مرحلة “مظلمة” للاقتصاد السوري..النظام يواجه بـ”الاكتفاء الذاتي” وخبراء يخشون “المجاعة”
“الاعتماد على الذات” هو شعار أطلقته حكومة نظام الأسد، خلال الأسابيع الماضية، لمواجه التدهور الاقتصادي وتراجع القيمة الشرائية لليرة السورية، تزامناً مع بدء الولايات المتحدة الأمريكية بفرض عقوبات اقتصادية على النظام وشخصيات مقربة منه، بموجب قانون “قيصر”، منتصف الشهر الماضي.
ويقوم الشعار على إعادة تأهيل القطاعات الاستراتيجية في سورية ودعمها، وخاصة القطاع الزراعي، بهدف تخفيف أثر العقوبات، وتحقيق “الاكتفاء الذاتي” ما يعني الاعتماد على الإنتاج المحلي والاستغناء عن استيراد المواد، وبالتالي توفير مبالغ كبيرة من القطع الأجنبي لخزينة النظام.
ويحاول نظام الأسد منع تأزم الأوضاع الاقتصادية أكثر فأكثر وزيادة التدهور وارتفاع الأسعار في مناطقه، تخوفاً من سيناريوهين؛ إما ردة فعل من الأهالي، تحت مسمى ” ثورة الجياع” في حال استمرار تدهور المستوى المعيشي، أو اضطراره إلى تقديم تنازلات سياسية، للتخفيف من عبء العقوبات وهو ما تنص عليه شروط “قيصر”.
النظام يستعطف التجار والصناعيين
ومنذ أسابيع استنفرت حكومة النظام لمواجهة عقوبات “قيصر”، عبر التقرب من التجار والصناعيين والمزارعين، في محاولة لتذليل العقبات أمامهم، وحثهم لتخفيض أسعار منتجاتهم، عبر منحهم بعض التسهيلات، على عكس الاتهامات التي كانت توجه لهم دائمًا، من قبل وسائل إعلام النظام، بأنهم المسؤولون عن ارتفاع الأسعار.
ووصف الدكتور في الاقتصاد والباحث في معهد الشرق الأوسط في واشنطن، كرم شعار، في حديث لـ”السورية. نت”، العلاقة بين النظام والتجار والصناعيين بـ”الفريدة والغريبة”، إذ تتهم الحكومة بالتقصير ورفع الأسعار، لكن في المقابل تسعى دائماً لاستقطابهم للإنتاج أكثر، قائلاً “تهاجمهم من طرف وتطلب رضاهم من طرف آخر”.
ولا يكاد يمر يوم دون تسليط إعلام نظام الأسد الضوء على لقاءات الوزراء مع التجار والصناعيين، وآخرها كان الأربعاء 8 يوليو/ تموز، إذ التقى وزير التجارة، طلال البرازي، مع غرفة صناعة دمشق وريفها للمرة الأولى، وأكد على “تأمين المواد والسلع الغذائية والاستهلاكية في الأسواق، بأسعار تناسب أصحاب ذوي الدخل المحدود، والعمل على تذليل عقبات العمل الصناعي”، حسب موقع “الوطن أونلاين“.
كما طلب رئيس الحكومة الجديد، حسين عرنوس، من اتحاد الحرفيين تقديم قائمة بأهم الحرف المتضررة وأشكال الدعم الواجب تقديمه، لتعاود الإنتاج وتسهم بتنشيط الأسواق والتخفيف من فاتورة الاستيراد.
وبرز اهتمام حكومة الأسد بالقطاع الزراعي بشكل رئيسي، على اعتباره “الحل لتأمين صمود الشعب السوري، وشبكة الأمان له”، حسب ما وصفه وزير الزراعة في حكومة الأسد، أحمد القادري في لقاء مع قناة “العالم”، الثلاثاء الماضي.
وقال القادري إن “القطاع الزراعي هو الحل للتصدي لكل القرارات والقوانين الجائرة والحصار الاقتصادي، لأننا رفعنا شعار الاعتماد على الذات وفي الزراعة الحل”، مؤكداً أن القطاع الزراعي تضرر بشكل كبير في السنوات الماضية ووصلت خسائره إلى 16 مليار دولار.
كما اعتبر عرنوس خلال لقائه مع أعضاء الحكومة، الثلاثاء الماضي، أن “النهوض بالقطاع الزراعي أساس للأمن الغذائي والاعتماد على الذات في مواجهة التحديات”.
