يحاول نظام الأسد الهروب من جرائمه، من خلال المراهنة على حالة التقادم وإدخال شخصيات أمنية وعسكرية جديدة، بحسب ورقة بحثية نشرها باحث سوري في مركز “المجلس الأطلسي”.
وفي بداية ومنتصف كل عام، يصدر الأسد نشرة تفصيلية عن التعيينات والترقيات الجديدة في جيشه.
ويشمل ذلك معاش الضباط الذين بلغوا سن التقاعد وتعيين من يحل محلهم، كما تم ترقية بعض الضباط في الرتب.
ويشير صاحب الورقة البحثية محسن مصطفى إلى أنه وفي مطلع عام 2023 صدرت نشرة سرية وغير منشورة عن التعيينات والترقيات لـ”الجيش السوري”.
وكان لافتاً أنه من بين الثلاثين من ضباط الجيش والأمن السوريين في المناصب القيادية، هناك اثنان فقط، وهما اللواء سهيل الحسن واللواء صالح العبد الله، مدرجان على القائمة السوداء من قبل الدول الغربية.
ويشي ما سبق بوجود فجوة كبيرة في نظام العقوبات، مما يكشف أنه لا يواكب الواقع المتغير لأفراد النظام، بحسب مصطفى وهو باحث في مركز “عمران للدراسات الاستراتيجية”.
“أمثلة تؤكد الإفلات”
وعلى سبيل المثال جاء في الورقة البحثية أنه في نهاية أبريل 2022، عين الأسد اللواء علي عبد الكريم إبراهيم رئيساً للأركان العامة – وهو منصب كان شاغراً منذ بداية عام 2018.
كما عين اللواء علي محمود عباس وزيراً للدفاع، فيما لم يتم إدراج أي من الاسمين في أي قوائم عقوبات غربية.
وحتى عندما تصدر الدول الغربية عقوبات ضد الأفراد، فإنها غالباً ما تصل بعد سنوات من وقوعها.
والجدير بالذكر أن الولايات المتحدة انتظرت حتى أكتوبر/تشرين الأول 2022 لوضع قائمة سوداء بثلاثة ضباط متورطين في الهجوم الكيماوي على الغوطة الشرقية في أغسطس 2013، والذي أسفر عن مقتل حوالي 1400 شخص.
ومن المفارقات، وفق مصطفى أن هؤلاء الضباط الثلاثة قد تقاعدوا منذ عدة سنوات.
وبالإضافة إلى ذلك، استغرق الأمر عقداً من الزمان لإضافته الضابط أمجد يوسف، الذي ارتكب مذبحة التضامن في أبريل 2013، إلى قائمة العقوبات.
وتشير هذه الردود المتأخرة إلى عدم وجود دافع من جانب الولايات المتحدة وشركائها الغربيين لمعاقبة ضباط النظام بنفس الوتيرة والحماس كما كان من قبل.
لماذا تتأخر العقوبات؟
من الناحية النظرية، لا تستغرق الولايات المتحدة أكثر من أربع وعشرين ساعة لوضع أي شخص على قائمة العقوبات الخاصة بها، وفقاً لماثيو توشباند، كبير محامي عقوبات الحكومة الأمريكية السابق، الذي يعتقد أن النظام سريع.
ومع ذلك، فقد أقر كبير المحامين للباحث مصطفى “بضرورة تلبية بعض العوامل قبل اتخاذ مثل هذا الإجراء”.
ويجب أن تكون هناك إرادة سياسية لإصدار العقوبة، وأنه السلطات المختصة جمع الأدلة التي تدين الأفعال التي ارتكبها الفرد أو الكيان، بما في ذلك مطابقة روايات الشهود وأشرطة الفيديو والرسائل والمعارضين والأدلة التي جمعتها المنظمات غير الحكومية وأجهزة المخابرات.
ويشمل ذلك أيضاً جمع بيانات السيرة الذاتية الضرورية، باستخدام المعلومات العامة وسجلات الجامعة وبيانات السفر، لضمان استهداف الشخص المناسب.
كما يجب أن ينسق مكتب مراقبة الأصول الأجنبية التابع لوزارة الخزانة الأمريكية (OFAC) مع الوكالات الأمريكية الأخرى، وينطبق الشيء نفسه في حالة العقوبات الأوروبية، لاتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة.
وتعتبر عملية الحصول على المعلومات الشخصية والعامة، بالإضافة إلى أدلة الإدانة، صعبة ومحفوفة بالمخاطر، خاصة بالنسبة لأولئك الموجودين في مناطق سيطرة النظام.
وهؤلاء يتم الاتصال بهم من قبل المنظمات غير الحكومية أو منظمات المجتمع المدني أو النشطاء المهتمين بالحصول على معلومات حساسة، بشأن الهيكل العسكري والأمني للنظام.
“استراتيجيات العقوبات”
وعندما دخلت العقوبات حيز التنفيذ، ثبت أنها لا تساعد الشعب السوري كثيراً.
وتحب الولايات المتحدة إغلاق حدودها في وجه من تستهدفهم أثناء تجميد حساباتهم المصرفية، لكن معظم هؤلاء الأفراد ليس لديهم حسابات مصرفية في الداخل أو في الخارج.
وقد يفكر القليل منهم في السفر إلى لبنان القريب، ناهيك عن الولايات المتحدة.
علاوة على ذلك، من المعروف أن ضباط النظام يتلقون المال بالدولار والذهب، وليس بالليرة السورية التي فقدت قيمتها، من خلال ابتزاز المعتقلين وعائلاتهم.
وما سبق يتم عادة من خلال شبكات سرطانية مرتبطة بالعديد من الضباط، خاصة في سورية، ضمن أجهزة الأمن والقضاء العسكري.
ويرى الباحث مصطفى أن “سياسة العقوبات الحالية – مثل قانون قيصر وقانون الكبتاغون – لا تستجيب للواقع على الأرض”.
ويشمل ذلك التغييرات الشخصية التي يقوم بها الأسد.
ويقول مصطفى: “على الدول الغربية، بقيادة الولايات المتحدة، تطوير آلية جديدة لفرض عقوبات على المؤسسات السورية التي ترتكب انتهاكات لحقوق الإنسان، مما يسهل استهداف الأفراد في مرحلة لاحقة”.
ويتطلب اعتماد سياسة عقوبات أكثر فعالية الاستثمار في القوى العاملة البيروقراطية السورية، وتوسيع نطاق التواصل وتبادل المعرفة مع منظمات المجتمع المدني السورية، ومراكز توثيق الانتهاكات.
ومع ذلك، بغض النظر عن مدى فعالية وصقل العقوبات، فإنها وحدها لن تغير سلوك قادة النظام – الذين يتباهى معظمهم بالعقوبات على أنها ميداليات النصر.
وفي الوقت الحالي، لم تمنع العقوبات نظام الأسد من قصف المدارس والمستشفيات، ولم تؤد إلى حل سياسي.
في غضون ذلك، لا يزال نظام الأسد يشكل تهديداً ليس فقط للشعب السوري ولكن أيضًا على المنطقة ككل.
ويضيف مصطفى أن “تغيير سلوك نظام الأسد أمر معقد وشاق، لكنه يتطلب استراتيجية سياسية شاملة تستخدم العقوبات بطريقة دقيقة وكواحدة من عدة أدوات”.