اختيار توقيت عقد مؤتمر اللاجئين في دمشق كان محسوبا بدقة لجهة حالة الشلل السياسي التي تصيب الإدارة الأمريكية عقب الانتخابات الرئاسية.
المقاربة الروسية بنيت على اعتقاد أن هذه الفترة التي تضعف فيها الفعالية الأمريكية في العالم، قد تدفع بعض الدول للمشاركة في المؤتمر وتقديم الدعم له، على اعتبار أن الرئيس الديمقراطي المقبل سيكون متساهلا حيال هذا الملف.
بدأت المحاولات في هذا الملف قبل عامين عندما دعت روسيا إلى عقد مؤتمر للاجئين، واضطرار بوتين للقيام بجولة شملت دولا عدة على رأسها ألمانيا لإقناعها بضرورة المشاركة في المؤتمر، لكن الموقف الغربي المتصلب حال دون انعقاده عام 2018.
خلال الأشهر الماضية حاولت روسيا إجراء متغيرات في الجغرافية العسكرية، في إدلب أولا ثم في شرق الفرات ثانيا من خلال محاولة توسيع نطاق عمل دورياتها العسكرية: في الحالة الأولى، اصطدمت روسيا بالغضب التركي الذي ترجم بدخول آلاف المدرعات العسكرية إلى إدلب، وفي الحالة الثانية اصطدم التمدد الروسي بالمدرعات الأمريكية.
لجأت موسكو إلى اختراق الصف الكردي برعايتها اتفاقا مع مجموعة روسيا (قدري جميل)، غير أن هذا الاتفاق ولد ميتا في مهده مهما حاول الكرملين إنعاشه.
في ظل حالة الجمود التي تعتري الملف السوري كله، جاءت فكرة عقد مؤتمر للاجئين، على أمل إحداث خرق ما من شأنه أن يعيد روسيا إلى الواجهة الدولية من البوابة السورية من جهة، وعلى أمل إضعاف هذا الملف الذي يشكل أحد الحوامل الرئيسية للأزمة السورية في عواصم القرار الدولي من جهة ثانية، وعلى أمل أن يشكل المؤتمرا مدخلا لدعم اقتصادي يساعد في منع انهيار اقتصاد النظام من جهة ثالثة.
لكن أهم هدف تريد روسيا تحقيقه من المؤتمر هو إحداث خرق في جدار الموقف الدولي من اللاجئين، بما يؤدي إلى وقوع شرخ في هذا الجدار، من أجل إخراج الملف الإنساني من ورقة التداول السياسي الدولي.
بعبارة أخرى، إن إحداث خرق ما في ورقة اللاجئين سيُفقد الملف السوري أحد أهم حوامله، مع ما يعني ذلك من حصر الأزمة في بعدها السياسي والاقتصادي، ليصبح الصراع السوري-السوري صراعا سياسيا بامتياز، وحله يجب أن يكون وفق ضوابط وأدوات السياسة فقط، وليس وفق مقولات الحقوق والواجبات الإنسانية.
هذا هو هدف النظام السوري أيضا، لكن الخلاف بينهما يكمن في الأولويات: بالنسبة لروسيا، ملف اللاجئين هو الأولوية في هذه المرحلة، ولذلك، جاء في البيان الروسي حول المؤتمر أن “الأزمة السورية استقرت نسبيا”، مع ما يعني ذلك أن مرحلة المعارك العسكرية الكبيرة انتهت، في حين يضع النظام استعادة الأراضي من “قوات سورية الديمقراطية” شرق الفرات، والأراضي الخاضعة لسيطرة المعارضة في إدلب ضمن أولوياته القصوى.
وعلى هذا الأساس جاء نص الدعوة التي وجهها النظام للدول لحضور المؤتمر مختلفا عن النص الروسي، حيث أكد “.. تمثل عودة الأمن والاستقرار إلى مساحات واسعة من أراضي الجمهورية العربية السورية وكذلك عمليات إعادة إعمار وتجديد البنية التحتية، خطوة جوهرية لتوفير الظروف الملائمة لعودة اللاجئين والمشردين السوريين إلى مدنهم وقراهم لممارسة حياتهم الطبيعية”.
يضع النظام السوري أولوية استعادة الأراضي وإعادة الإعمار في الأولوية، ثم يأتي لاحقا موضوع عودة اللاجئين الذي يشكل خطرا عليه، ذلك أن عودة جماعية تعني وجود قنبلة موقوتة قابلة للانفجار في أية لحظة بسبب حالة استياء اللاجئين من النظام.
فضلا عن ذلك، يدرك النظام أن اللاجئين الذين قد يعودون هم اللاجئين المعدومين الذين تقطعت بهم السبل، ومثل هؤلاء لا يريدهم النظام في مناطق سيطرته، لأنهم يشكلون عبئا أمنيا واقتصاديا عليه.
يتحمل النظام عودة فردية للاجئين لاظهار انطباع أن لا مشكلات أمنية تجاه اللاجئين، طالما أن هذه العودة الفردية لا تشكل تهديدا له.
الهدف الرئيسي لمؤتمر اللاجئين بالنسبة لدمشق هو أن يكون بوابة لتدفق العملة الصعبة، ولتدفق الاستثمارات من هذه الدول بالقدر المستطاع من أجل الحد من تأثيرات العقوبات الاقتصادية الأمريكية-الأوروبية.
بدا ذلك واضحا من عناوين المؤتمر: استقطاب أكبر عدد ممكن من الدول، وإمكانية تحسين ظروف الحياة المعيشة.
أهداف المؤتمر هي أهداف سياسية بالنسبة لروسيا واقتصادية بالنسبة للنظام، ولهذه الأسباب امتنعت الإمارات عن المشاركة في المؤتمر بعدما تلمست الرياح السياسية الجديدة القادمة من خلف الأطلسي.
المواد المنشورة والمترجمة على الموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر مؤسسة السورية.نت