كل هذه التحركات والشعارات التي تطلقها حكومة الأسد، وفي ظل تردي الوضع المعيشي ومع وصول نسبة الذين يعيشون تحت خط الفقر إلى 90% بحسب احصائيات أممية، تُطرح إشارات استفهام، حول إمكانية نجاح سياسية الاعتماد على الذات وتطبيقها، خاصة بعد الخسائر الكبيرة التي عصفت بالاقتصاد السوري بمختلف قطاعاته خلال السنوات الماضية.
شعار “الاكتفاء الذاتي” غير مجدي
ويقول محللون اقتصاديون حاورهم فريق “السورية. نت”، إنه من الصعوبة بمكان، تطبيق سياسة “الاكتفاء الذاتي” في الواقع الحالي، بعد تدمير الاقتصاد وخروج مساحات زراعية واسعة من سيطرة النظام، حسب رئيس “مجموعة عمل سوريا” والمستشار الاقتصادي، الدكتور أسامة قاضي، الذي اعتبر أن هناك هامشاً بسيطاً لحكومة الأسد بالتحرك باتجاه الاكتفاء الذاتي، لكن هذا الاكتفاء يصعب تحقيقه، “ولو استطاع أن يطبقها لطبقها منذ تسع سنوات، ولم يكن الخناق والضيق الذي هو عليه الآن”.
وأوضح القاضي، في حديث لـ”السورية. نت” أن نظام الأسد بعد عشر سنوات يرفع شعار “الاكتفاء الذاتي”، وأنه يستطيع الصمود لكنه لا يستطيع ذلك لعدة أسباب.
السبب الأول، من وجهة نظر القاضي، هو “تخليه عن السلة الغذائية الأولى، التي كان يأتي منها أكثر من 50% من القمح، التي تتوزع في المناطق خارج سيطرته الآن، وهي دير الزور والحسكة والقامشلي والرقة (الخاضعة لسيطرة الإدارة الذاتية المدعومة من قبل الولايات المتحدة الأمريكية).
وتعتبر هذه المنطقة، الخاضعة لـ”الإدارة الذاتية”، الخزان الزراعي الاستراتيجي لسورية، حيث تتمركز فيها أبرز المساحات الزراعية، التي كانت تؤمن محصول القمح الاستراتيجي للدولة السورية سابقاً، إذ كانت سورية تنتج أكثر من أربعة ملايين طن من القمح قبل 2011، في حين اليوم لا يملك النظام أكثر من مليونين طن، ويحاول شراء حاجته المتبقية عبر صفقات من روسيا، في ظل عدم توفر القطع الأجنبي.
كما تحدث القاضي عن حرق الكثير من الأرياف السورية، بفعل قصف طائرات النظام وتهجير الملايين، وبالتالي خسارة اليد العاملة التي تزرع وتحصد، متسائلاً كيف “يمكنك أن تؤمن اكتفاء ذاتياً، وقد دمرت ريف دمشق وريف حلب وحماة وريف درعا وتخليت عن ثروتك وسلتك الغذائية”.
أما السبب الثالث يعود إلى خروج آبار النفط من يد النظام، وسيطرة الولايات المتحدة الأمريكية عليها، حسب القاضي الذي قال “من الصعب جداً الحديث الآن عن الاكتفاء الذاتي، خاصة وأن بيد النظام أقل من عشرة آلاف إلى 15 ألف برميل نفط يومياً، وهذا لا يكفيه حي من أحياء دمشق”.
وفي ظل هذه الأسباب، فإن “شعار الاكتفاء الذاتي لا طائل منه، وهو على غرار الحملات الرومنسية التي يقوم بها النظام، متل حملة ليرتنا عزتنا، التي لن ترفع معنويات المواطن، كونه ملَّ منها وتحولت سورية إلى طبقتين الفقراء وطبقة المعدمين”.
من جهته أكد كرم شعار، الباحث في معهد الشرق الأوسط في واشنطن، لـ”السورية.نت”، عدم إمكانية تحقيق الاكتفاء الذاتي، دون وجود مصانع وموارد للإنتاج، وفي الحالة السورية الحالية من الاستحالة تطبيق ذلك، معتبراً أن “مصطلح الاكتفاء الذاتي رنان، والشعب يحبه لكن تطبيقه صعب”، مؤكداً أنه طُبق في دول الاتحاد السوفيتي سابقاً وفشل وكانت نتائجه كارثية.
