فقدت الليرة كرامتها، وكرامتها من كرامة المواطن وكرامة الوطن، فلا وطن ولا مواطن. ويعتقد بعضهم أنَّ الليرة ما طلبت إلّا لأنَّ نجوم علم الثورة والاستقلال يخفق على معدنها في طبعتها سنة 1950. جاهد النظام في رفع قيمتها بأرذل الطرق، فهو مع إفقار الشعب، لكن ليس إلى درجة الجوع الشامل والعادل، ولو كنت ناصحاً لنصحت النظام، ليس برفع روح الليرة المعنوية بتحليلات محلل اقتصادي، اسمه شادي أحمد، أو قارئ الفنجان والبوط مايك فغالي، أو الممثل فراس إبراهيم. وليس من بينها رفع رتبة الممثل من رتبةٍ ثانيةٍ إلى أولى، مثل ردف الليرة بعباس النوري أبو عصام أو الزير سلّوم حدّاد. نصيحتي هي أن يبيع النظام للشعب جثثَ أبنائه المفقودين، الجثة بألف دولار، والجثة التي فيها رمق بألفين، فبيت الأسد مليء بالعظام، عظام الشعب طبعاً.
شرف الليرة مثل عود الكبريت، يحترق مرة واحدة، كما قال فريد شوقي في فيلم “ملف في الآداب”. ولقد ارتفع سعر الأسد، عندما صار صنماً فانخفض سعر الشعب. وهناك طريقة، وهي أن يحذف الأسد أصفار ألف أبيه أو أصفاره على الألفين.
سمعنا رئيس مصر، عبد الفتاح السيسي، الذي جلس على كرسي تحتمس ورمسيس الثاني وعمرو بن العاص، يقول: أنا عايز اللي في جيوب المصريين لمصر، ومصر هي السيسي، بينما تعمل حكومات الأرض على العكس، يعني أن تكون أموال بلادهم في جيوب شعوبهم، ولم أسمع، فنحن لا نرى، أو أقرأ مرة أن الرئيس السوري حافظ الأسد الذي جلس على كرسي زنوبيا وكرسي معاوية بن أبي سفيان كافأ شاعراً سورياً مكافأة مالية عينية مثل أيام الخلفاء، ربما لأنها لا تتفق مع صورة الرئيس الاشتراكي. كانت المكافآت من جيب الشعب، وكانت تسهيلات برخصة حديد، أو إعفاء من تهمة أو من شبهة الخيانة. يقول الشاعر قصيدته مدحاً للرئيس، فتُبرّأ ذمّته، وينجو من تهمة الخيانة، وتلك مكافأته. أما الفنان الوافد والفنان المقيم، فكان يكرّم بالمال. ما يحدث هو أنَّ الشعب كان يرشو الحكومة، ويُغدق عليها العطايا، على عكس بلاط الخلفاء. فإن مدح رئيسَ فرع الدولة أحدُ الموسرين، أو ربّتَ على كتفه، فتلك أعطية، ثم إن رؤوس فروع الدولة لا يعرفون الشعر.
ورفع النظام شعار ليرتنا عزّتنا، ومعلوم أنَّ الشرف غير الغنى، فقد يكون الغني شريفاً، لكن ليس كلُّ غنيّ بشريف، وقالت العرب لا سؤدد لبخيل، وتقول إن المال وسخ الدنيا، فجعله النظام عزّتنا. وقال حاتم الطائي: “مَاوِيّ! إنَّ المالَ غَـادٍ ورائِـحٌ/ وَيَبْقَى مِنَ المالِ الأَحَادِيثُ وَالذِّكْرُ”. وفي الأثر: تعس عبد الدرهم والدينار. للمال صلة بالعزة، لكن الفقير كريم والغني ذليل.
أكرهت المتاجر الصغيرة على بيع بضائعها بليرة، وكان لبضائع السوق دوماً سعران؛ سعر حكومي لا يقف على قيمتها الحقيقية، وسعر حقيقي لا يفيها حقّها، و”الناس على دين ملوكهم، والرؤساء على دين شعوبهم”، وورد في كتب التاريخ أنهم كانوا أيام الوليد بن عبد الملك، لمّا كان يزداد من القصور الشاهقة، يقول كل واحدٍ من الرعية للآخر: بنيت كم، كم ارتفاع بنائك؟ لمّا صاروا في عهد سليمان بن عبد الملك الذي كان يحبّ المزارع، كل واحد كان يقول: كم مزرعتك؟ لمّا صاروا في عهد عمر بن عبد العزيز جعل الواحد من الرعية يقول للآخر: كم قمتَ الليلة، كم قرأتَ من جزء، كم صُمتَ من يوم؟ تغيرت الدنيا بتغير خليفتهم. وأنهم أيام ماري أنطوانيت، وكانت تلثغ بحرف الراء، فحذفت حرف الراء من اللغة الفرنسية ومسخته غيناً. أما وحشنا، فكان عديم الضمير، فغيّبَ الشعبُ ضميرَه. ووضع الوحش صورته على الليرة، فأتاه مكر الله ووضعه، وما رفع الله شيئاً إلا وضعه، وكان صاحبنا على نقيض ماري أنطوانيت، هي سرقتْ حرفاً، أما الأسد فسرق كل الحروف، فمنعنا من الحديث حتى عن الدولار الذي صار مقدّسا، وكان مباحاً يوما.
المواد المنشورة والمترجمة على الموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر مؤسسة السورية.نت