خصصت الصحف ووسائل الإعلام العربية جزءاً كبيراً من تغطيتها، للقاء موسكو الذي جمع وزير الدفاع التركي، خلوصي أكار، مع وزير دفاع النظام، علي محمود عباس، الأربعاء الماضي، في خطوة وصفت بأنها “غير مسبوقة” ضمن سياق العلاقات المتوترة بين الجانبين على مدى 11 عاماً.
ولا تزال طبيعة الخطوة التركية غير واضحة المعالم، وسط ملابسات عما إذا كانت تمثل تغيراً جذرياً في الموقف التركي تجاه النظام السوري، أم أنها مجرد حسابات تكتيكية لتركيا في مواجهة “خطر الحدود” واللاجئين والانتخابات الرئاسية.
“لعب في الوقت الضائع”
الكاتب والصحفي اللبناني خير الله خير الله، كتب في صحيفة “العرب” اللندنية مقال رأي، اليوم الأربعاء، بعنوان: “روسيا وتركيا وسوريا… لعب في الوقت الضائع”.
وقال خير الله إن اللقاءات التركية مع النظام تأتي في ظل ضغوطات روسية على طرفين لا يمكن إيجاد أي نوع من التفاهم بينهما في أي مجال من المجالات، وهي أقرب إلى لعبٍ في الوقت الضائع، حسب تعبيره.
وأضاف: “تعلم أنقرة أنّ القرار في دمشق ملك طهران. تعلم أيضاً أنّه في مرحلة معيّنة صارت موسكو شريكاً لطهران في قرار دمشق بعد دخولها على خط المواجهة المباشرة مع الشعب السوري”.
واعتبر أن الرئيس التركي يدرك أنّ لديه “مصلحة”، في الوقت الراهن، في مسايرة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ويعود ذلك إلى أسباب عدة في مقدمها حاجة روسيا إلى تركيا في حربها على أوكرانيا.
وأضاف: “لدى تركيا مصالحها ولدى أردوغان تطلعاته. لديه خصوصاً الأزمة الاقتصادية التي يمرّ فيها بلده، وهي أزمة قد تحول دون فوزه في الانتخابات الرئاسيّة المقبلة”.
وطرح خير الله تساؤلاً حول الموقف الإيراني من تقارب النظام السوري مع تركيا، خاصة أن أي اتفاق بين النظام السوري وتركيا سيسمح باحتفاظ تركيا بمنطقة نفوذ تقع تحت سيطرة إيران العسكرية المباشرة، في عمق 30 إلى 35 كيلومتراً على طول الحدود بين البلدين.
وخلص الكاتب إلى أن أي اتفاق بين النظام وتركيا لن يسهم في إعادة إعمار سورية، ولا في عودة السوريين الموجودين في الخارج أو في مناطق سورية معيّنة إلى أرضهم.
“خطوة في الفراغ”
في مقال رأي له عبر موقع “العربي الجديد”، تحت عنوان “لقاء موسكو السوري التركي خطوة في الفراغ”، اعتبر الكاتب السوري علي العبدلله أن اللقاء هو محطة فاصلة بين مرحلتي إعلان تركيا استعدادها للتطبيع مع النظام وبين الانخراط العملي في تنفيذ ذلك الاستعداد.
وأضاف أنها اللقاء جاء في لحظة سياسية “دقيقة ومفصلية” بالنسبة لتركيا والنظام، إذ تسعى تركيا برئاسة أردوغان إلى توفير مناخ سياسي واقتصادي داخلي وخارجي لمعركته الانتخابية، الرئاسية والبرلمانية، عبر وضع ملف اللاجئين السوريين على طريق الحل، إلى جانب سعيه لإقامة “منطقة آمنة” على طول الحدود التركية السورية، حسب قوله.
أما النظام، يسعى من وجهة نظر العبدلله إلى إقناع روسيا بدعمه لمواجهة الانهيار الاقتصادي الحاصل في مناطق سيطرته، عبر مده بحوامل الطاقة، لمواجهة توقف عجلة الإنتاج وتسيير المؤسسات الخدمية، ما جعله يرضخ للضغوط الروسية من أجل التقارب مع تركيا.
وأضاف الكاتب أن الانخراط في المفاوضات بين روسيا وتركيا والنظام، لا يشكل ضمانة أكيدة للوصول إلى اتفاقات شاملة لتفاصيل الملف السوري.
وتحدث عن موانع عدة أبرزها “الخلاف المديد بين الطرفين والمستوى الذي بلغه، بما في ذلك سفك الدماء وتبادل التهم والتجريح الشخصي، وصعوبة تبرير الانتقال من موقفٍ إلى نقيضه”، بالإضافة إلى عدم رغبة النظام السوري بعودة اللاجئين، حسب العبدلله.
وختم بقوله: “حديث أطراف اللقاء الثلاثي عن تسوية الأزمة السورية لا يعني أنها التسوية المطلوبة، حتى لو ادّعت أنها تنفذ قرار مجلس الأمن رقم 2254، لأن قراءة روسيا والنظام السوري له تُفرغه من مضمونه الحقيقي”.
“بداية التسوية السورية؟”
الكاتب اللبناني بسام مقداد، اعتبر في مقال رأي عبر جريدة “المدن” الإلكترونية، أن روسيا ترى في اللقاء الثلاثي وما سيتبعه، بداية تسوية للملف السوري، وهو ما يعتبره الكرملين وفق “البروباغندا” الخاصة به “نجاحاً كبيراً” للسياسة الروسية.
وأضاف أن الرئيس التركي ألمح إلى موافقته على لقاء نظيره السوري، نزولاً عند رغبة موسكو، لكنه اقترح ما يشبه خطة طريق لذلك تقتضي باجتماع مسؤولي المخابرات في البلدين، يليه اجتماع الدفاع ثم وزيري الخارجية ليأتي بعدها لقاء رئيسي البلدين.
أما الباحث والكاتب السوري مروان قبلان، أشار في مقال رأي على موقع “العربي الجديد”، إلى وجود جدل حول طبيعة الخطوة التركية ومداها، وما إذا كانت تعكس تغيراً عميقاً في السياسة التركية، أم هي مجرّد حسابات تكتيكية، آنية مرتبطة بالانتخابات.
وأضاف أنه لا يمكن الإجابة على ذلك، نظراً لارتباطه بحسابات معقّدة لكل طرف، وحجم التنازلات المطلوب منه تقديمها، فضلاً عن وجود جهات أخرى مهمّة لم تحدد موقفها بعد من هذا التطوّر.
وبحسب قبلان، يطالب النظام تركيا بالانسحاب من الأراضي السورية ووقف دعم المعارضة والمساعدة بإعادة الإعمار، وهو أمر لم توافق عليه تركيا، ويحتاج إلى ثمن سياسي “محرز”، حسب تعبيره.
لكن تدور المصالح التركي، من وجهة نظر قبلان، حول عاملين رئيسيين، أولهما الانتخابات الرئاسية والحاجة إلى التعاون مع النظام لحل مشكلة اللاجئين السوريين، والثاني مرتبطٌ بالدور الأميركي في سورية، إذ تعتقد أنقرة أن واشنطن تخطّط فعلياً لإنشاء كيان كردي في شمال شرق سورية.
وختم: “سيكون التطبيع بين النظام السوري وتركيا عمليةً صعبة ومعقّدة. ومهما كانت مخرجات الاجتماعات المجدولة بشأنها، فإنها ستبقى مرهونةً بنتائج الانتخابات الأكثر أهمية في تاريخ تركيا المعاصر”.