تعود قضية فتح المعابر بين مناطق المعارضة، وتلك الخاضعة لسيطرة النظام إلى الواجهة مجدداً، بعد تصريحات روسية قالت فيها إنها اتفقت مع تركيا، على فتح ثلاثة معابر في إدلب وحلب يوم غد الخميس 25 من مارس/ آذار.
ورغم أن الإعلان كان من الجانب الروسي فقط، دون تعليق رسمي تركي، يؤكد أو ينفي ذلك حتى مساء اليوم الاربعاء، إلا أنه لاقى ردود فعل واسعة بين سوريين في الشمال السوري، والذين عبروا عن رفضهم لفتح المعابر مطلقين هاشتاغ “لا لفتح المعابر مع النظام”.
ويتذرع الجانب الروسي، بأن فتح المعابر “إنساني”، إلا أن محللين اقتصاديين، اعتبروا الهدف الروسي لفتح هذه المعابر اقتصادي بالدرجة الأولى.
مسألة قديمة – جديدة
في 5 مارس/ آذار سنة 2020، أبرم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين، اتفاقاً بشأن الشمال السوري فيما عرف بـ”اتفاق سوتشي” ونص حينها على وقف إطلاق النار وتسيير دوريات مشتركة على الطريق الدولي حلب- اللاذقية (M4).
وعقب الاتفاق نظم مجموعة من السكان المحليين في إدلب، ما أطلقوا عليه “اعتصام الكرامة” على الطريق الدولي، رافضين مرور دوريات روسية في المنطقة، وتخلل ذلك فض للاعتصام ومرور عدة دوريات قبل توقفها لاحقاً.
وتزامن ذلك مع محاولة “هيئة تحرير الشام” فتح معابر تجارية مع مناطق نظام الأسد في منطقة سراقب ومعبر بين بلدتي معارة النعسان وميزناز بريف حلب في أبريل/ نيسان العام الماضي، وبررت حينها ذلك بأنه من أجل تصدير الفائض الإنتاجي، الموجود في الشمال السوري.
لكن توجه “تحرير الشام” هذا لم ينجح كذلك، مع موجة سخط شهدتها مناطق في إدلب، واعتصاماتٍ لمدنيين قطعوا الطرق التي تتجه نحو هذه المعابر.
ومع استمرار الهدوء في الشمال السوري، باستثناء ما يتخلله من خروقات لقوات الأسد وروسيا بقصف مدن وبلدات الريف الجنوبي، أعلنت روسيا منتصف الشهر الماضي عن فتح معبر ترنبة- سراقب بريف إدلب، أمام المدنيين “الراغبين” بالخروج من مناطق شمال غرب سورية.
إلا أنه بعد فتحه لعدة أيام، لم يخرج أي مدني نحو المناطق الخاضعة لسيطرة النظام، بينما زعمت وزارة الدفاع الروسية، أن ذلك سببه منع الفصائل العسكرية المُسيطرة على المنطقة، خروج المدنيين نحو المعابر.
قصف يسبق المقترح
وخلال الأيام الماضية صعدت روسيا قصفها على مناطق الشمال السوري، وخاصة المناطق الحدودية مع تركيا، إذ قصفت الطائرات الحربية الروسية مناطق قريبة من معبر باب الهوى الحدودي مع تركيا، إضافة إلى استهداف مدينة سرمدا التي تعتبر العاصمة التجارية لإدلب، والتي نادراً ما تتعرض للقصف.
كما استهدفت أسواق المحروقات في ريف حلب، وخاصة في منطقة ترحين بالقرب من مدينة الباب والتي تعرضت لقصف بصواريخ بالستية، ما أدى إلى احتراق عشرات الشاحنات المحملة بالنفط الخام.
وكان وراء القصف والاستهداف الممنهج من قبل الروس لمناطق الشريان الاقتصادي في الشمال السوري، رسائل موجهة إلى تركيا وفصائل المعارضة توضحت في المقترح الروسي المقدم إلى تركيا بفتح المعابر.
ويقول وزير الاقتصاد في “الحكومة السورية المؤقتة”، عبد الحكيم المصري لـ”السورية. نت” إن “القصف حمل رسائل إلى تركيا والجيش الوطني وكل أصحاب القرار في المناطق المحررة بأن القصف سيستمر في حال رفض فتح المعابر”.
ووفق ما أعلنه نائب مدير مركز “حميميم” التابع لوزارة الدفاع الروسية، ألكسندر كاربوف، أمس فإن موسكو قدمت مقترحاً إلى تركيا “يتضمن استئناف عمل ممري سراقب وميزناز في منطقة إدلب لخفض التصعيد وممر أبو الزندين في منطقة مدينة حلب”.
وقال كاربوف إن “الاقتراح يشمل إطلاق عمليتي إيصال الشاحنات الإنسانية وخروج النازحين عبر الممرات اعتبارا من 25 مارس/ آذار الحالي”.
وفي ظل عدم وجود رد تركي رسمي، أعلن كاربوف أن موسكو توصلت مع أنقرة إلى فتح المعابر “بهدف رفع حالة العزل وعمليا إزالة الحصار الداخلي للمدنيين”، معتبراً أن “هذا الإجراء يمثل عرضا مباشراً لالتزامنا بالتسوية السلمية للأزمة السورية على المجتمعين المحلي والدولي”.
