خلال الأسبوع الماضي تم تذكير العديد من الأمريكيين بأن الولايات المتحدة لا تزال تشارك بنشاط في القتال العسكري في الخارج، ولكن هذا الصراع ليس في أفغانستان، حيث سحبت الولايات المتحدة قواتها، كما أنه ليس في أوكرانيا، بل إنه في سورية.
وسمحت إدارة بايدن، قبل سبعة أيام، بشن غارات جوية ضد المسلحين المدعومين من إيران، رداً على الهجمات الصاروخية على القواعد التي تأوي القوات الأمريكية.
وبينما أسفرت صواريخ المسلحين المدعومين من إيران عن إصابات طفيفة فقط للقوات الأمريكية، أشارت التقارير إلى أن الضربات الانتقامية من جانب واشنطن “كانت واسعة النطاق وقاتلة”.
وبينما بدا أن حرب أفغانستان استمرت “إلى الأبد”، وأن الحرب في أوكرانيا “ركزت” وأثارت اهتمام الرأي العام على مدى الأشهر الستة الماضية، يبدو أن الحرب السورية “منسية” إلى حد كبير، حسب تقرير حديث لمجلة “وورلد بوليتكس ريفيو“.
لكن ومن “باب الإنصاف”، حسب ما يقول “باول بواست” وهو أستاذ مشارك في قسم العلوم السياسية بجامعة شيكاغو فإن “الحرب في سورية” كانت قد لفتت الانتباه في “لحظات معينة”.
وذلك جاء عندما قرر الرئيس آنذاك باراك أوباما عدم مهاجمة قوات بشار الأسد، رداً على استخدام الأسلحة الكيماوية في عام 2013، أو عندما اختار دونالد ترامب الرد بقوة على هجوم بالأسلحة الكيماوية في عام 2017.
كما كان هناك الكثير من الغضب إزاء عمليات القتل الوحشية – بما في ذلك بحق الأمريكيين، على يد تنظيم “الدولة الإسلامية” في عام 2015، فضلاً عن القلق من قرار الولايات المتحدة “التخلي عن الأكراد”، شركاء واشنطن على الأرض.
لكن بشكل عام، يضيف الباحث الأمريكي، حسب ما ترجمت “السورية.نت”، عن تقرير المجلة: “فقد فشلت الحرب السورية في جذب انتباه الرأي العام الأمريكي، لعدة أسباب”.
ما هي هذه الأسباب؟
أولى الأسباب، وفق باول هو أن “الحرب السورية معقدة. إنها حرب أهلية، حيث تخوض مجموعات مسلحة وميليشيات مختلفة في القتال ضد نظام الأسد، وكذلك ضد بعضها البعض”، حسب تعبيره.
وقد تدخلت جهات خارجية عديدة في القتال، بما في ذلك الولايات المتحدة، التي تدعم إلى حد كبير المتمردين المناهضين للأسد، وروسيا، التي تدعم نظام الأسد، وكذلك إيران و”حزب الله” وتركيا.
“إن تعقيد الصراع وعدد القوى المتدخلة يجعله مشابهاً للحرب الأهلية الإسبانية في الثلاثينيات أو حتى حرب الثلاثين عاماً، في وسط أوروبا في القرن السابع عشر”.
وتشير حقيقة أن الحرب في سورية أصبحت “منسية” إلى اتجاه أكثر إثارة للقلق.
ويقول الباحث باول: “الولايات المتحدة منخرطة في حروب حول العالم لدرجة أن الحرب التي يشارك فيها الجيش الأمريكي لم تعد تسجل حتى لدى الجمهور الأمريكي”.
ولم تكن الولايات المتحدة فقط واحدة من العديد من الجهات الفاعلة في الحرب، ولكن على عكس غزو أفغانستان عام 2001 أو غزو العراق عام 2003، لم تكن البادئ أو المشارك الأساسي في الصراع.
ولقد لعبت واشنطن دوراً داعماً إلى حد كبير كـ”طرف محارب”، على الرغم من أنها، على عكس أوكرانيا، “دولة محاربة”.
وهذا يعني أن أحداثاً مثل حدث الأسبوع الماضي، حيث تعرضت القوات الأمريكية لهجوم مباشر، “قليلة ومتباعدة”. وهذا بدوره يعمل على إبقاء التدخل الأمريكي في سوريا بعيداً عن انتباه الجمهور، وفق باول.
ومع ذلك، لا يعني ما سبق أن الولايات المتحدة لم تلعب أي دور في بداية “الصراع”.
عندما اندلعت الاحتجاجات ضد نظام الأسد في عام 2011، أصدر أوباما بياناً قال فيه: “مستقبل سورية يجب أن يقرره شعبها، لكن الرئيس بشار الأسد يقف في طريقهم. من أجل الشعب السوري، حان الوقت لكي يتنحى الرئيس الأسد”.
