ما مغزى بوادر التطبيع العربي مع النظام السوري؟
بدأت السلطات الأردنية مجموعة من إجراءات إعادة العلاقات السياسية والاقتصادية مع النظام السوري، فرعى أول لقاء جماعي لحكومة بشار الأسد في بلد عربي منذ بدء الثورة السورية، وأعلنت حكومة عمّان إنهاء زيارة الوفد السوري الرفيع بالتوافق على آليات عمل مشتركة في مجالات التجارة والطاقة والزراعة والمياه والنقل.
من الملفت أن هذا المسار الأردني مع النظام السوري بدأ خلال زيارة للملك الأردني، عبد الله الثاني، إلى واشنطن في تموز/يوليو الماضي، حيث بادر إلى دعوة الرئيس الأمريكي جو بايدن لتخفيف عقوبات قيصر، واستثناء الأردن منها، بانيا هذا الموقف على تصريح قال فيه إن «بشار الأسد مستمر في الحكم، والنظام ما زال قائما، ولذلك، علينا أن نكون ناضجين في تفكيرنا» متسائلا: «هل نبحث عن تغيير النظام أم تغيير السلوك؟».
اعتبر نظام الأسد هذا التصريح دعوة له للاستمرار في سلوكه المعتاد الذي استخدم القمع الوحشي وأسلحة الإبادة الجماعية ضد شعبه، مما أدى منذ عام 2011 إلى مقتل 350 ألفا، حسب تقرير «غير شامل» للأمم المتحدة، يعكس الحد الأدنى للضحايا، كما أدى لتهجير ونزوح أكثر من نصف الشعب السوري، الذين يستضيف الأردن منهم، حسب وزير الداخلية مازن الفراية، مليون و360 ألفا.
رغم أن ما يعنيه ذلك هو أن الذي تغير هو سلوك الأردن وليس سلوك النظام السوري، فقد ظهرت مؤشرات عربية أخرى على ميل متزايد لدى بعض الحكومات العربية لإعطاء دفعة لمسار التطبيع هذا، كما حصل خلال اجتماعات الأمم المتحدة، حيث التقى وزير خارجية النظام السوري فيصل المقداد، بوزراء خارجية تونس والجزائر والعراق وعُمان والأردن ومصر.
أحد المؤشرات الذي يمكن ربطه بدور الأردن القيادي في مسيرة التطبيع مع نظام الأسد هو البحث عن حلول لتدهور أوضاعه الاقتصادية، وعليه فإن الأمر لا علاقة له بتغيير سلوك النظام السوري، بل بالاستثمار في عدة قضايا: منها أن تكون عمّان معبر مبادرات المنظومة الدولية نحو دمشق، بدءا من قضية خط الغاز المصري باتجاه لبنان، وليس انتهاء بإمكانيات الاستثمار عبر الانفتاح على سوق مغلقة بفعل العقوبات والحرب، إضافة إلى بحث إمكانية إعادة أعداد من اللاجئين السوريين.
تعبر سلطات القاهرة، من جهتها، عن رغبة في التطبيع مع النظام السوري منذ سنوات، وهي سياسة ثابتة انضافت إليها الفوائد المترتبة على مشروع الغاز، وفي ظل الرغبة المعلنة التي أبدتها الجزائر عن رغبتها في إعادة النظام السوري إلى الجامعة العربية خلال اجتماعها المقبل فيها، فإن الدور المصري في هذا الاتجاه سيكون مؤثرا بدوره.
العراق، من جهته، والذي تتأثر سياسته الخارجية بالنفوذ الإيراني الكبير فيه، يشارك في سوق القاطرة العربية باتجاه دمشق، كما أن بعض الدول الخليجية، كالإمارات والبحرين، فقد جمعت في السنة الأخيرة، بين التطبيع المتزايد مع النظام السوري، مع التطبيع مع إسرائيل.
تبدو تونس اللاعب الجديد الداخل على خط التطبيع، وهو أمر ذو دلالة عند النظر إليه على خلفية الانقلاب الذي أحدثه الرئيس قيس سعيد في أوضاع البلاد، حيث تمتزج بوادر الاستفراد بالحكم مع خطابات تذكّر، للأسف، بخطابات الأسد، في وصف خصومه ومعارضيه.
تتأثر رؤية الحكومات العربية إلى النظام السوري بمصالح اقتصادية وسياسية متنوعة تتناقض في أغلبها مع مبادئ الأخلاق السياسية ومصالح الشعب السوري نفسه، وبذلك يمكن اعتبار خطوات تقاربها معه مؤشرا على اتجاه متزايد لترسيخ الاستبداد في المنظومة العربية، وإلى إعلان نهاية مرحلة كان يعد بها الربيع العربي.
المواد المنشورة والمترجمة على الموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر مؤسسة السورية.نت