مؤتمر روسيا والأسد لـ”عودة اللاجئين”..ما أهدافه ولماذا الآن؟
“قضية إنسانية” و”مسألة وطنية”، شعارات رفعها نظام الأسد، هذه الأيام، بعد 9 سنوات من التشريد والتهجير وأزمات اللجوء والنزوح التي سبّبها لما يزيد عن 6.7 مليون لاجئ ونحو 7 ملايين نازح حسب أرقام الأمم المتحدة.
“الأغلبية الساحقة من السوريين في الخارج باتوا اليوم وأكثر من أي وقت مضى راغبين في العودة إلى وطنهم، لأنهم يرفضون أن يكون رقماً على لوائح الاستثمار السياسي”، بهذه العبارة افتتح رأس النظام، بشار الأسد، مؤتمر اللاجئين الذي يرعاه وروسيا في دمشق، زاعماً فتح أبوب سورية، أمام اللاجئين وتقديم التسهيلات اللازمة لعودتهم، بعد سنوات لم يبدِ فيها النظام أي بادرة بهذا الملف.
وكذلك فإن النظرة العامة في التصريحات السابقة المنسوبة لمسؤولين في نظام الأسد، تشير بشكل أو بآخر إلى عدم رغبة النظام فعلياً بعودة اللاجئين والنازحين إلى مناطقهم، التي شهد بعضها تغييراً ديمغرافياً، وذلك تحت مسميات ومبررات عدة، أبرزها أن هؤلاء اللاجئون لم يدافعوا عن وطنهم وقت الشدة، وأنهم لجؤوا لدول رعت “الإرهاب” في سورية وحرضتهم ضد دولتهم، وفق رواية النظام.
أهداف “غير مُعلنة” وراء المؤتمر
رغم المشاركة الدولية الخجولة في مؤتمر اللاجئين المنعقد حالياً في دمشق، والتي اقتصرت على الدول الصديقة للنظام (روسيا- إيران- الصين)، وبعض الدول العربية ذات الثقل الضعيف في الملف السوري (لبنان- عُمان)، استخدمت تلك الدول عبارات وشعارات جعلت خلالها “الإرهاب” هو المسبب الرئيسي للجوء في سورية، متحدثة عن تسييس الغرب والولايات المتحدة لملف اللاجئين على مدى السنوات السابقة.
وفيما يتحدث النظام عن أن أهدافه الرئيسية من عقد المؤتمر “وطنية” بالدرجة الأولى ومن ثم “إنسانية”، عبر العمل على إنهاء معاناة اللاجئين السوريين وفتح صفحة جديدة لإعادة إعمار سورية، تشير القراءات التحليلة إلى أن النظام، ومن ورائه روسيا، يهدفان إلى الهيمنة على ملف اللجوء بعد فشل المحاولات الروسية السابقة بإداردة هذا الملف الشائك.
الإعلامي السوري المقيم في روسيا، نصر اليوسف، اعتبر في حديث لموقع “السورية نت” أن أهداف النظام من المؤتمر لا يمكن أن تكون وطنية أو إنسانية، لأن ذلك حسب قوله غير وارد في قاموس نظام الأسد، بالنظر إلى مسؤوليته المباشرة عن تهجير وتشريد ملايين السوريين.
وأضاف اليوسف أن الهدف الحقيقي من المؤتمر يتمثل بإعطاء الانتخابات الرئاسية المقبلة صفة تمثيلية، وإضفاء شرعية دولية على حكم الأسد، على اعتبار أن العملية السياسية السورية لم تحرز تقدماً، وبالتالي فإن المؤشرات تدل على أن انتخابات عام 2021 لن تجري بموجب دستور جديد، بل وفق دستور عام 2012، الذي فصّله النظام على مقاسه، بحسب اليوسف.
وكذلك أشار ذات المتحدث، إلى أن النظام أصبح بحاجة فعلية إلى اليد العاملة في سورية، والتي قد تتوفر من خلال عودة اللاجئين والنازحين، ما يجبر المجتمع الدولي على الانخراط في إعادة إعمار سورية، على اعتبار أن الغرب يضع العودة الآمنة للاجئين ضمن أبرز شروط المشاركة في إعادة الإعمار.
