“لوبان” ليست استثناء.. الأسد يحظى بتأييد اليمين المتطرف الغربي والأمريكي
على مدى الأيام الماضية من السباق الانتخابي الذي شهدته فرنسا، كررت مارين لوبان المنافسة التي خسرت أمام إيمانويل ماكرون تصريحاتها المتعلقة بنيتها إعادة العلاقات الدبلوماسية مع النظام السوري.
وهذا الموقف كان تأكيداً لمواقف سابقة أعلنتها “لوبان” خلال فترة ترشحها للرئاسة الفرنسية، في عام 2017، حيث أبدت حينها رغبتها التعاون مع رأس بشار الأسد.
وتُعرف لوبان، بموقفها ضد المهاجرين ودعوتها إلى الترحيل الفوري لمن يقيمون في فرنسا بصفة غير قانونية، وإمهال الأجانب الذين لا يجدون عملاً ثلاثة أشهر لإيجاد وظيفة أو الرحيل، إن كانوا مقيمين بطريقة شرعية.
وقبل ثلاثة أيام من الجولة الأولى للانتخابات الرئاسية الفرنسية 2022، أعلنت رغبتها فرض غرامة مالية لمعاقبة وحظر ارتداء الحجاب، خلال مقابلة على قناة تلفزيونية.
واعتبرت أن الشرطة الفرنسية “بارعة جداً في تطبيق ذلك”.
“ليست استثناء”
موقف لوبان وحزبها المؤيد والداعم للأسد ولإعادة العلاقات معه لا يُعد استثناء فرنسياً، بل كان نهج شخصيات وأحزاب وجمعيات أوروبية وأمريكية أخرى، ممن اشتركوا في العديد من الصفات.
وفي مقدمة هذه الصفات أنهم يمثلون اليمين المتطرف في بلادهم، ويتخذون العنصرية ومعاداة المهاجرين واللاجئين والتهجم على الدين الإسلامي و”الترهيب” منه كركائز في خطاباتهم وشعاراتهم.
ومؤخراً، لم تعد تقتصر ظاهرة تأييد الأسد ودعوات التواصل وإعادة العلاقات معه ومعادة المهاجرين واللاجئين على الأحزاب والتكتلات والشخصيات اليمينية في أوروبا وأمريكا، لتمتد إلى مناطق أخرى من العالم، ومن بينها تركيا.
وذلك ما ينطبق على شخصية ومواقف المعارض التركي، ورئيس “حزب النصر”، أوميت أوزداغ، والذي يحرّك بين الفترة والأخرى ملف اللاجئين السوريين، وضرورة التواصل مع نظام الأسد، من أجل إعادتهم إلى سورية.
“دعوات للحوار مع الأسد”
وفي مؤتمر صحفي عقدته في 13 أبريل/ نيسان الحالي عرضت “لوبان” برنامج سياستها الخارجية إذا تم انتخابها كرئيسة، مشددة على ضرورة وجود “قنوات حوار وتواصل، خاصة عندما تواجه البلاد (سورية) الإرهاب الإسلامي”.
ويشار في هذا السياق إلى الزيارات التي قامت بها شخصيات من حزب “التجمع الوطني” اليميني الفرنسي المتطرف الذي تتزعمه لوبان إلى العاصمة دمشق في أغسطس/ آب 2021، حيث اجتمعوا خلالها مع بشار الأسد.
وكان من بين أعضاء الوفد، النائب الفرنسي في البرلمان الأوروبي، تيري مارياني، الذي نشر تغريدة عقب اللقاء، ذكر فيها أن الأسد “أبدى استعداده لتفعيل العلاقات مع فرنسا”.
ولم تكن زيارة مارياني الأولى خلال السنوات الماضية، بل كانت جزء من زيارات متكررة.
كما نقل مارياني مراراً تصريحات على لسان الأسد، تحمل في طياتها رسائل سياسية، أحدها كان في 31 أغسطس/ آب 2019، عندما قال إن الأسد أبدى استعداده “لتفعيل العلاقات مع فرنسا، التي نتشارك معها تاريخاً مشتركاً واهتماماً بمكافحة الإرهاب”.
