورة.
وكانت صحيفة “الغارديان” أول وسيلة إعلامية تنشر الفيديو الذي انتشر بسرعة كبيرة وأصبح أحد الأدلة الأولى على سوء المعاملة الجسدية للمهاجرين على يد الشرطة الكرواتية.
يقول البركل: “كنت خائفاً جداً لأننا كنا نسير في هذا الاتجاه. لكن كان علي أن أصور بعضاً مما حصل حتى يفهم الناس ما يجري على الحدود”.
ألمانيا تزف خبراً لـ #الاجئين_السوريين..# وتقارير تكشف عن تعذيب وحشي يتعرض له اللاجئون في #كرواتيا pic.twitter.com/IcsFjuU1GS
— Alwakale – الوكالة (@alwakale) October 28, 2020
ما المتوقع أمام المحكمة؟
ولم تكن هذه هي المرة الأولى التي يُجبر فيها البركل على العودة، وقبل ذلك بشهر، في أكتوبر/تشرين الأول من العام نفسه، أوقفه حرس الحدود الكرواتي هو ومجموعة من السوريين أثناء استراحتهم في مبنى مهجور.
ويقول: “أجرى الضباط تفتيشاً لنا وصادروا ممتلكاتنا. ثم تم اصطحابنا إلى شاحنة بيضاء وإعادتنا إلى الحدود”.
وعندما فُتحت أبواب الشاحنة، يتابع اللاجئ السوري: “رأينا مجموعة من ضباط الشرطة المسلحين ينتظرون في الخارج. أشاروا لنا بالتحرك ولم يقولوا كلمة واحدة. كنا خائفين جداً من التحدث”.
وبعد محاولات عديدة، تمكن البركل أخيراً من الوصول إلى ألمانيا في نهاية عام 2018 حيث وافقت السلطات على طلبه للحصول على اللجوء.
ويوضح كارستن جيريك، المحامي الشريك للمركز الأوروبي للحقوق الدستورية وحقوق الإنسان (ECCHR) أن البركل واثنين من السوريين الآخرين يمثلان في قضيتهم أمام المحكمة.
ويقول جيريك إن موكليه شرحوا لهم كيف أنهم “تعرضوا للطرد الجماعي” و”لم يُمنحوا فرصة لشرح وضعهم بشكل فردي وأُجبروا على العودة معاً دون أي تقييم”.
ولم تتح للبركل أيضاً أي فرصة للطعن في عودته، وعلى الرغم من أنه كان قاصراً، فقد أعاده الضباط إلى البوسنة دون تقييم المخاطر التي يتعرض لها.
كما تمت إعادته رغم أن “حرس الحدود الكرواتي على علم تام بأنهم يجبرونه على العودة إلى الفقر المدقع في البوسنة، التي ليس لديها نظام لجوء فعال”، وفق جيريك.
ويضيف: “قضية البركل تتحدى سياسة الصد التي تتبعها كرواتيا على نطاق أوسع: يتعامل الضباط الكرواتيون بشكل روتيني مع الأشخاص خارج إطار القانون، ولا يسجلون أي سجلات رسمية لوجود اللاجئين والمهاجرين على أراضيهم”.
كما يحتجزونهم بمعزل عن العالم الخارجي ويعرقلون وصولهم.
وسائل إعلام غربية تكشف عن تعذيب وحشي يتعرض له #اللاجئون في #كرواتيا | موقع النصر الإخباري /25261/show https://t.co/GDVDk45VI0 pic.twitter.com/Vx0TnsxMiB
— nasr fatfat (@nasrfatfat1) October 27, 2020
“استثنائية”
ووفقاً للمركز الأوروبي للحقوق الدستورية وحقوق الإنسان، فإن “قضية البركل استثنائية”، حيث شهد العديد من الأشخاص الآخرين مواقف مماثلة، لكن حالات قليلة فقط تصل إلى المحاكم الدولية بسبب العقبات اللوجستية التي تنطوي عليها.
ويجب على المحكمة، حسب “الغارديان” أن تقرر أن كرواتيا انتهكت حقوق سامي البركل بطرده بشكل غير قانوني إلى البوسنة عندما كان قاصراً.
وبالإضافة إلى هذه النتيجة، سيُطلب من كرواتيا ضمان عدم تكرار مثل هذه الانتهاكات مرة أخرى، وسيتعين عليها وضع خطة عمل وتقديم تقارير عن تنفيذها.
وعلى الرغم من شهادات عمال الإغاثة ووسائل الإعلام والصحفيين، نفت كرواتيا باستمرار أنها أعادت طالبي اللجوء إلى البوسنة أو استخدمت العنف ضدهم.
ومع ذلك، في عام 2019، بعد أشهر من النفي الرسمي، في مقابلة مع التلفزيون السويسري، بدا أن الرئيسة الكرواتية آنذاك كوليندا غرابار كيتاروفيتش تعترف بحدوث عمليات الصد.
ونفت أنها غير قانونية وقالت أيضاً إن الشرطة استخدمت القوة عند القيام بذلك.
وقالت غرابار كيتاروفيتش، كما ورد في المقابلة: “لقد تحدثت مع وزير الداخلية ورئيس الشرطة والضباط على الأرض، وأكدوا لي أنهم لم يستخدموا القوة المفرطة”.
وأضافت: “بالطبع، بعض القوة ضرورية أثناء عمليات الصد”.
وقضت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان في عام 2019 بأن الشرطة الكرواتية مسؤولة عن وفاة فتاة أفغانية تبلغ من العمر ست سنوات.
وكانت السلطات قد أجبرت عائلتها على العودة إلى صربيا، عن طريق عبور خطوط القطارات دون السماح لهم بطلب اللجوء.
وصدم القطار الفتاة، التي تدعى مدينة حسيني، ما أسفر عن مقتلها بعد أن أعادتها السلطات الكرواتية مع عائلتها في عام 2017.