أما الباحث السياسي في “مركز عمران للدراسات الاستراتيجية”، أيمن الدسوقي، فقد رأى أن روسيا تسعى من خلال رعايتها للمؤتمر إلى التأكيد على انتقال أولوياتها في سورية من أهداف أمنية/ عسكرية، إلى استحقاقات سياسية واقتصادية.
وأضاف الدسوقي في حديثه لـ”السورية نت”، أن المؤتمر وجد صدى لدى الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، الذي وجد فيه فرصة لتحقيق أهداف عدة، أبرزها التوظيف السياسي لملف اللاجئين في العلاقة مع أوروبا ودول اللجوء، أملاً في تحقيق خرق لجهة إعادة تأهيل النظام سياسياً من بوابة التعاون معه، لحل مشكلة اللاجئين باعتبارها مشكلة حكومية وليست أزمة إنسانية ذات أبعاد إقليمية ودولية.
وكذلك تأمل روسيا من المؤتمر، حسب الدسوقي، الحصول على تعهدات مالية من قبل بعض المانحين، لدعم اقتصاد النظام تحت ستار دعم برامج عودة اللاجئين.
وتابع: “تسعى روسيا للإبقاء على الملف السوري على الأجندة السياسية الإقليمية والدولية، تجنباً لمحاولات تجميد الملف السوري، سيما في ظل تعطل مسار اللجنة الدستورية”، معتبراً أن مبادرة عقد مؤتمر اللاجئين عبارة عن “بالون اختبار” لقياس رد الفعل الدولي والإقليمي تجاه هذا الملف.
ضغط “لن يجدي” لرفع العقوبات
يروج نظام الأسد إلى أن سوء الأوضاع المعيشية في مناطق سيطرته، ناجمة عن العقوبات الأوروبية والأمريكية المفروضة عليه، لا سيما “قانون قيصر”، معتبراً أنها أحد أبرز الأسباب التي تمنع اللاجئين من العودة إلى وطنهم، حسب روايته.
وبدت الدعوات لرفع العقوبات، جلية خلال مؤتمر الللاجئين المنعقد حالياً في دمشق، يومي 11 و12 نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري، في محاولة من روسيا والنظام إلى الضغط على الغرب لتخفيف العقوبات، مقابل إيجاد حل ملف اللجوء السوري الذي أثقل كاهل الدول الأوروبية والدول المجاورة لسورية، والمجتمع الدولي ككل.
الباحث السياسي في “مركز عمران للدراسات الاستراتيجية”، معن طلاع، تحدث عن وجود ضغط روسي على نظام الأسد لإجباره على التعاطي بصورة جديدة مع ملفات يراها النظام غير أولوية، وعلى رأسها عودة اللاجئين، وذلك للخروج بصفقة جديدة ترضي مصالح روسيا ونظام الأسد.
وقال طلاع في حديث لموقع “السورية نت” إن عقد المؤتمر “يشير إلى وجود توافق بين النظام وروسيا للخروج بصفقة ما، ولعل ملامح الصفقة التي يريدها النظام أن يخضع الشرط الروسي لشرطه المحلي، وهو عودة اللاجئين مقابل تخفيف العقوبات الدولية وفك الحصار عن النظام والشخصيات التابعة له”.
وأضاف الباحث أنه رغم حديث النظام عن عودة اللاجئين مقابل رفع العقوبات، لا يزال “قانون قيصر” هو الناظم لعملية المشاركة في المؤتمر المنعقد في دمشق، وهذا ما يفسر بحسب طلاع محدودية الدول المشاركة في المؤتمر وكذلك رفض الاتحاد الأوروبي الحضور، وتابع: “المؤتمر بصيغته الحالية يدل على مدى عدم تقبل المنظومة الدولية لأطروحات النظام”.
واعتبر ذات المتحدث، أن الرؤية الروسية لمؤتمر اللاجئين تتمثل بتحصيل استحقاقات مرافقة للعملية السياسية، كإعادة الإعمار وعودة اللاجئين، وهي استحقاقات تلامس هواجس المجتمع الدولي، على اعتبار أن ملف اللجوء السوري هاجس أمني يثقل كاهل الاتحاد الأوروبي، وفق تعبيره.
