مصافي نفط سورية..هدف إيراني قديم تجدده حاجة النظام للمحروقات
“حلم إيران الذي تحقق”، هو وصف استخدمه مسؤولون إيرانيون للتعبير عن إنشاء مصافٍ لتكرير النفط خارج البلاد، بدءاً من مصفاة “إل باليتو” في فنزويلا، التي تم إنشاؤها أواخر العام الماضي، وصولاً إلى مصفاة حمص وسط سورية، التي يجري التحضير لتوقيع عقود استثمارها مع نظام الأسد.
وبينما تؤكد التصريحات الإيرانية أن استثمار المصافي في الخارج، من أجل “تصدير مستدام للنفط”، فإن أهدافاً سياسية واقتصادية تكمن وراء خطوات إيران الاستثمارية، خاصة أنه “كان حلم البلاد منذ 44 عاماً” حسب تصريحات مدير تنسيق إصلاح المصافي البحرية في إيران، علي شاهوردي.
ويقول شاهوردي إن التحضيرات جارية لتوقيع عقود استثمار مصفاة حمص مع نظام الأسد، مؤكداً أن طهران تسعى إلى إبرام اتفاق ثان من أجل استثمار مصفاة بانياس.
وتقع مصفاة حمص على بعد 7 كيلومترات من مركز المحافظة التي تتوسط سورية، ويعود بنائها إلى عام 1959، كأول مصفاة لتكرير النفط في البلاد، بطاقة تبلغ 5.7 مليون طن سنوياً.
وتعرضت المصفاة، خلال السنوات الماضية، إلى هجمات وعدة حرائق، ما زاد من اهترائها وعدم قدرتها على الوصول إلى طاقتها الإنتاجية.
وفي تصريح لوزير النفط في حكومة الأسد، العام الماضي، فإن مصفاة حمص تكرر فقط بين 16 و30 ألف برميل يومياً من النفط الواصل من المناطق التي تسيطر عليها “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) شرق البلاد.
هدف قديم لطهران
رغبة طهران في إقامة مصفاة جديدة في سورية واهتمامها باستثمار المصافي الحالية ليس وليد الأشهر الماضية، وإنما يمتد لعقود.
وتعود جذور الاهتمام الإيراني بمصافي سورية إلى ما قبل عام 2000، حيث تم توقيع عقد استثماري مع شركة إيرانية لبناء “مرجل” في مصفاة حمص، والمصمم لتحويل الطاقة المخزنة في الوقود الأحفوري إلى طاقة حرارية، لكن العمل بهذا المشروع لم يكتمل كما كان مخططاً.
ووفقًا لما قاله مسؤول صيانة سابق في مصفاة حمص لـ”السورية.نت”، كان من المفترض تسليم “المرجل” من قبل الشركة الإيرانية عام 2006، لكن على الرغم من دفع وزارة النفط في حكومة الأسد كامل المستحقات للشركة، لم يكتمل العمل في المشروع.
في عام 2010، تعاقدت شركة “ايتوك إيران” مع حكومة الأسد على إعادة بناء وحدات التقطير الجوي والفراغي في مصفاة حمص، حسب المعلومات المنشورة على موقع الشركة.
وبسبب حاجة مصفاة حمص لعمليات صيانة مستمرة وانخفاض حجم طاقتها الإنتاجية، طرحت إيران فكرة إنشاء مصفاة جديدة في منطقة الفرقلس بريف حمص، بطاقة إنتاجية كبيرة وبعمالة وخبرات إيرانية.
وفي 2007 وُقعت اتفاقية بين حكومة الأسد وإيران وفنزويلا لبناء مصفاة في منطقة الفرقلس شرقي حمص بطاقة 140 ألف برميل يومياً.
وبعد مرور أربع سنوات على الاتفاقية، وفي نيسان/ أبريل 2011، صرح وزير النفط السابق في حكومة الأسد سفيان العلاو، أنه يجري حالياً “إعداد ما قبل التصاميم الهندسية النهائية للمشروع”.
