لا يمكن الركون بعد مرور أحد عشر عاماً على انفجار الثورة الشعبية في سورية، إلى ما يمكن تسميته قبول بقاء الحال الاستبدادية لنظام الأسد، فهذا القبول يعني طمس حقائق كبرى، لا يمكن تجاوزها من قوى الثورة السورية، وأهمها حقائق القتل والدمار والإبادة التي مارسها هذا النظام على امتداد سنوات الصراع بينه وبين قوى الثورة.
اتضح ذلك من خلال انتشار المظاهرات الرافضة لأي تفاهمات أو تصالحات في الشمال السوري المحرر، وفي أماكن لجوء السوريين في العالم. فهذه المظاهرات كشفت مدى ارتباط السوريين بثورتهم وقضيتهم بالخلاص من نظام استبدادي دمّر الحجر وقتل البشر.
ولكن، وكي لا نقع أسرى لرغباتنا الثورية، أو نكون ضحايا لعدم قراءتنا للواقع وفق بنيته وأنساقه المكونة له، وفهم جدل العلاقات بين هذه الأنساق، ينبغي أن نميّز نحن السوريون بين مهامنا الثورية، وبين الدعم السياسي أو غير السياسي الذي قد يُقدّم لنا، انطلاقاً من أجندات مختلفة لقوى إقليمية ودولية، لها حسابات تخصّ مصالحها كدولٍ.
وكي لا نقع في فخّ تضخيم الذات الثورية لدينا، ينبغي أن نحدّد مدى قدرة قوى الثورة السورية على التحكم بإدارة صراعها مع النظام الأسدي وحلفه الإقليمي الدولي، فقوى الثورة وببساطة ووضوح شديدين، خسرت قدرة التحكم بإدارة الصراع مع النظام، منذ انتقالها بالاعتماد على أدوار إقليمية، كان ينبغي أن يُدرك منذ البداية، أن هذه الأدوار ستقلّص مساحة استقلال القرار السياسي لقوى الثورة لصالح زيادة النفوذين الإقليمي والدولي.
طبعاً هذه الحالة لا تمسّ قوى الثورة فحسب، بل مسّت ولا تزال تمسّ بقوة طرفي الصراع السوري (قوى الثورة من جهة والنظام الأسدي من جهة أخرى).
وفق ذلك يمكن فهم لماذا انفجرت المظاهرات الشعبية في الشمال السوري المحرر مؤخراً، وفي أماكن لجوء السوريين في العالم، فهذه المظاهرات أتت على قاعدة أن النظام الأسدي ارتكب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية وبالتالي لا يمكن القبول بأي مصالحة سياسية معه، بل يجب تنفيذ القرار الدولي 2254، الذي يسمح بانتقال سياسي من نظام الاستبداد إلى نظام دولة المؤسسات الديمقراطية، وليس بإعادة تدوير هذا النظام لتأهيله بصورة مريبة وبقاءه في سدّة حكم البلاد.
والسؤال الهام الذي يجب طرحه بجرأة هو: كيف تعامل الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة مع حركة الشارع الثورية الرافضة لمصالحة النظام الأسدي؟
الائتلاف الوطني السوري ونتيجة الشروط الذاتية والموضوعية المتحكمة ببنيته السياسية والتنظيمية، كان بإمكانه ملاقاة احتجاجات الغضب التي رفعتها المظاهرات، ففي هذه الحالة، كان ينبغي على أعضاء في الهيئة السياسية وفي قيادة الائتلاف الحضور بفعالية وسط هذه المظاهرات لتوجيهها وقيادة احتجاجاتها بما يخدم تنفيذ القرار الدولي 2254.
الائتلاف الوطني لم يكن إلا تعبيراً سياسياً عن الحفاظ على ثوابت الثورة السورية على قاعدة القرارات الدولية ذات الشأن بالصراع في سورية، ولهذا هو لم يتفاجأ بحجم التظاهرات أو توقيتها، وإنما كان عليه وضع استراتيجية تدرجية لقيادة هذا الحراك الثوري، فهو بذلك يصبح أكثر قدرة على التأثير على المجتمع الدولي بما يخصّ مطالب الثورة السورية في حدها الذي نصّ عليه قرار مجلس الأمن الدولي المذكور.
إن انعطافة سياسية يمارسها الائتلاف الوطني نحو التعبير بصورة أشمل وأعمق عن الحاضنتين الشعبية والثورية، يحتاج إلى وضع برنامج عمل ملموس يزيد من التفاف هاتين الحاضنتين بممثلهما الثوري والسياسي الائتلاف، هذا البرنامج لا ينبغي أن يخرج عن معرفة القدرات الكامنة والممكن للاستثمار بها سياسياً لصالح الثورة السورية ومطالب الشعب السوري.
إن تنظيم حركة نشاط الهيئة السياسية والرئاسية في الائتلاف نحو تجمعات السوريين الكبرى في الداخل المحرر، أم في بلدان الجوار، هو عمل سيراكم بالتدريج من ارتباط القيادة السياسية للائتلاف بخطها الإصلاحي الشامل مع الحاضنتين الثورية والشعبية.
إن إعادة النظر بالنشاط الإعلامي والسياسي في الداخل المحرر من شأنه أن يصحح علاقة استمرت عشرة أعوام كان يسودها ضعف ارتباط عضوي، بين قوى الثورة وممثليها السياسيين، وهذه مهام لا ينبغي أن تُغمض قيادة الائتلاف عينيها عنها.
إن زيادة الارتباط بين الحاضنتين وممثلها السياسي الائتلاف الوطني، سينعكس بالضرورة بتراكم تدريجي على مواقف القوى الدولية المنخرطة بالصراع في سورية، مما يمنح الدول الصديقة المؤيدة لتنفيذ القرار الدولي 2254 قدرة استخدام هذه الورقة لتحقيق توازن بين أجنداتها الداخلية وبين مطالب السوريين بالخلاص من الاستبداد.
فهل سنجد قريباً استراتيجيات عمل سياسي وتنظيمي وثوري يتنطح لها الائتلاف الوطني؟ فإذا ما تمّ السير على هذه الرؤية، فهذا يعني ضرورة وضع برامج عمل فكرية وسياسية واجتماعية وثقافية تساعد على زيادة التمكين من إدارة الصراع ضد النظام وحلفه وضد المشاريع الإقليمية والروسية التي تريد أن تصل بمطالب الثورة السورية وبالانتقال السياسي على قاعدة القرارات الدولية إلى مربع إفشال التغيير السياسي في سورية.
الشمال المحرر يحتاج بالضرورة إلى وضع مقاربات حول أوضاعه الاقتصادية والاجتماعية والحقوقية، وهذه من مهام الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة بالتعاون مع الحكومة المؤقتة. فهل سيكون لدينا إحصاءات واقعية عن الوضع المعاشي والاقتصادي والأمني بما يساعد على عملية التغيير العميق في هذه المناطق؟
إن تنشيط مقر الائتلاف الوطني في إعزاز سيلعب دوراً فاعلاً بهذا الاتجاه، وهذا يعني إعادة انتاج إدارة الصراع مع النظام وحلفه بما يخدم الدفع على تنفيذ قرارات المجتمع الدولي القاضية بالانتقال السياسي في سوريية والخلاص من نظام الاستبداد الأسدي.
الأسئلة هذه تنتظر إجابات عملية فهل سيحدث ما يطمئن السوريين على أن ثورتهم ودماء شهدائهم لن ولم تذهب سدى؟
المواد المنشورة والمترجمة على الموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر مؤسسة السورية.نت