قال وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، في 20 كانون الثاني عام 2017 إنّ موسكو تعتبر المحادثات المرتقبة في أستانة بمنزلة “إسهام مهمّ في وضع معايير التسوية السياسية الشاملة في سوريا، والتي ستستمرّ ضمن فاعليات أوسع في جنيف مطلع شباط على أساس قرارات مجلس الأمن الدولي “. فما الذي تبقى من كل ذلك؟
فكرة منصة أستانة الثلاثية في العام 2017 هي روسية. وصفها العديد من الأطراف المحليين والإقليميين والدوليين بأنها خطوة في الاتجاه الصحيح لوقف اشتعال الجبهات والمساهمة في تخفيف التصعيد، ووقف معاناة الشعب السوري والتمهيد لحل سياسي للنزاع، حتى ولو اعترضت الكثير من العواصم العربية والغربية على حصة طهران أمام الطاولة الثلاثية وتحولها إلى طرف ضامن للاتفاقيات مثلها مثل أنقرة وموسكو مما يعني توغلها سياسيا وميدانيا في سوريا.
ما الذي حققته هذه المنصة بعد 6 سنوات من الزمن و20 جلسة لقاء وحوار وتفاوض؟
وهل ما زالت الخارجية التركية عند رأيها بأن التفاهمات الثلاثية التي جرى التوصل إليها في كازاخستان -والتي شملت وقتها كل إدلب وأجزاء من حلب واللاذقية وحمص. ورافقها قرار حظر استخدام جميع الأسلحة في تلك المناطق، وحظر تحليق الطيران السوري، والسماح بإدخال المساعدات – قد نفذت على أرض الواقع كما اتفق عليه، وساهمت بتسجيل اختراق ميداني وأمني يفتح الطريق أمام الحلحلة السياسية في الملف؟
لا بل هل أعطت “أستانة” 20 أنقرة ما كانت تتطلع إليه مع قبول قرارات أستانة 1، فرصة التقاط الأنفاس على جبهة شمال غرب سوريا، والتركيز على مناطق شمال شرق البلاد، حيث تستعد واشنطن، مع حليفها المحلي هناك، لإعلان منطقة نفوذها الجديد ومحاصرة تركيا بالجغرافيا الكردية؟
لماذا ظهرت إلى العلن إذا تفاهمات سوتشي التركية الروسية؟ وما الذي دفع الطرفين للبحث عن تفاهمات خارج أستانة وبعيدا عنها للالتفاف على الخروقات العسكرية واستهداف مواقع القوات التركية والتسبب بإعادة التموضع العسكري التركي؟ ثم استغلال النصرة فرصة انشغال الأطراف بهمومهم للتمدد والانتشار وبسط هيمنتها على جزء كبير من إدلب وترك الأمور على حالها حتى اليوم؟
يقول لنا مستشار رئاسة مجلس وزراء النظام في دمشق، عبد القادر عزوز، إن مباحثات أستانة تشكل اختبارا جديا لرغبة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في البحث عن تسوية وتفاهم يفضي إلى انسحاب القوات التركية وإيجاد حلول للكثير من الملفات العالقة بين البلدين؟ ويتمسك رئيس وفد النظام إلى أستانة أيمن سوسان بأن الجانب التركي لا يزال بعيدا عن الوفاء بمتطلبات العلاقات مع دمشق، وأن الانسحاب العسكري التركي من الأراضي السورية يجب أن يبدأ على الفور. وتعلن الخارجية الروسية عن مناقشة نواب وزراء خارجية روسيا وتركيا وسوريا وإيران في أستانة، عناصر “خريطة طريق” لتطبيع العلاقات بين دمشق وأنقرة.
مواقف روسيا والنظام تتعارض مع ما تقوله القيادات التركية. فوزارة الخارجية التركية تردد إن الأطراف المشاركة في اجتماع أستانة أكدت على “ضرورة تهيئة الظروف اللازمة داخل سوريا من أجل ضمان العودة الآمنة والطوعية والمشرِّفة للسوريين”. وأن الحديث عن انسحابات عسكرية تركية من شمال سوريا وسط هذه الظروف المحلية والإقليمية يتطلب تحقيق أكثر من مطلب يرضي أنقرة وهي: انسحاب القوات والميليشيات الأجنبية الأخرى المتمركزة على مقربة من الحدود التركية السورية، وحسم موضوع سلاح قسد وتنسيقها القائم مع مجموعات حزب العمال. وفتح الطريق أمام الحلحلة السياسية وتسهيل عودة مئات الآلاف من اللاجئين السوريين إلى بلادهم.
