ما المعروف عن المشروع السكني الذي تنفذه تركيا وقطر شمال سورية؟
في “خطاب النصر” الذي ألقاه الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، بعد فوزه بالانتخابات الرئاسية، تطرق إلى المشروع السكني الذي بدأت بلاده بتنفيذه في الشمال السوري، بتمويل من قطر.
بموجب الخطة التي كشف عنها أردوغان، يهدف المشروع إلى ضمان “العودة الطوعية” لنحو مليون لاجئ سوري في تركيا، في غضون سنوات قليلة.
أرقام حول المشروع السكني
وعلى عكس المشاريع التركية السابقة، سيتم تشييد أبنية دائمة وليست مؤقتة، تتراوح مساحتها بين 60 و80 و100 متر مربع.
ويشمل المشروع أيضاً تأهيل الأراضي الزراعية و قطاع التجارة، ومرافق الصناعة الإنتاجية.
كما يشمل بناء 3 مدارس ومركز تسوق ومسجد، ومراكز صحية، خلال فترة 3 سنوات.
وفي 24 مايو/ أيار الماضي، أقامت تركيا مراسم وضع حجر الأساس في جرابلس، شمال سورية، بمشاركة وزير الداخلية سليمان صويلو.
وقال صويلو حينها: “من أجل هذه الخطوة المهمة، والتي تم اتخاذها من قبل صندوق دولة قطر للتنمية، تم التوقيع على بروتوكول بين رئاسة إدارة الكوارث والطوارئ (التركية) وصندوق التنمية لدولة قطر في أبريل 2023”.
وأضاف أنه خلال المرحلة الأولى من المشروع السكني سيتم بناء 5 آلاف منزل، تتسع مبدئياً لـ 50 ألف شخص.
فيما يشمل المشروع كاملاً بناء 28681 منزلاً.
ولا تتوفر معلومات حول الشركات التي ستقوم بعمليات البناء، وكيفية اختيارها، أو أي تفاصيل أخرى حول الميزانية المخصصة.
إلا أن شبكة “BBC” التركية نقلت عن رئيس جمعية النور السورية ومنصة الجمعيات السورية، مهدي داوود، قوله إن شركات محلية صغيرة ستتولى البناء.
وأضاف أن المشاريع السكنية في المنطقة يتم تنفيذها بالتنسيق مع “إدارة الكوارث والطوارئ” التركية والهلال الأحمر التركي.
الحل الأمثل “إحلال السلام”
وفي حديثه لـ “BBC”، قال خبير الشرق الأوسط محمود علوش، إن هذا المشروع جزء من جهود تركيا لتأهيل مناطق في الشمال السوري، من أجل عودة اللاجئين.
وحتى الآن، عاد نصف مليون لاجئ سوري فقط إلى سورية، بحسب الأرقام الرسمية التركية.
لكن هذا الرقم “لا يزال صغيراً مقارنة بحوالي 3.5 مليون سوري” في تركيا، حسب علوش.
وأضاف: “قد ينجح المشروع بإعادة بعض اللاجئين، لكن المعالجة الكاملة لمشكلة اللاجئين مرتبطة بإحلال السلام في سورية”.
وأشار علوش إلى أن قطر تسعى من هذا المشروع السكني إلى أشياء كثيرة ومختلفة: أبرزها الصورة والأمن والدعم الدبلوماسي.
مذكراً بأن تركيا تواجه ضغوطاً مالية واقتصادية كبيرة بسبب التضخم والزلزال، وبالتالي فإن تمويل بلد ما “مهم جداً” لهذا المشروع.
من جانبه، قال الباحث توماس بيريت، من معهد دراسات العالم العربي والإسلامي في فرنسا، إن قطر هي الدولة الوحيدة في المنطقة المستعدة لمنح تركيا هذا الدعم، ودفع تكاليف إعادة توطين اللاجئين في شمال سورية.