أهداف روسية
ومنذ الإعلان الروسي عن فتح المعابر، رُسمت اشارات استفهام عديدة، حول الأهداف الروسية من الإصرار على فتح المعابر، فيما اعتبر محللون بأنه الهدف اقتصادي بالدرجة الأولى، لتخفيف الأزمة الاقتصادية في المناطق التي يسيطر عليها نظام الأسد.
وقال عبد الحكيم المصري، إن ما تزعمه موسكو بأن فتح المعابر هو إنساني غير صحيح، وإنما “الهدف منه هو الحصول على القطع الأجنبي والمنتجات والمواد الأساسية المتوفرة في الشمال السوري والمستوردة من تركيا وأوروبا”.
وأضاف وزير الاقتصاد في “المؤقتة”، خلال حديث لـ”السورية. نت” أن “النظام لا يملك الدولار من أجل استيراد المواد الأساسية، خاصة وأنه يستورد البضائع عن طريق لبنان أو الأردن وكلاهما لا يقبلان التعامل بالليرة السورية وفقط بالدولار، لذلك روسيا والنظام يريدان فتح المنافذ الحدودية مع المناطق المحررة من أجل أخذ البضائع والدفع بالليرة السورية فقط إضافة إلى حصوله على القطع الأجنبي (الدولار) مقابل عملة ورقية لا قيمة لها”.
وكان رئيس النظام، بشار الأسد، قال خلال مقابلة مع قناة “الإخبارية” في 2019، إن “تحرير منطقة ليس بالضرورة أن يخدم الليرة، تحرير منطقة قد يلغي الدولار الذي كان يأتي لصالح الإرهابيين الذين كانوا يصرفونه لشراء بضائع من جانب، أو لضخه من جانب آخر، وكانت إحدى أدوات الدولة هي الاستفادة من هذا الدولار”، في إشارة إلى كيفية استفادة حكومة الأسد من القطع الأجنبي الذي يدخل إلى مناطق المعارضة.
من جهته قال مدير مكتب العلاقات الخارجية في حركة “أحرار الشام الإسلامية”، لبيب نحاس أن “الروس يسعون للتطبيع التجاري بين المناطق المحررة والمحتلة منذ 2016، حيث أصروا بشكل شديد أثناء مفاوضات حلب على تضمين هذا الشرط، ويبدو أنهم لا يزالون مصرين عليه كما أصروا على فتح الطرق الدولية”.
واعتبر نحاس، في منشور عبر صحفته في “فيس بوك”، أن” أولوية الروس في هذه المرحلة هي إنقاذ النظام اقتصاديا وتعويمه سياسياً، وفتح المعابر يساعد بشكل كبير على هذا الأمر، كما أنه يساعد على كسر حواجز نفسية وحتى لوجيستية بين السوريين في المحرر والنظام”، خاصة وأن “المناطق المحررة تتوفر فيها البضائع التركية والأوروبية بأسعار أرخص من المناطق المحتلة، وهناك تسهيلات كبيرة للاستيراد، وبالتالي فهذه المعابر لن تفيد السوريين سواء في المحرر أو مناطق النظام من هذه الزاوية”.
وتعاني مناطق نظام الأسد من أزمة اقتصادية، بسبب ارتفاع سعر صرف الدولار وتخطيه حاجز 4 آلاف ليرة سورية للدولار الواحد، وما رافقه ذلك من ارتفاع الأسعار بشكل كبير.
المساعدات الإنسانية
ويكمن هدف آخر وراء الإصرار الروسي لفتح المعابر وهو الاستفادة من دخول المساعدات الإنسانية التي تدخل عبر معبر باب الهوى، بحسب المصري الذي قال إن “المساعدات الإغاثية تدخل من باب الهوى، والنظام من خلال فتح المعابر يحاول استلام وأخذ حصة منها أو يستولي عليها بطريقة ما”.
أما نحاس فاعتبر أن “روسيا تعمل منذ فترة طويلة على منع دخول المساعدات الإنسانية الدولية إلى سورية عن طريق باب الهوى، ومن المتوقع أن تستعمل الفيتو لتمديد دخولها من الشمال هذه السنة. مع فتح المعابر سيسهل تبرير دخول المساعدات من دمشق حصرا وسيضطر السوريون في الشمال لاستلام المساعدات من النظام عن طريق المعابر”.
وحول المستفيد الأكبر من فتح المعابر إن كان النظام أم المعارضة، أوضح المصري أن “المستفيد أكثر هو النظام لأن المواد الأساسية متوفرة في الشمال السوري، سواء عن طريق استيرادها من تركيا أو من دول أخرة ترانزيت عبر تركيا، إضافة إلى وجود إنتاج محلي مثل القمح والحبوب والخضار والفواكه والزيتون، لذلك النظام من خلال فتح المعابر وإدخال هذه المواد لمناطقه فهو المستفيد الأكبر.
من جهته اعتبر المحلل الاقتصادي خالد تركاوي خلال حديث لـ”السورية. نت”، أن “روسيا بالدرجة الرئيسية لديها مقاربة وهي يجب ألا تكون مناطق النظام أسوأ من مناطق المعارضة، لذلك نرى روسيا تقصف المشافي وحراقات النفط ومعمل الغاز وأي شيء يمكن أن يكون ميزة في المناطق المحررة”.
وقال تركاوي إن المستفيد الأكبر سيكون التاجر أو الجهة التي ستدخل المواد والبضائع من مناطق المعارضة إلى النظام، إضافة إلى أن الحديث عن المستفيد الأكبر يعتمد على المواد المسموح إدخالها والممنوعة.