ويعتبر “حزب التجمع الوطني” من أقوى الأحزاب الفرنسية المتطرفة، وتأسس في عام 1972 من قبل فرانسوا دوبرات وفرانسوا برينيو، وترأسه جان ماري لوبان بين عامي 1972 و2011، قبل أن تخلفه ابنته مارين لوبان.
“دعم عسكري أيضاً”
في غضون ذلك لم يقتصر تأييد التيارات اليمينية المتطرفة على الشق السياسي والدعائي، بل تطور لدى البعض منها إلى الجانب العسكري.
وكشف تحقيق أجرته مجلة “نيو لاينز” الأمريكية عن تورط منظمة فرنسية غير حكومية بدعم ميلشيات تابعة لنظام الأسد، معتبراً أنها انتهكت القانون الدولي والقانون الفرنسي.
وحسب التحقيق الذي أعده الصحفيان إينيس داف وستيفان كينيش، ونشرته المجلة في 10 أكتوبر/ تشرين الأول 2021، فإن منظمة “أنقذوا مسيحيي الشرق” الفرنسية، موّلت منذ عام 2014 ميليشيا مسلحة موالية لنظام الأسد، مدانة بقتل وتعذيب مدنيين سوريين.
وأشار التحقيق إلى أن المنظمة الفرنسية لها صلات مع اليمين المتطرف في فرنسا.
كما كانت تعمل بالشراكة مع وزارة الدفاع الفرنسية، تحت مزاعم “حماية المسيحيين المحاصرين في سورية”، إلا أن وزارة الدفاع أنهت الشراكة معها العام الماضي، دون توضيح الأسباب.
واستندت المجلة في تحقيقها، إلى أدلة “لا جدال فيها”، تشمل مستندات مسربة وشهادات سرية ومعلومات مفتوحة، أظهرت جميعها قيام المنظمة الفرنسية بجمع أموال في فرنسا، من أجل مساعدة المسيحيين في سورية، إلا أنها كانت تقدمها لميليشيات موالية للأسد في محافظة حماة السورية.
ونشر التحقيق تغريدة نشرتها المنظمة الفرنسية عبر “تويتر” عام 2019 تُظهر عناصر من مليشيا “الدفاع الوطني” التابعة لقوات الأسد إلى جانب أحد أفراد المنظمة.
وكتبت تعليقاً: “شهادة ألكسندر جوردارزي، رئيس البعثة في سورية، حول مسيحيي محردة الذين يقاتلون من أجل بقائهم. يجب أن تتخيل أن محردة تموت ببطئ”.
وتأسست منظمة “أنقذوا مسيحيي الشرق” في أكتوبر/ تشرين الأول عام 2013.
وكانت أولى المهام التي قامت بها متعلقة بسورية، وهي حملة “عيد الميلاد”، والتي كان هدفها المعلن هو تقديم المساعدات الإنسانية للمسيحيين في الشرق الأوسط، للتغطية على ترويجها لأجندة سياسية يمينية، ونشر معلومات مضللة مثل “قطع رؤوس المسيحيين في سورية”.
“دعم رواية الأسد”
وتعمد بعض المنظمات الأوروبية والأحزاب اليمينة الداعمة للأسد إلى الترويج لروايته، ودعم البروغاندا التي ينشرها النظام فيما يتعلق بسورية، والتي تحمل عنوان رئيس: “الحرب على الإرهاب”، إضافة إلى ما يتعلق بوجهة نظره المتعلقة بأزمة اللاجئين.
ومن بين الأسماء: “الجبهة الأوروبية للتضامن من أجل سورية”، التي تأسسب عام 2013، ومؤسسوها ينتمون إلى دول أوروبية عدة، من بينها هولندا، وفنلندا، وإسانيا، وإيطالية.