وأضاف أن السعودية والإمارات توصلتا إلى “اتفاق سلام” مع النظام السوري.
وأوصل الأخير رسالة لهما مفادها “إذا كنت تريد التطبيع مع الحكومة المركزية، عليك ألا تمول المشاريع العقارية في المناطق التي تسيطر عليها المعارضة”.
وتابع: “حتى لو كانوا (السعودية والإمارات) على استعداد للقيام بذلك، وهو ما لم يفعلوه، فإنه يكاد يكون مستحيلاً لأن ذلك سيكون نوعاً من الاستفزاز للنظام السوري”.
وحسب بيريت فإن قطر ليس لديها مخاوف مالية، وتسعى بالتالي إلى تأمين الدعم الدبلوماسي وتحسين صورتها.
وقال: “على الرغم من تحسن علاقات قطر مع جيرانها مثل السعودية والإمارات بشكل كبير مؤخرًا، إلا أنه من غير الواضح متى تندلع أزمة.
وتابع: “من المفيد للغاية بالنسبة لقطر الحصول على دعم لاعب إقليمي مهم مثل تركيا، التي تتمتع بقوة سياسية ودبلوماسية وعسكرية”.
النظام يرفض تعزيز الوجود التركي
في اليوم التالي لوضع حجر أساس المشروع السكني، كتبت صحيفة “الوطن” السورية شبه الرسمية أن “احتمال اتخاذ تركيا خطوات سريعة لتطبيع العلاقات مع سورية يبدو بعيد المنال”.
وقال الباحث توماس بيريت لـ “BBC”، إن حديث أردوغان عن “بناء الحوار” مع النظام السوري “لم يكن جاداً أبداً”.
مضيفاً أن “أردوغان أراد إعطاء الناخبين الأتراك انطباعاً بأنه يحاول تقديم تنازلات لإعادة اللاجئين”.
وأشار إلى أن النظام السوري يشترط على تركيا سحب كامل قواتها من الأراضي السورية، قبل تطبيع العلاقات.
إلا أن بناء مدن ومشاريع سكنية جديدة للاجئين بالشمال السوري هو “أفضل مؤشر على أن نية تركيا الحقيقية هي البقاء”.
وأضاف: “من غير المنطقي أن تبني تركيا مشروعاً سكنياً بمليارات الأموال القطرية، ثم تنسحب وتترك النظام وروسيا يدمرونها”.
ورغم أنه من المعروف بحسب “BBC” أن موقف النظام من المشروع السكني “سلبي للغاية”، إلا أن بيريت يرى أن النظام لن يتفاعل مع بدء إنشاء المشروع.
فيما قال خبير الشرق الأوسط محمود علوش، إن النظام “سيعارض المشروع بالطبع لأنه يعزز دور تركيا في شمال سورية”.
ويضيف أن “موافقة روسيا على المشروع أهم من موقف النظام”.
ما هو موقف روسيا؟
قال الباحث توماس بيريت إن مواقفة النظام على المشروع السكني “مهمة بالنسبة له لأسباب تتعلق بالسيادة”.
إلا أن الأمر لا ينطبق على روسيا التي تسعى للحفاظ على علاقاتها مع تركيا، وإبعادها عن الولايات المتحدة و”الناتو”.
وأضاف: “من أجل عدم دفع تركيا بالكامل إلى أحضان الناتو والولايات المتحدة، فإن الروس أكثر من سعداء بتوسط تركيا بين الجانبين”.
من جانبه، قال خبير الشرق الأوسط محمود علوش، إن روسيا “تدرك أن أردوغان بحاجة إلى حل مشكلة اللاجئين التي تضغط عليه في البلاد”.
فيما قال مهدي داود إن النظام وروسيا يعارضان تحقيق الاستقرار في شمال سورية.
لأن هذا يعني أن “المعارضة يمكن أن تقف على قدميها وتخلق مقاومة ضد الأسد”.