محاكمة أنور رسلان ومستقبل سوريا
محاكمة العقيد السوري السابق أنور رسلان بالسجن المؤبد في ألمانيا لارتكابه “جرائم ضد الإنسانية” في معتقلات نظام الأسد، تحمل رسالة مزدوجة لمستقبل زملائه في الخارج، بأن لا هرب من المحاسبة والعدالة، وللداخل السوري الذي سيزيد من رهانه وولائه للسلطة الحاكمة.
أرسلان الذي ارتبط اسمه بتعذيب 4000 شخص في الحرب السورية، ومقتل ما لا يقل عن 58 معتقلا تحت التعذيب خلال فترة وجوده في “معتقل الخطيب”، تم الحكم عليه في الغرب وفي سابقة منذ الحرب السورية. إذ تعد هذه المحاكمة، التي تمت في مدينة كوبلنز غرب ألمانيا هذا الأسبوع، أول قضية جنائية ترفع بشأن عمليات التعذيب، يتهم مسؤولو الحكومة في سوريا بتنفيذها.
الحكم الذي اعتبرته الأمم المتحدة “قفزة تاريخية”، هو بالفعل بارقة أمل لملايين السوريين ممن تم تعذيبهم وتجويعهم وتشريدهم لكي يضمن نظام الأسد بقاء سلطته الأمنية والسياسية والعائلية والمافيوية في البلاد.
فالحكم، ولو أنه يطال شخصا واحدا، يعيد مفهوم العدالة والمحاسبة والاكتراث الخارجي لمصير السوريين. فمن رفعت وماهر الأسد إلى علي المملوك وعلي أيوب ورامي مخلوف وبثينة شعبان وآل الأخرس، اللائحة طويلة من الأسماء التي لطخت أيديها بدماء الحرب، ولن يلحقها طابور العدالة لأنها ستتشبث بالسلطة ولن تنشق كما فعل رسلان بهروبه إلى الأردن بداية.
رغم ذلك، فإن محاكمة رمز من رموز النظام يحاكي ضحايا الحرب السورية، ويقول للأسد عبر البوابة الأوروبية الأقوى أي ألمانيا أن لا عودة لمرحلة ما قبل 2011. لا زيارات لباريس لبشار الأسد ولا حقائب “لوي فيتون” أو أحذية “لوبوتان” لعقيلته أسمى.
ففرنسا كانت أصدرت أول مذكرات توقيف دولية لمسؤولي المخابرات السورية في 2018 بتهمة “التواطؤ في أعمال تعذيب” تتعلق بقضايا مماثلة. كما شهدت إسبانيا والنروج والسويد دعاوى من سوريين وصلوا لها، بعضها تم رفضه لعدم وجود أدلة كافية وبعضها قيد المراجعة.
الغرب قد يكون تغاضى سياسيا عن النزاع في سوريا، إنما أنظمته القضائية هي الأعرق في القرن الـ21، لن تشتريها سلطات الأمن السورية كما تفعل في دول الجوار، ولن ترهبها أدوات النظام وعملائه في الخارج.
والمحاكمة توجه رسالة مغزاها أن لا مستقبل لأدوات النظام ممن ارتكبوا جرائم في الغرب حتى لو انشقوا عنه. فالأدلة وصور الضحايا وشهادات ذويهم سترافق النظام في أي محاولة له لتغيير صورته في الغرب.
ملايين السوريين الذين أضحوا لاجئين ومشردين من تركيا إلى ألمانيا إلى كندا لديهم ذاكرة جماعية هي سلاحهم الأقوى ضد النظام. فحيث فشلت المعارضة السورية بتفتتها ومصالحها الضيقة، نجحت السلطات القضائية الألمانية في تحقيق العدالة لهؤلاء.
في نفس الوقت، فإن محاكمة رسلان ستقلل من فرص انشقاق رجال النظام عن الأسد بسبب الخوف من مواجهة مصير قضائي مماثل في الغرب إلا إذا تم منح هؤلاء حصانة أو عفو قبل خروجهم. إلا أن تحول النظام بشكل أكبر إلى إيران ودول أخرى لتعويمه وتحول الاقتصاد السوري إلى اقتصاد حرب وشبكات “كبتاغون” يزيد من حالة الاعتماد عليه لمن هم في الداخل، ويقلل من فرص انقلابهم عليه، أو على الأقل ليس علنا.
محاكمة رسلان في ألمانيا لارتكابه أبشع الجرائم ضد السوريين هو مؤشر بأن السجل الدموي للنظام ليس فقط حبرا على ورق وأنه وفي حين تنعدم المحاسبة والعدالة في عالمنا العربي، فهي حاضرة وجاهزة في الديمقراطيات الليبرالية لسجن الظالم والاعتراف بالمظلوم ولو بعد حين.
المواد المنشورة والمترجمة على الموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر مؤسسة السورية.نت