تستمر معاناة المرضى السوريين المتأثرين بقرار “الوثيقة السياحية” الجديد، الصادر من إدارة معبر “جلفاكوز” التركي المقابل لـ”باب الهوى” شمالي إدلب، والذي يعرقل عملية علاجهم في المستشفيات التركيّة بعد أن حلّ بديلاً عن “بطاقة الحماية المؤقتة” (الكملك)، وسط مناشدات بالتراجع عن القرار، أو العمل بصيغة جديدة تؤمّن علاجاً مجانياً للمرضى داخل الأراضي التركية، كما كان معمولاً خلال السنوات السابقة.
وفي وقتٍ أعلن فيه مكتب “التنسيق الطبي” في معبر “باب الهوى” عن أنّ نتائج الإحالات المرضية بعد تاريخ 11 أيلول/سبتمبر الجاري، متوقفة حتى تفعيل النظام الصحي الجديد للمرضى السوريين في المستشفيات التركية، أكد المكتب أنّ الحالات الإسعافية ما زالت تعمل كالمعتاد ويتلقى المرضى العلاج اللازم لحظة وصولهم إلى المستشفيات التركية.
علاج معلّق
عبرت المريضة السورية أوصاف الطفحان قبل أقل من شهر إلى الداخل التركي، لبدء عملية علاجها من مرض “السرطان” بعد أن أمّنت عبوراً صعباً من معبر “باب الهوى”، إلا أنها صدمت بواقع القرار الجديد وما زالت عملية علاجها حتى تاريخ إعداد التقرير معلّقة بسبب عدم امتلاكها “الكملك”(بطاقة الحماية المؤقتة).
تقول أوصاف المنحدرة من “جبل شحشبو” ومهجرة إلى مخيمات شمالي إدلب لـ”السورية.نت”، إنها قد وصلت “قبل أقل من شهر إلى تركيا، حالياً أقيم مع عائلتي المقيمة منذ سنوات هنا، لكن للآن لم أبدأ عملية العلاج بسبب غياب الكملك، والصعوبات المترتبة على إستخراجه بشكل شخصي، على اعتبار أنّ القرار الجديد حَرمَنا من البطاقة”.
أوصاف، تأثرت بالقرار الجديدة ولم تحظ بـ”بطاقة حماية” كما العادة، حتى تتمكن بموجبها من الشروع الفوري بالعلاج في المستشفيات التركيّة، وتفكّر بشكل جدي بالعودة، ما لم تتوفر البطاقة قريباً.
وتفيد عائلة أوصاف أنّ عملية دخولها لم تكن بالأمر السهل، إذ استمرت محاولة دخولها والحصول على الموافقة من قبل الجانب التركي حوالي 5 أشهر، كما أنّ الأنظمة المعمول بها تحظر دخول مرافق معها، في حين تركت طفلتها الصغيرة في سورية، دون أن تتمكن من اصطحابها ما يزيد معاناتها النفسية علاوةً على الجسدية بسبب مرضها.
وينتظر حوالي 450 مريضاً تفعيل النظام الجديد في دور الاستشفاء في مدينة الريحانية التركية، حتى يتسنى لهم الشروع بعملية العلاج، قادمين من منطقة شمال غربي سورية، بحسب مكتب “التنسيق الطبي” في المعبر.
قلق بين المرضى
مجد العثمان (20 عاماً)، يعاني من قصور نموٍ في قّدمِه اليسرى أو ما يعرف بداء “بيرث”، يقول لـ”السورية.نت”، أن “لا خيار لعلاجي بحسب استشارة الأطباء سوى خيارين؛ إما حلب وهذه لا يمكن السفر إليها لأنهل خاضعة لسيطرة النظام، وإما تركيا”.
يقول نادر العثمان، والد مجد “لا يمكن بشكل قاطع أن أتحمّل نفقة علاجه على نفقتي الشخصية، وحتى لا يمكن أن أتحمل تكاليف توصيله إلى المعبر لأن الواقع المعيشي صعب جداً ولا يخفى على أحد”.
