على مدار السنوات الماضية كان من المعتاد أن يسافر المسؤولون السياسيون بين طهران ودمشق، لكن زيارة وزير الخارجية الإيراني، محمد جواد ظريف، اليوم، وفي مثل هذه الظروف تشير إلى اهتمام كبير لإيران بسورية، وتبيّن أن العلاقات بين طهران ودمشق تتجاوز المعادلات التقليدية والدبلوماسية.
وتأتي زيارة ظريف إلى دمشق في الوقت الذي تم فيه تعليق جميع الرحلات الدبلوماسية حول العالم، بسبب تفشي فيروس “كورونا المستجد”، وهذا الموقف يظهر أهمية وجود ظريف في سورية، ولاسيما أنه سيلتقي رأس النظام، بشار الأسد ووزير خارجيته، وليد المعلم.
وبحسب ما ترجمت “السورية.نت” عن وكالة “مهر” الإيرانية، اليوم الاثنين، فإن زيارة ظريف إلى دمشق تأتي حيث كانت التطورات السورية في الأسابيع الأخيرة مهمة، من جهة، “بسبب نهج الجامعة العربية تجاه دمشق تحت رعاية الإمارات العربية المتحدة، ومن جهة أخرى، بسبب التطورات في إدلب”.
إدلب.. نقطة أولى
لا يمكن فصل زيارة ظريف عما تشهده الخريطة السورية، والتي يتصدرها الشمال السوري الخاضع لسيطرة فصائل المعارضة، إذ تأتي الزيارة في ظل مساع إيرانية إلى كسر الهدوء في منطقة إدلب وريفها، خاصة بعد تهميش دورها في المنطقة من قبل روسيا التي حاولت تكريس هيمنتها.
وتخضع إدلب، منذ الخامس من الشهر الماضي، إلى اتفاق بين الرئيسين التركي رجب طيب أردوغان، والروسي فلاديمير بوتين، ونص على وقف إطلاق النار وتسيير دوريات مشتركة على الطريق الدولي حلب- اللاذقية.
وتحاول إيران إسقاط التهدئة في إدلب وعودة المعارك العسكرية، إذ استهدفت طائرة مسيّرة إيرانية، الخميس الماضي، سيارة تابعة لـ “جيش النصر”، المنضوي ضمن “الجبهة الوطنية للتحرير”، داخل قرية العنكاوي بسهل الغاب في ريف حماة الغربي.
ونقلت الوكالة الإيرانية (مهر) عن صباح زنكنه، الخبير في القضايا الإقليمية قوله: “نظراً للحساسية الواسعة الانتشار للقضايا الإنسانية في منطقة إدلب، أصبح التعامل مع هذه القضايا والتشاور مع السلطات السورية حساساً وضرورياً للغاية”.
وبحسب ما ترجمت “السورية.نت” عن الوكالة، فإنها وجهت جزء من تقريرها، من زاوية أن الجانب الإيراني “قلق” على أوضاع المدنيين في إدلب، ويتخوف من انتشار فيروس “كورونا” في أوساطهم، وهو أمر يخالف ما يجري على الأرض.
وسبق وأن قالت مصادر محلية من إدلب إن الميليشيات الإيرانية تحشد في محيط إدلب، في خطوة لبدء عمل عسكري، ولخرق وقف إطلاق النار الموقع في موسكو، مؤخراً، بين الرئيسين التركي والروسي رجب طيب أردوغان وفلاديمير بوتين.
“عرب الخليج الفارسي يقتربون من دمشق”
إلى جانب ما سبق أشارت الوكالة الإيرانية إلى أن زيارة ظريف ترتبط بشكل أو بآخر بمحاولات الإمارات العربية المتحدة التطبيع مع نظام الأسد.
وقالت: “جعل تطور آخر الوضع في سورية مهماً لحليفها القديم، وهذا هو نهج عرب الخليج الفارسي تجاه الحكومة السورية”.
وأضافت: “لقد كانوا يحاولون التقرب من الحكومة السورية منذ أن بدأت الأزمة السورية في عام 2011 (الإمارات)، عندما انضموا إلى صفوف أنصار الجماعات الإرهابية المعارضة لحكومة دمشق، وقدموا دعماً مالياً وعسكرياً مكثفاً لهذه الجماعات”.
وتابعت الوكالة: “بالنظر إلى الوضع على الأرض في سورية والنجاحات الكبيرة التي حققتها جبهة المقاومة، قررت تركيا أولاً ثم الدول العربية في الخليج الفارسي، فيما يبدو، أن تفصل نفسها عن الجماعات الإرهابية وأن تسعى إلى الاقتراب من الحكومة السورية (…) بالطبع، قد يكون نهج الدول العربية تجاه سورية بسبب تضارب المصالح مع تركيا”.
وكان ولي عهد أبوظبي، محمد بن زايد قد أجرى اتصالاً هاتفياً، مؤخراً بالأسد، وتحدث عن رغبة الإمارات في دعمه، من بوابة انتشار فيروس “كورونا”.
وبحسب الوكالة: “لماذا أجرى بن زايد مكالمة هاتفية مع بشار الأسد ليس موضوع هذا الخطاب، لكن رد سورية على المكالمة يرجع بالتأكيد إلى أداء دول الخليج العربي في السنوات الأخيرة ضد الشعب السوري وحلفائه”، مشيرةً “ظريف سيتعامل مع المسؤولين السوريين حول ذلك”.
التعامل مع التحرك الأمريكي الإسرائيلي
زيارة ظريف إلى سورية، وبالإضافة إلى القضايا المتعلقة بإدلب، يمكن أن يكون لها رسالة أخرى، رسالة خاصة موجهة إلى الولايات المتحدة الأمريكية والجانب الإسرائيلي.
وأوضحت الوكالة الإيرانية: “ربما في الأشهر الأخيرة، خاصة بعد استشهاد الحاج قاسم سليماني، وأزمة كورونا والصراع بين البلدين، فضلاً عن سلطات واشنطن وتل أبيب، أصبح من الواضح أن إيران تتخلى عن سوريا، والآن هو الوقت المناسب للقيام بذلك”.
وأضافت: “حتى الآن، وبسبب قوة المقاومة في سورية، لم تتحقق واتخذت إجراءات لتحقيقها”.
لكن زيارة محمد جواد ظريف، بحسب الوكالة “تظهر أن سورية وتطوراتها تهم إيران، وأن العلاقات بين طهران ودمشق لا يمكن الحكم عليها بالمعادلات اليومية والدبلوماسية”.