كان لافتاً حجم الاهتمام الروسي بما تسمى “الانتخابات الرئاسية السورية”، لدرجة بدا أن الحدث يخص روسيا أكثر ما يخص أصحاب الشأن، أي نظام الأسد والمرتبطين به في سوريا، الأمر الذي دفع إلى السؤال: ماذا تريد روسيا من وراء ذلك؟
أفرد الإعلام الروسي، الناطق باللغتين العربية والروسية، مساحات واسعة لتغطية الانتخابات، عبر أخباره وتقاريره وتحليلاته، ولم يكلف القائمون على الإعلام الروسي أنفسهم تغطية انحيازهم المكشوف، في انتخابات يفترض أنها تجري في بلد آخر، بل ذهب هذا الإعلام إلى حد تسخير نفسه للدعاية لبشار الأسد، مع العلم المسبق أنه سيفوز في هذه الانتخابات المصمّمة أصلاً ليفوز بها.
ودخلت الدبلوماسية الروسية في معارك ومشادات طاحنة مع الغربيين، والرد على انتقاداتهم لهذه الانتخابات، حتى أن مؤتمر “فالداي” الذي عقد في شهر شباط/ فبراير خصص جزءاً من فعالياته للحديث عن الانتخابات السورية، علما أن هذا المؤتمر يعتبر منبراً مهماً لتوضيح رؤية روسيا لقضايا العالم وأزماته.
ولم توفر الدبلوماسية أيا من الأدوات التي تملكها أو تستطيع استخدامها للدعاية لانتخابات الأسد وتفنيد انتقادات خصومه، وحتى ولو كان عن طريق استخدام الكذب، حينما اتهم نائب وزير الخارجية، ميخائيل بوغدانوف، المعارضة السورية بالتحضير لهجوم استفزازي بالكيماوي للتشويش على عملية انتخاب الأسد.
يحصل ذلك، في ظل إدراك صانع القرار الروسي أن الأسد تحوّل إلى ورطة لروسيا، فهذا “الرئيس” الذي يراد تثبيته في الحكم، يتربع على عرش بلاد مدمّرة، لا وجود لأفق لإمكانية إخراجها من الحضيض الذي وصلت إليه في ظل استمرار الأسد في السلطة، ذلك أن الدول التي تستطيع بالفعل تقديم ما ينقذ سوريا من وضعها الحالي والمستقبلي، لديها شرط معلن وواضح، وهو إحراز تقدم في عملية سياسية حقيقية ليصار إلى تقديم مساعدات لعملية إعادة الإعمار.
تدرك روسيا أن سوريا لن تتمتع بوجود نظام سياسي مقبول، داخلياً وخارجياً، ويحصل على رضاء الشعب ومشروعيته، طالما بقي الأسد، بل إن فرض الأسد وتثبيته في السلطة سيعني أنّ البلاد ستكون مقبلة، بما لا يدع مجالاً للشك، على انفجارات اجتماعية وفوضى أمنية، بدأت نذرها تظهر بشكل جلي في جنوب البلاد وشرقها، وأن هذه الحالة من غير المتوقع تراجعها، بل المقدّر انتقالها إلى مناطق أخرى في سوريا، في ظل الأزمة الاقتصادية الخانقة التي وصلت إلى حد الجوع وافتقاد أبسط الضروريات من الركوب في وسائل النقل أو الحصول على وقود التدفئة في برد الشتاء.
لكن رغم ذلك، فإن روسيا لا تنفك عن إجراء مفاضلة بين شظف عيش السوريين واستقرارهم، وبين ضمان استمرار مصالحها، التي تحقّقت نتيجة تواطؤات دولية وإقليمية، يصعب إعادة تكرارها وإنتاجها، إذا ما ضاعت فرصة السيطرة الراهنة، وهي مستعدة اليوم لخوض حروب إقليمية ودولية في سبيل الحفاظ على ما تحقّق لها، إذ أصبحت لاعباً رئيسياً في الشرق الأوسط والبحر المتوسط، بعد زمان كانت فيه مجرد دولة إقليمية عادية على وصفها به الرئيس الأمريكي السابق باراك اوباما.
وليست روسيا على استعداد لتجريب مقاربات وخيارات أخرى، إذ من الواضح حذرها الشديد في هذا الأمر، ولطالما ذكر المفاوضون المعارضون أنّ روسيا تبدو في المفاوضات الخاصة بالحل السوري متشدّدة أكثر من النظام، وترفض تقديم أي تنازل حتى لا يؤثر ذلك على سلطة وصلاحيات الأسد، وحتى لا تنعكس هذه التنازلات على سيطرتها واحتلالها للأراضي السورية وهيمنتها على موارد سوريا في البر والبحر.
تعتمد روسيا في مقارباتها للوضع السوري على معطيات الراهن، التي تتمثل بتراجع قدرات المعارضة إلى حد لم يعد بإمكانها تهديد وجود الأسد، وتراجع الدعم الدولي للقضية السورية، وتراهن على ملل المجتمع الدولي واضطراره في النهاية إلى تقديم المساعدات لانتشال سوريا من مأزقها الحالي، وذلك مخافة من التداعيات التي قد تنشأ عن تعفن الوضع السوري، بعد أن تحوّلت سوريا إلى مركز لتجارة المخدرات وانتشرت الجريمة بشكل واسع فيها.
أما الشعب السوري الواقع تحت سيطرة الأسد، فتراهن روسيا على أنه لا يملك الجرأة لإعادة إنتاج ثورة أخرى ضد بشار الأسد، بعد أن جرى التنكيل به في السنوات السابقة، سواء أكان موالاة أم معارضة، وإذا حصل وتجرأ فإنه بات لديها فائض من الإمكانيات والقدرات لقمعه، ليس آخرها القاذفات النووية التي تم إرسالها، عشية انتخابات الأسد، إلى حميميم في استعراض مكشوف للقوّة.
المواد المنشورة والمترجمة على الموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر مؤسسة السورية.نت