من جهته، اعتبر الإعلامي المطّلع على الشأن الروسي، نصر اليوسف، أن متاجرة النظام بمسألة العقوبات أصبحت مألوفة بالنسبة للمجتمع الدولي، الذي لن يرضخ من وجهة نظره لمطالب النظام وروسيا بتخفيف العقوبات مقابل عودة اللاجئين، على اعتبار أن الظروف اللازمة لعودتهم بأمان وكرامة غير متوفرة إلى اليوم.
وأضاف أن المجتمع الدولي حدد بنوداً لعودة اللاجئين وإيجاد حل سياسي دائم في سورية، جميعها مذكورة في قرار مجلس الأمن رقم “2254”، إلا أنه لم يُطبّق أي منها إلى الآن، حسبما قال.
وتابع “لن تنفع ذرائع النظام وروسيا الإنسانية والوطنية، والتي هي كلمة حق يُراد بها باطل”.
واعتبر اليوسف أن عزف النظام على وتر الصعوبات التي تعاني منها الدول المستضيفة للاجئين لن تُجدي أيضاً، على اعتبار أن الجهات القادرة على إنجاح المؤتمر، وهي الدول الأوروبية والولايات المتحدة ودول الخليج، حسب قوله، تعرف تماماً الجهة المسؤولة عن تهجير وتشريد ملايين السوريين.
لماذ الآن؟ وما فرص نجاح المؤتمر؟
يرى الباحث في” مركز عمران”، معن طلاع، أن التوقيت الذي حدث فيه المؤتمر أمر يخفي وراءه مدلولات عدة، كونه يأتي في لحظة تشهد ركوداً في العملية السياسية، وهو ركود ممنهج من قبل النظام على حد تعبيره.
كما يتزامن المؤتمر، بحسب طلاع، في لحظة تشهد فيها الولايات المتحدة انتقالاً للسلطة، ما يتيح فرصة عقد المؤتمر وسط غياب الولايات المتحدة عن المشهد السوري.
وعن فرص نجاح المؤتمر، اعتبر طلاع أن النظام يدرك أن انخراطه بهذا المحور سيفتح مسارات مع من تبقى له من داعمين، خاصة الدول العربية، التي تشكل مشاركتها نقطة تحول “جوهرية”.
وتابع بالقول:”إلا أن الوقائع تشير إلى أن النظام غير قادر على إدارة ملفاته التنموية والحكومية، سواء في مناطق سيطرته أو المناطق التي شهدت مصالحات، وبالتالي فإنه عاجز عن إدارة ملف اللجوء، الذي يحتاج لمنظومة قانونية متعلقة بالملكيات والتنظيم العقاري، وهي نقاط لا يوجد دلائل على أن النظام سيعمل عليها”.
وأضاف “الأهم هو المزاج السياسي العام، فاللاجئون يدركون أن المؤتمر الحالي ينصّب لصالح تثبيت سلطة هي سبب تهجيرهم، دون وجود ملامح قريبة لتغيير هذه السلطة”، معتبراً أن انعقاد المؤتمر يصب بمحاولة تعزيز صفقة عودة اللاجئين مقابل إعادة الإعمار، وشرعنة النظام على الساحة الدولية لإجبار المجتمع الدولي على الانخراط في نقاش معه.
وكذلك يرى الإعلامي المقيم في روسيا، نصر اليوسف، أنه لا تتوفر أي مقومات لنجاح مؤتمر اللاجئين بدمشق، كون الظروف التي يتحدث النظام عن تهيئتها لعودة اللاجئين لم تتحقق، في ظل استمرار الملاحقات الأمنية والاعتقالات، خاصة بالنسبة للسوريين الذين أجروا مصالحات مع النظام بضمانة روسية.
وختم بقوله إن مؤتمر دمشق سيكرر محاولات روسيا الفاشلة لإدارة ملف اللجوء، وبالتالي ستفشل كل محاولات الالتفاف على المطالب الشرعية للشعب السوري، التي لخصها قرار مجلس الأمن رقم “2254”.