“ربما خوفاً من تدخل واشنطن، صعد نظام الأسد حملته على المتظاهرين. وربما توقعاً للدعم الأمريكي، بدأت الجماعات المتمردة في القتال”.
ويتابع الباحث: “تم تسليحهم وتدريبهم في وقت لاحق من قبل القوات الغربية، بما في ذلك الولايات المتحدة. كانت الحرب مشتعلة وربما يكون تصريح أوباما قد ساهم في تصعيد العنف”.
السبب الثاني يرتبط بأن “هناك تصور بأن مصلحة الولايات المتحدة في الصراع انتهت بالهزيمة العسكرية للدولة الإسلامية في عام 2019”.
وكان صعود تنظيم “الدولة الإسلامية” هو الذي بدأ التدخل الأمريكي المباشر في سورية.
واستغل التنظيم، الذي ظهر في العراق، الاضطرابات في سورية لتحقيق مكاسب إقليمية بسرعة. ثم جذب اهتماماً واسعاً في عام 2015، عندما وصلت إلى ذروة سيطرته الإقليمية في كل من سورية والعراق، بينما كان يرعى “هجمات إرهابية” في جميع أنحاء العالم، ويتباهى بعنفه في مقاطع فيديو على الإنترنت.
وعندما هزم التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة التنظيم، وأزال سيطرته على الأراضي، أشار هذا، على الأقل للجمهور الأمريكي، إلى أن “الحرب قد انتهت”.
وعلى الأقل، يشير الباحث باول: “كان ينبغي أن يعني ذلك نهاية تورط الولايات المتحدة في الحرب. لم تفعل. اكتسبت الدولة الإسلامية مكانة بارزة بسبب الحرب. لقد كانت نتيجة للصراع وليس سبباً له”.
ولكن حتى مع هزيمة التنظيم، ظلت الظروف التي مكنت من صعوده “قائمة”.
ولمنع أي عودة محتملة للتنظيم، ظل التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة كذلك، في حين أن “هذا قد يكون منطقياً من منظور جيواستراتيجي، إلا أنه يجعل تبرير استمرار الوجود الأمريكي في سورية غير واضح للجمهور الأمريكي”.
“أوكرانيا تخطف الأضواء”
في غضون ذلك فقد أصبحت الحرب في أوكرانيا نقطة محورية في الاهتمام الدولي، بما في ذلك انتباه الرأي العام الأمريكي.
يقول الباحث الأمريكي: “لكن فكّر في سيناريو لم تغزو فيه روسيا أوكرانيا في شباط (فبراير). في هذه الحالة، قد تكون نهاية التدخل الأمريكي في أفغانستان في أغسطس 2021 قد أدت إلى مزيد من الدعوات العامة والكونغرس لإنهاء مشاركة الولايات المتحدة في أجزاء أخرى من الشرق الأوسط الكبير، من سورية إلى الصومال – وهو أمر هدده ترامب مراراً وتكراراً”.
في وقت الانسحاب من أفغانستان، جادلت إدارة بايدن بأن إزالة الموارد من أفغانستان سيسمح للولايات المتحدة بتركيز تلك الموارد في مكان آخر، بما في ذلك الجهود المستمرة للقضاء على آخر بقايا “الدولة الإسلامية” في سورية.
لكن ترك أفغانستان، وخاصة الطبيعة الفوضوية للانسحاب، كان يمكن أن يغذي الدعوات لواشنطن لتقليص وجودها العسكري في جميع أنحاء المنطقة.
وفي الواقع، بدا في البداية أن إدارة بايدن ستتبع مثل هذا المسار، لكن الأحداث سرعان ما تجاوزت أي خطط من هذا القبيل.
قبل وقت طويل من أي دولة أوروبية، كانت إدارة بايدن تدرك أن بوتين يخطط لغزو أوكرانيا، بينما انخرطت في جهود لإقناع حلفائها الأوروبيين بالخطر الوشيك.
وربما يكون استمرار وجود القوات الروسية في سورية، حسب مقال الباحث “قد ساهم في قرار بايدن إبقاء القوات الأمريكية هناك أيضاً، لأن القيام بذلك يمكن أن يضمن عدم قدرة روسيا على إعادة نشر قواتها بالكامل في أوكرانيا”.
وتشير حقيقة أن الحرب في سورية أصبحت “حربًا منسية” إلى اتجاه أكثر إثارة للقلق في السياسة الخارجية للولايات المتحدة: “فالولايات المتحدة منخرطة في حروب وتدخلات حول العالم، لدرجة أن صراعاً يشمل الجيش الأمريكي أودى بحياة مئات الآلاف من الأشخاص”.
واختتم الباحث الأمريكي مقاله مضيفاً: “لم يعد المدنيون يسجلون حتى لدى الجمهور الأمريكي بعد الآن. ربما يكون هذا هو ثمن لعب مثل هذا الدور العالمي الأسمى وكونها (الأمة التي لا غنى عنها). أن تكون الأمة متورطة في العديد من النزاعات، ويمكنها أن تنسى إحداها”.