كان لانقسام مجلس الأمن في الحالة السورية انعكاسات خطيرة وقاتلة على سوريا والسوريين، مع استخدام روسيا والصين للفيتو تكرارا في مجلس الأمن، مما حول هذه المؤسسة إلى فشل كامل لما يطمح السوريون إلى تحقيقه في تقرير مصيرهم وفق انتخابات حرة ونزيهة.
ومع انقسام مجلس الأمن لم تستطع الجمعية العامة أن تلعب هذا الدور الضروري لعدم رغبتها في أخذ المبادرات الضرورية في الوقت المناسب، مما حول الأمم المتحدة إلى منبر للنقاش العام بدل أن تكون مؤسسة لاتخاذ القرارات التي تحمي المدنيين وتحفظ حقوقهم.
ربما الحالة السورية ليست الأولى وربما لن تكون الأخيرة، بسبب طريقة بناء الأمم المتحدة بعد الحرب العالمية الثانية وبسبب الانقسام السياسي والأيديولوجي العالمي بين صعود التسلطيات على رأسها الصين وروسيا وبين دول صغيرة طامحة لبناء تاريخها الديمقراطي.
مقابل ذلك تسود الولايات المتحدة موجة من الانعزالية ربما بدأت بعد حرب العراق واستمرت مع سنوات أوباما فترامب ثم بايدن، فقد غابت السياسة الأميركية تماماً في سوريا في ظل هجمة عسكرية ودبلوماسية روسية عبر سيطرتها التامة على مسار أستانا وبناء تحالف سياسي – عسكري مع تركيا لضمان تأثيرها على المعارضة السورية المسلحة في الشمال السوري، ولذلك حاول وزير الخارجية الأميركية بلينكن أن تقتصر المبادرة الأميركية على البعد الإنساني فقط .
لقد مثل اجتماع روما عودة محدودة للسياسة الأميركية في الملف السوري لكنها تبدو عودة محدودة وجزئية، إذ لم يتطرق خطاب بلينكن للمسار السياسي ولو أنه تحدث عن ضرورة الحفاظ على تخفيض العنف في المناطق السورية، كما أنه لم يشر لا من قريب ولا من بعيد إلى مفاوضات جنيف التي يفترض بها أن تقوم بتطبيق قرار مجلس الأمن 2254 في إشارة واضحة إلى لا جدوى هذه المفاوضات ووصول هذا المسار إلى قرار مسدود.
عملت روسيا وبشكل منهجي على إفشال المفاوضات التي تعقدها الأمم المتحدة في جنيف عبر دفع وفد النظام السوري لإثارة قضايا هامشية تماماً وعدم الدخول بجدية في أية مفاوضات سياسية حقيقية حول المرحلة الانتقالية أو الدستور أو الانتخابات كما أقرها قرار مجلس الأمن 2254، لكن الرؤية الأميركية التي تكررت في خطاب بلينكن من مثل العمل على بناء سوريا موحدة ومستقلة وديمقراطية وضمان عودة اللاجئين وتنفيذ قرار مجلس الأمن 2254 فإن بلينكن لم يشر إلى الخطوات التي يمكن أن تتبعها وزارته لضمان تحقيق هذه الأهداف في ظل سيطرة الجانب الروسي على المسار السياسي في أستانا ولا جدوى المحادثات أو عقمها تماماً في جنيف، أظهر بلينكن ومؤتمر روما دعمهما للمبعوث الأممي بيدرسون لكن لم يتحدث لا بالسلب أو الإيجاب عن مسار جنيف الذي لم يصبح له أي تأثير أو معنى وهو حقيقة بحكم الميت دون رغبة الأطراف في إعلان ذلك.
وبنفس الوقت لم يشر السيد بلينكن إلى أية خطوات دبلوماسية جديدة يمكن أن تلجأ إليها الولايات المتحدة في المستقبل لضمان تحقيق هذه الأهداف وهو ما من شأنه أن يدفع كثيرين إلى القول إن هذه الأهداف ربما تتحول تماماً إلى سياسة الولايات المتحدة التي أعلنها الرئيس السابق باراك أوباما في أغسطس 2011 وهي أن بشار الأسد فقد شرعيته، وإلى الآن ما زال المسؤولون الأميركيون يرددون نفس الكلمات دون أن يكون لها معنى على صراع فقد أكثر من نصف مليون مواطن سوري حياتهم به كما شرد أكثر من 7 ملايين لاجئ فضلاً عن أكثر من 8 ملايين نازح شردوا من بيوتهم وقراهم داخل سوريا ويمنع عليهم الخروج أو اللجوء بسبب إغلاق كل دول الجوار لحدودها مع سوريا ومنع عبور أي لاجئ إلى أراضيها منذ سنتين أو أكثر بسبب استضافة هذه البلدان لملايين من اللاجئين ولا تستطيع أن تتحمل أكثر من هذا العدد.
إذ لا شيء يظهر حجم المأساة السورية اليوم أكثر من تعداد الأرقام المخيفة التي تكشف واقع الاقتصاد السوري اليوم، إذ يقول تقرير للأمم المتحدة، صادر في أيلول/ سبتمبر 2017، أن نحو 85 % من السكان في سوريا فقراء، منهم 6.7 ملايين سوري، يعانون من انعدام الأمن الغذائي الحاد ويحتاجون إلى مساعدة إنسانية طارئة، بعد أن ارتفعت الأسعار بمعدل 1100% وتثبيت الأجور عند 40 ألف ليرة (نحو 13 دولارا).وأشارت دراسة البنك الدولي إلى أن 6 من بين كل 10 سوريين يعيشون الآن في فقر مدقع بسبب الحرب.
وأشارت دراسة البنك الدولي إلى أن 6 من بين كل 10 سوريين يعيشون الآن في فقر مدقع بسبب الحرب.
هذه الأرقام تشير بمجملها إلى أن سوريا ربما تحتاج إلى أكثر من 30 عاماً للتعافي والعودة إلى وضعها الاقتصادي ما قبل عام 2011 هذا إذا توقفت الحرب تماماً هذا العام وبدأت عمليات إعادة الإعمار على قدم وساق بعد ضمان الاستقرار الأمني بشكل تام وفي كل الأراضي السورية وكل متابع للحرب السورية يعرف تماماً أن كل هذه التمنيات هي من ضرب من الخيال تماماً.
ولذلك يبدو الشرط الأميركي الذي كرره بلينكن أن الولايات المتحدة لن تساهم في جهود إعادة الإعمار في سوريا ما لم تبدأ المرحلة الانتقالية في سوريا ما بعد الأسد مؤثراً للغاية في ظل مؤشرات الاقتصاد السوري الحالي، لا سيما أن الموقف الأوروبي يساند الموقف الأميركي ويدعمه في هذا الموقف، لكن يبقى السؤال أن نظام الأسد الذي اتخذ قراراً واضحاً في استخدام سلاح الجو السوري بكل قدراته وإمكانياته لقصف القرى والمدن السورية هل سيكترث لقدرته أو عدم قدرته على إعادة الإعمار، لا تبدو هذه الورقة ضاغطة بشكل كاف على نظام الأسد كي يقبل بالعروض السخية من الولايات المتحدة وأوروبا من أجل تمويل عمليات إعادة الإعمار في المدن السورية المدمرة والمهجرة.
المواد المنشورة والمترجمة على الموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر مؤسسة السورية.نت