شهدت مناطق شمال غربي سورية خلال الأيام الأخيرة، تصعيداً عسكرياً، بشقّيها الخاضع لسيطرة “الجيش الوطني” و”هيئة تحرير الشام”.
إذ تعرضت لغارات جوية روسية وقصف صاروخي، أسفر عن حصيلة ضحايا كبيرة، ومخاوف من أزمة نزوح جديدة.
وبدأ التصعيد من مدينة “الباب” شرقي حلب، يوم 19 أغسطس/آب الجاري، بقصف صاروخي مشترك من قوات الأسد و”قوات سورية الديمقراطية” مصدره “رادار الشعّالة” في محيط المدينة، على سوق “الخميس” الشعبية، ما أدى إلى وقوع مجزرة راح ضحيتها 15 مدنياً وأكثر من 30 إصابة.
فيما شهد محيط مدينة إدلب ذات الكثافة السكّانية، أمس الإثنين، هجوماً بأكثر من 13 غارة جوية من الطيران الحربي الروسي، وكانت الأولى بعد مضي شهر على استهداف منزل سكني في محيط بلدة “اليعقوبية” غربي إدلب، أسفر عن مقتل 7 أشخاص، غالبيتهم من عائلة واحدة.
ويخلق التصعيد هاجساً لدى الأهالي، بعد تركّزه على أكثر المناطق حيويةً وكثافة للسكان في ريف حلب وإدلب، إذ يقطن في المدينتين قرابة مليون نسمة.
وقال فريق “منسقو استجابة سورية”، عقب عملية الاستهداف، إنّ “أكثر من 700 ألف مدني في مدينة إدلب ومحيطها، مهددين بالنزوح إلى المجهول نتيجة الغارات الجوية”.
“بنك أهداف قديمة”
تركّزت الغارات الروسية الأخيرة على ما يعرف بـ”حرش الباسل”، الذي يبعد عن مدينة إدلب حوالي 5 كيلو مترات، وهو يعتبر من “بنك الأهداف القديمة” للطائرات الروسيّة، إذ تكرر القصف الروسي على الموقع مرات عديدة خلال السنوات الماضية.
ولم يسفر الاستهداف عن ضحايا مدنيين، واقتصرت الأضرار على حرائق في أشجار الحرش، استجابت فرق “الدفاع المدني السوري” لها، وعطل في خطّ مغذٍ للتيار الكهربائي، عملت فرق الصيانة على إصلاحه.
“التصعيد لأهداف سياسية”
ويرى في هذا السياق، محمد البقاعي وهو محاضر في جامعات الشمال السوري وباحث في مركز “نما” للأبحاث المعاصرة، أنّ “استخدام القوة العسكرية من أطراف الصراع لتحقيق أهداف عسكرية وسياسية سويةً، إلا أنّ التصعيد الأخير، لا يرتبط بغايات عسكرية على قدر ما يرتبط بغايات وأهداف سياسية”، مشيراً إلى أنّ “اقتراب أي اتفاق أو تغيير معين ضمن الحالة السورية، يسبقه عضّ الأصابع ما بين الأطراف الفاعلة، وليست بأدوات دبلوماسية”.
وفي حديثه مع “السورية.نت”، اعتبر أن “وتيرة التصعيد بين مختلف الأطراف ستزداد مستقبلاً، حتى الوصول إلى تغيير مرتبط بشكل أساسي بمصير قوات سورية الديمقراطية (قسد) على الشريط الحدودي، وهذه المسألة مقترنة بموقف روسيا وإيران من العملية العسكرية التركية وقدرة تركيا على إقناعهم بالعمليّة”.
ويعتبر أنّ “جملة التصعيد المستمرة في الشمال السوري، ومن مختلف الأطراف، تأتي في سياق “فرض أمر الواقع”، وهي عبارة عن “رسائل سياسية في الميدان، حتى يتمّ إعادة تموضع الأطراف المتنازعة وهي (قسد وروسيا وتركيا وقوات الأسد) بصيغة ترضي الجميع ولو كانت مؤقتة”.
وحول التصريحات التركية الأخيرة، يعتبر أنّ “تركيا رغم إقدامها على تغيير في سياستها اتجاه القضية السورية، إلا أنها تدرك أن دورها مرتبط بمقدار سيطرتها على الأرض وتأثيرها ونفوذها العسكري في الشمال السوري، وبناءً عليه فإنّ التصريحات الدبلوماسية التركية الأخيرة لن تتفق مع تطورات الميدان التي ستذهب نحو زيادة حدة التوتر والصراع”.
“السيطرة على الأجواء الجوية”
من جانبه، يجد نوار شعبان وهو باحث في مركز “عمران للدراسات”، أنّ “التصعيد الروسي يأتي بمرحلة تشهد تحولاً سياسياً، لكسب مكاسب في جولات نقاشية قادمة في المستقبل”.
واعتبر في حديثٍ لـ”السورية.نت”، أنّ “الهجمات الجوية الروسية هي إشارة واضحة من الجانب الروسي لسيطرته على الأجواء، وقدرته على استخدام سلاح الجو وسلاح المدفعية لتدمير بنبى تحتية ومواقع مدنية، ليشكل ضغطاً على الطرف المسيطر على الأرض”.
ويلفت إلى أنّ “التصعيد صار مؤشراً واضحاً على وجود محادثات واتفاقات سياسية ما، سواء كانت علنيّة أو سريّة، وهو ما يفسّر التصعيد في كل من ريف إدلب أو حلب”.