يتجهّز العثمان بقلق ـ بعد القرار الجديد ـ لإرسال ابنه المريض، بعد إنهاء ملفه في المعبر، لدخول المستشفيات التركية للعلاج، ويخشى أن تترتب تكاليف العلاج عليه.
الطفلة إيلاف العبد (8 سنوات)، من ريف مدينة حارم شمالي غربي إدلب، تعاني من تضخم في الشريان أثر ارتفاع في درجات الحرارة منذ صغرها وبدأت العلاج من حوالي سنة في المستشفيات التركيّة وأجرت عملاً جراحياً.
يقول والد الطفلة عبد الله العبد لـ”السورية.نت”، إن ابنته “بعد فترة عادت وانتكست واستمر التضخم في القلب، وأرجع الأطباء هنا السبب لخضوعها لعملية إصلاح بدل من إجراء عملية صمّام معدني”.
يعمل الآن والد الطفلة إيلاف على إدخالها عبر “باب الهوى” حتى تستكمل عملية علاجها، إلا أنّه يبدي تخوفاً من تبعات القرار الجديد فيما لو كان يشمل طفلته المريضة أم ما زالت تتمع بامتيازات فترة علاجها السابقة في المستشفيات التركيّة.
وبحال طُبقَ عليه القرار الجديد، يوضح أنّ لا خيار أمامه سوى العودة أو الاستدانة من أجل تأمين تكاليف العلاج، لأن لا مقدرة مادية لديه على تحمّل نفقة العلاج الشخصيّة.
ما هي الوثيقة الجديدة؟
وقال مدير مكتب “التنسيق الطبي” في معبر باب الهوي، الطبيب بشير الإسماعيل، في حديثٍ سابق لـ”السورية.نت”، إنّ “الجانب التركي بدءاً من 16 أغسطس/آب الماضي، أوقف إصدار بطاقة الحماية المؤقتة لصالح المرضى السوريين، والتي تسمح لهم بموجبها البدء المباشر بإجراءات العلاج في المستشفيات التركية بصورة مجانية، واستبدلها بوثيقة سياحية علاجية تملك رقماً مكوناً من خمس خانات فقط، وتحمل بيانات المريض كاملاً إلا أنها صالحة لمدة شهر واحد فقط”.
وأضاف أن “هذه الوثيقة لا تعترف عليها جميع المستشفيات التركية بكل الولايات، كما لم يصلهم تعميم حول القرار الجديد، باستثناء مستشفى (الدولة) في ولاية هاتاي، الذي سمح للمرضى بالإقامة لمدة أسبوعين فقط، ريثما يتم تفعيل قرار جديد يعيد إجراءات العلاج كما كانت عليه أو يأتي بنظام جديد، وكان ذلك حتى 15 سبتمبر/ أيلول الجاري ولم يعد يستقبل المرضى بعد هذا التاريخ”.
وأشار إلى أنّ “الوثيقة الجديدة تلزم المرضى بالعودة إلى سورية بعد مضي شهر وهذا الإجراء لا يناسب العملية العلاجية، كما أنّ الأمر يعتبر مستحيلاً بالنسبة للمرضى الذين يتعالجون في ولايات تركية بعيدة، علاوةً عن كونه مرهقاً مادياً وجسدياً للمريض”.
وبلغت أعداد الإحالات الطبية من مناطق شمال غربي سورية إلى المستشفيات التركية، حوالي 6 آلاف مريض منذ بداية العام الحالي وحتى 22 سبتمبر/ أيلول الجاري، بحسب إحصائية مكتب “التنسيق الطبي”.
وتشير إحصائية ـ اطّلع عليها موقع “السورية.نت” ـ إلى أنّ حوالي 1350 مريضاً بـ”السرطان” دخل إلى تركيا للعلاج، خلال ذات الفترة.
ويستقبل الجانب التركي الحالات المرضية الباردة بعد ترشيح عيادات المستشفيات في إدلب، منها عيادات مستشفى “باب الهوى” و”إدلب الجامعي”، إلى جانب الحالات الساخنة من القصف أو إصابات الحوادث و حالات الحروق.