بعد هجمات 11 سبتمبر (2001) في الولايات المتحدة، طرحت وسائل إعلام ودوائر فكرية وسياسية غربية على نطاق واسع سؤال: لماذا يكرهوننا؟ أي لماذا من قام بتلك الهجمات، ومن ورائهم الثقافة أو الحضارة التي ينتمون إليها، يكرهون الغرب ويُضمرون له كل هذا العداء؟ وكانت الإجابة التي تصدّى كثيرون لتقديمها، من ضمنهم سياسيون، كالرئيس الأميركي حينها، جورج بوش الابن، ورئيس وزراء بريطانيا الأسبق، توني بلير، ومفكّرون بارزون من أمثال فرنسيس فوكوياما، الذي تراجع عن أطروحته انتصار الرأسمالية في مقال نشره في صحيفة فاينانشال تايمز في ذلك الوقت، أنهم (أي الآخرون) يكرهون الغرب بسبب قيمه وأسلوب حياته (way of life). في السياق نفسه، وإن كان بمقاربة مختلفة، اعتبر صمويل هنتنغتون، صاحب أطروحة “صدام الحضارات” ما جرى حينها دليلاً على صحة نظريته التي تهكّم عليها بعضهم عندما أطلقها بعد انهيار الاتحاد السوفييتي في مطلع التسعينيات. حالياً، وبسبب الحرب على ضدغزة صار السؤال نفسه (لماذا يكرهوننا؟) يُطرح من الطرف المقابل، أي الطرف العربي والفلسطيني، وسبب ذلك هو دعم إدارة بايدن غير المسبوق لإسرائيل في حربها على قطاع غزة، والتغطية الفضيحة لوسائل الإعلام الغربية للحرب ولجرائم إسرائيل فيها.
ومع أننا ما زلنا نرفض أطروحة “صدام الحضارات”، ونؤكّد وجود قيم إنسانية عليا، متفق عليها بين البشر، عمادها الحرية والعدالة وحقوق الإنسان، بدليل المظاهرات التي تشهدها عواصم غربية كبرى ضد العدوان الإسرائيلي على غزّة، ورفض حكومات غربية عديدة جرائم الإبادة التي ترتكبها إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني (إسبانيا، بلجيكا، أيرلندا، النرويج، وغيرها)، إلا أنه لا يمكننا، مهما حاولنا، إنكار وجود بعد ثقافي في نظرة الإعلام الغربي إلى المجتمعات العربية والإسلامية (المختلف، الآخر)، تجلى بأوضح صوره في تغطية الحرب الإسرائيلية على غزة، ومحاولة وسائل إعلام غربية عديدة نزع إنسانية الإنسان العربي الفلسطيني، في مقابل تكريس إنسانية الطرف الآخر وتبرير أفعاله، باعتبارها من صنوف الدفاع عن النفس. من ذلك مثلاً أن هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) دأبت، منذ بداية الصراع الحالي، على استخدم تعبير “قتلوا” عندما تشير إلى الإسرائيليين الذين سقطوا يوم 7 أكتوبر وبعده، كما أنها تحرص على التذكير بهوية القاتل، وهو في هذه الحالة حركة حماس أو “المسلحون الفلسطينيون”. أما عندما تتحدّث عن القتلى الفلسطينيين فهي (بي بي سي) تستخدم تعبير “مات” أو “ماتوا” (died) بدلاً من “قُتل” أو “قُتلوا” (killed) في محاولة لتجهيل القاتل، وكأن هؤلاء ماتوا نتيجة “وباء” أو هزّة أرضية، مثلاً. فضيحة أخرى طالت هذه المرّة شبكة سي أن أن الأميركية التي أذاعت تقريراً قال فيه متحدّث باسم الجيش الإسرائيلي، خلال جولة لصحافيين غربيين في مستشفى الرنتيسي، إن حماس استخدمت المستشفى لاحتجاز رهائن. وأشار المتحدث إلى مفكّرة (روزنامة) بأيام الأسبوع كانت معلّقة على الجدار، باعتبارها لائحة تحمل أسماء الحراس من حركة حماس الذين يتناوبون على حراسة الرهائن. وقد أذاعت الشبكة التقرير، من دون تمحيص، أو محاولة للاستعانة بمن يعرف العربية، للتحقّق من أمر اللائحة المعلقة على الجدار. وعندما انطلقت حملة تهكّم على الشبكة وعلى جهل مراسلها، نيك روبرتسون، الذي أذاع التقرير، اضطرّت الشبكة إلى حذفه. وقد استغرق الأمر بصحيفة نيويورك تايمز، المعروفة بتوازنها عموماً، خمسة أسابيع كاملة، قبل أن تنشر أول صورة للقتل الجماعي الذي تقوم به إسرائيل على صدر صفحتها الأولى، في حين أنها ركّزت، قبل ذلك، بشكل كامل تقريباً على ما جرى للجانب الإسرائيلي.
خلال تغطيتها عمليات تبادل الأسرى التي جرت بين “حماس” وإسرائيل أثناء الهدنة التي جرى التوصل إليها بين 24 – 30 نوفمبر، أخفقت الشبكات الإعلامية الرئيسة في بريطانيا وألمانيا والولايات المتحدة في الإشارة إلى أن المحتجزين الفلسطينيين لدى إسرائيل كانوا من الأطفال والنساء، في حين جرى التركيز على أعمار المحتجزين لدى حركة حماس، وتراوحت أعمارهم بين 4 سنوات و79 عاماً من الأطفال والنساء. وفيما جرى تصوير العائلات الإسرائيلية وهي تحتضن محتجزيها المُطلق سراحهم، جرى تصوير الفلسطينيين وهم يحتفلون بإطلاق أسراهم في مسيرات شعبية، ترفع شعارات سياسية، يتخلّلها إطلاق نار.
المواد المنشورة والمترجمة على الموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر مؤسسة السورية.نت