ألن تقلق موسكو وأنقرة وطهران نتيجة التحرك العسكري الأميركي الجديد في شرق الفرات لناحية نقل مزيد من الجنود والعتاد والأسلحة الثقيلة؟ وإعلان واشنطن تخليها عن فكرة الانسحاب العسكري من المنطقة في هذه الآونة، مما يعني قبولها الوجود أمام خط المواجهة الأول حيال أي سيناريو عسكري محتمل يستهدف حليفها الكردي هناك سواء أكان بقرار تركي منفرد أو في إطار تفاهمات تركية سورية مع النظام بضوء أخضر روسي وإيراني؟ مع ضرورة الأخذ بعين الاعتبار احتمال بروز سيناريو ترك واشنطن لتل أبيب تنفذ خططها العسكرية ضد إيران في سوريا حتى ولو كان ثمن ذلك تفجير أكثر من جبهة وإشعال أكثر من منطقة حدودية؟
كانت موسكو تقول عند انطلاق أعمال أستانة قبل 6 سنوات أنه لن يكون هناك أي شروط مسبقة قبل الذهاب إلى المنصة وأنّ الذي سيتمّ الاتفاق عليه هو الملزم للجميع. أنقرة التي تعيش لحظات صعبة في هذه الآونة وهي التي تستعد لمنصة جديدة تدمج أستانة بالرباعية ترجّح التريث. تريد أن تثقَ بروسيا شريكها في الملف السوري، لكنّها تريد أن تعرف حقيقة المواقف العربية والإقليمية مما يجري، وأن تبقي قوى المعارضة السورية حليفها الإستراتيجي إلى جانبها في سياستها السورية الجديدة.
هل سترضى قوى المعارضة السورية بخطة روسية لا تعرف تفاصيلها ومدى انفتاحها على ما تقوله وتريده في سوريا منذ أكثر من عقد؟ وأي نوع من التفاهمات أو الصفقات قد تتم إقليميا في سوريا وتدفع هي ثمنها سياسيا وأمنيا في إطار حل يشمل التفاهم مع النظام في دمشق على حساب ما انطلقت من أجله ودافعت عنه على طريق التغيير وبناء سوريا الجديدة وحاول البعض تحويلها إلى مشكلة لجوء أو أمن حدودي أو محاربة المجموعات الإرهابية؟
قد تبرز إلى العلن حالة من التقارب والانفتاح بين أنقرة ودمشق على ضوء المتغيرات الإقليمية والدولية التي تشجع على ذلك وتريده. وقد ترتب تركيا أولوياتها على هذا الأساس في الأسابيع القادمة. لكن القيادات السياسية التركية تدرك حجم ارتدادات تعريض مسار ومستقبل علاقتها بحليفها قوى المعارضة السورية ومن نسقت معه عربيا وإقليميا للخطر. أحزاب وقيادات المعارضة ومنصاتها ومؤسساتها لن تقبل أن تظل في وضع المتفرج والمراقب. هي بدأت منذ أشهر تستعد لسيناريوهات بأكثر من اتجاه محلي وإقليمي ودولي للدفاع عما قادها لتحمل كل هذه الأعباء من شعارات ومواقف ومطالب.
مسألة التطبيع بين أنقرة ودمشق بالنسبة لموسكو وطهران هي مسألة وقت فقط. واشنطن من ناحيتها تقول إن العقبات ما زالت قائمة وأبرزها المرحلة الانتقالية في سوريا. اللاعب العربي الذي تحرك من جديد على خط الأزمة السورية قد يجد نفسه أمام معضلة “كرمال عين تكرم مرج عيون” بعد إجلاسه بشار الأسد أمام طاولة اجتماعات القمة العربية.
أكدت الأطراف المشاركة في اجتماع أستانة الـ20 حول سوريا ضرورة تهيئة الظروف اللازمة داخل سوريا من أجل ضمان العودة الآمنة والطوعية والمشرِّفة للسوريين.يقال إن رجلا ثريا توفي وترك لزوجته مالا لا يعد ولا يحصى. قررت الأرملة بعد أشهر الزواج بسائق الأسرة المخلص. يردد الأخير وهو في حيرة من أمره “كنت أظن أنني أنا من يشتغل عنده طيلة هذه السنوات، فتبين أنه هو الذي كان يجمع ثروته من أجلي”. الرابح قد لا يكون تركيا أو سوريا أو عربيا.
المواد المنشورة والمترجمة على الموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر مؤسسة السورية.نت