وحول دعم الزراعة، وصف شعار تحرك النظام بأنه “نفاق حكومي في دعم الزراعيين”، إذ تعلن الحكومة بأنها ستدعم المزارعين بالسماد والبذار والأسمدة، لكن في الوقت نفسه قررت دعمهم بـ 25% من تكاليف الشحن إلى دول أخرى، وهذا يعني تشجيع التصدير وانخفاض العرض في السوق الداخلي، ما سيؤدي إلى ارتفاع الأسعار، معتبراً أن هدف النظام هو الحصول على دولار من عملية التصدير، على حساب تخفيض الأسعار في السوق الداخلية.
وكانت “هيئة دعم الصادرات” أعلنت، مطلع الشهر الحالي، منح المصدرين لكل المنتجات الزراعية سورية المنشأ، نسبة دعم 25 % من أجور الشحن للمنتجات المصدرة.
المجاعة تطرق الأبواب
وإلى جانب محاولات حكومة الأسد، يبقى السؤال الذي يدور في ذهن السوريين، ما الحلول؟ وما هي سيناريوهات المرحلة المقبلة.
واستبعد أسامة القاضي وجود حلول لانتشال الاقتصاد السوري، وإنما يوجد “حلول مكياجية” و”مؤقتة”، تتمثل في استعانة النظام بحلفائه، روسيا وإيران، مشيرًا إلى أن ذلك قد يكون صعبًا أيضًا، بسبب استشعار هذه الدول باستنزافها إلى ما لا نهاية، كونه لا يوجد ضوء في آخر نفق المسألة السورية.
وأكد القاضي أن الحلول وفق شروط “قيصر”، هي عودة النازحين وإخراج المعتقلين، قائلًا إن “النظام حلّهٌ في حلّهِ”، لأن الاقتصاد مستعصي على الإصلاح، وإلا سيظل المواطن يعاني طالما النظام موجود على رأس الحكم.
أما الحلول التي تطلقها حكومة الأسد من “الاكتفاء ذاتيًا غير مجدية”، لأنه في نفس الوقت يرفع أسعار السكر والأرز في المؤسسة التجارية الحكومة، إلى 500 و600 ليرة سورية بالترتيب، بعد أن كانت تباع بـ 350 و400 ليرة سابقًا، إلى جانب انخفاض قيمة الراتب أمام الدولار، إذ لا يتجاوز راتب الموظف الحالي 30 دولارًا (55 ألف ليرة سورية).
أما كرم شعار، فقد اعتبر أن الحل لحكومة الأسد هو حصولها على دعم مالي، والذي يأتي غالبيته الكاسحة من إيران، وإيصال رسال إلى طهران بأن بقاء النظام في سورية من مصلحتها، لكن في الوقت نفسه وضع إيران الاقتصادي بنفس درجة سوء الوضع الاقتصادي لنظام الأسد.
وكان وزير الخارجية في نظام الأسد، وليد المعلم، قال في مؤتمر صحفي، يوم 23 يونيو/ حزيران الماضي، إنه “يجب تحويل هذا القانون (قيصر) إلى فرصة للنهوض باقتصادنا الوطني وتحقيق الاكتفاء الذاتي وتعميق التعاون مع الأصدقاء والحلفاء في مختلف المجالات ومعركتنا ضد الإرهاب لن تتوقف”.
وتوقع كرم شعار في المستقبل القريب إغلاق التجار والصناعيين لمعاملهم، في إشارة إلى عرض تجار دمشق لاستثمار محلاتهم في أكبر الأسواق في دمشق بأسعار مخفضة، إلى جانب احتمال انسحاب الشركات والصناعيين من السوق.
وقال شعار إن “برنامج الغذاء العالمي يتنبأ بمجاعة، والأمم المتحدة حددت نسبة الأشخاص تحت خط الفقر بنسبة 90%؛ فالوضع الاقتصادي في سورية قاتم للغاية، والسيناريو الأكثر واقعية هو المجاعة”، إضافة إلى أن النظام “مخنوق للحصول على أموال لدرجة بات يصنع مخدرات ويبيعها لأوروبا”، في إشارة إلى شحنة المخدرات التي أعلن إيطاليا عن ضبطها قادمة من سورية.
مصطلح “المجاعة” أكده المستشار الاقتصادي، أسامة القاضي، الذي توقع مرحلة مقبلة مظلمة للسوريين في مناطق نظام الأسد، وعدم قدرتهم على تأمين أبسط مقومات المعيشة بسبب رعونة الأداء الإداري والسياسي والاقتصادي، معتبراً أن المرحلة المقبلة قد نشهد انفجاراً داخل مناطق النظام، لأن المواطنين لن يصبروا على الجوع، و”لم يعد هناك شيء يخسرونه”.