وهناك أبضاً حزب “فورزا نوفا” الإيطالي، أو ما يعرف بالقوة الجديدة، وحركة “كازا باوند” في إيطاليا كذلك، فضلاً عن حزب “الفجر الذهبي” اليوناني، الذي هاجم بلاده في وقت سابق، معتبراً أنها تتجاهل “زعيم سورية الشرعي بشار الأسد، وتدعم المعارضة التي ليست سوى مجموعة قتلة”، حسب تعبيرها.
وبدورها الدنمارك، ضمت أحزاباً يمينية متطرفة داعمة للنظام السوري، ونفذت في فبراير/ شباط 2021، حملة طالبت السوريين بالعودة إلى بلادهم، ونشروا لافتات وصور، كتب عليها: “خبر عظيم… الآن يمكنكم العودة إلى سورية المشمسة، بلادكم تحتاجكم”.
وفي تغطيتها لهذه الحملة، قالت وكالة “سانا” الناطقة باسم النظام السوري إن الحملة “تؤكد حقيقة أن سورية أصبحت آمنة، بعد تطهير معظم أراضيها من الإرهاب، وتهدف إلى تشجيع اللاجئين السوريين للعودة إلى وطنهم”.
واعتبرت الوكالة أن “ملف اللاجئين السوريين شكل منصة للضغط على الحكومة السورية من قبل الدول الغربية والنظام التركي، اللذين وضعا عراقيل تقيّد عودة المهجرين إلى بلدهم، بغض النظر عن الاستقرار الأمني الذي تحقق في سورية”.
“في أمريكا أيضاً”
إلى جانب ما سبق وفي أغسطس/ آب 2017 شهد الاجتماع الحاشد الذي نظمته حركة “القوميين البيض” الأمريكية في فيرجينيا” لقاءً مع متظاهر كان يرتدي قميص كتب عليه: “شركة توصيل برميل بشار”، في إشارة إلى البراميل التي كانت تلقيها قوات النظام السوري على المدن السورية الخارجة عن سيطرتها.
وحسب مقال في الموقع الأمريكي “ذي إنترسبت” فإنه وفي ذات الاجتماع هتف المشاركون الذين يؤمنون بتفوق العرق الأبيض: “الأسد لم يخطئ بأي شيء، وندعم الجيش العربي السوري”.
وسلط الموقع في مقاله على أسباب محبة القوميين البيض في أوروبا وأمريكيا للأسد، الذي يعتبرونه بطلاً.
ورأت بأن الأخير نال إعجابهم لأن “النظام يستخدم في حملاته الدعائية التي يبثها في أوروبا ذات العبارات التي يستخدمها اليمين المتطرف”، مثل بناء “مجتمع نقي متجانس” من المؤيديين للأسد.
ويقول شبلي تلحمي، الأستاذ في في جامعة ميريلاند، إن “تقارب الأسد والقوميين البيض في الثقافة السياسية الأمريكية ليس جديداً تماماً، وله خلفية تاريخية”.
وأضاف: “لقد كان الأمريكي الأبيض ديفيد ديوك، وهو زعيم سابق لحركة كو كلوكس كلان من المعجبين بنظام الأسد منذ عقود”.
وتابع أنه “على الرغم من أن المتفوقين البيض الأمريكيين قد لا يعرفون شيئاً يذكر عن سورية، أو قد لا يدركون أنهم يرددون الدعاية الروسية، إلا أن ذلك لم يجعلهم أقل فائدة للانتهازيين السياسيين في الولايات المتحدة والشرق الأوسط”.
في المقابل يرى الباحث في شؤون الشرق الأوسط زياد ماجد أن الأسد أصبح أحد رموز التيارات اليمنية المتطرفة في الغرب.
وعلل ذلك بأنها “تبنت فيما يخص الشأن السوري وجهة نظر ترى بأن ما يجري عبارة عن سلطة تفرض النظام والاستقرار على الشعب”، ليتحول الأسد لديهم إلى “شخصية نموذجية”.