إلا أن المشروع توقف ولم يكتمل، وبينما ترجع وسائل إعلام إيرانية السبب إلى تصاعد المعارك في سورية، خاصة وأن منطقة الفرقلس شهدت عمليات عسكرية وهجمات من قبل تنظيم “الدولة الإسلامية”، فإن معلومات حصل عليها فريق “السورية.نت” تشير لخلاف ذلك.
إذ أن “توقف المشروع لا علاقة له بالعمليات العسكرية التي كانت دائرة قبل سنوات، وإنما يعود إلى وجود لوبي قوي من قرى ريف حمص الغربي، منعوا من إنشاء المصفاة في منطقة الفرقلس، عبر التحرك في الاتحاد المهني للصناعات الكيميائية، واتحاد العمال والنقابات” حسبما قال لـ”السورية.نت”، مسؤول صيانة سابق في مصفاة حمص.
واستمر الحديث، خلال السنوات الماضية، عن بناء المصفاة الجديدة على لسان مسؤولين إيرانيين دون وجود جدول زمني واضح لتنفيذها.
وفي أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، صرح جليل سالاري، الرئيس التنفيذي للشركة الوطنية الإيرانية لتكرير وتوزيع المنتجات النفطية إنه “تم التوقيع على مذكرة تفاهم ثلاثية بين إيران وفنزويلا وسورية لبناء مصفاة جديدة”.
وأضاف، حسب وكالة “مهر” الإيرانية، أن الدول الثلاث ستدخل قريباً مرحلة تمويل وبناء المصفاة، مشيراً إلى أن “سورية والدول المجاورة لها بحاجة إلى المنتجات النفطية. ولذلك تم تحديد مصفاة بطاقة 140 ألف برميل بجانب المصفاتين الموجودتين في حمص وبانياس في سورية”.
أهداف إيرانية
تعتبر إيران الاستثمار في مصافٍ نفطية خارج البلاد “حلم” حسب ما وصفه رئيس لجنة الطاقة في مجلس الشورى الإيراني فريدون حسنوند، الذي قال عقب توقيع عقد مع فنزويلا العام الماضي، إن “الحلم القديم المتمثل في إنشاء مصفاة خارج الحدود أصبح حقيقة”.
ومنذ وصول الرئيس الإيراني، إبراهيم رئيسي، إلى الحكم قبل عامين، ركزت الحكومة في استراتيجيتها على زيادة صادرات النفط رغم العقوبات، عبر خطة تشمل تطوير وتأهيل مصافي النفط خارج حدودها.
وتعود محاولات طهران لبناء المصافي إلى اعتباره جزء من تطلعاتها لـ “تحقيق استقلالية أكبر في مجال الطاقة، وتحسين القيمة المضافة لقطاع النفط والغاز”، حسب المختص في مجال النفط والغاز، المهندس نصر أبو نبوت.
إضافة إلى “إبعاد لعملية المراقبة على جزء من الدخل القومي لإيران والتي تعاني من الكثير من القيود والعقوبات الاقتصادية من قبل المجتمع الدولي، كما يمكن أن يفيد البلاد عبر تنويع مصادر إيراداتها وتقديم فرص اقتصادية”.
وفي نفس السياق، يرجع عميد كلية الاقتصاد وإدارة الأعمال وكلية التربية في الجامعة الأمريكية للعلوم الإنسانية، الدكتور سهيل الحمدان، استثمار إيران للمصافي بالخارج إلى عدة أسباب.
ويقول الحمدان لـ”السورية.نت”، إن إيران “تستخدم الاستثمارات الخارجية كوسيلة لغسيل الأموال، وتختار الدول الفاسدة مثل فنزويلا وسورية لهذا الغرض بسبب نقص الرقابة المالية والفساد المتفشي فيها”.
أما السبب الثاني يعود إلى محاولتها الالتفاف على العقوبات المفروضة عليها، كما أن إيران تسعى لتعزيز استثماراتها في مجال النفط والمشتقات النفطية، مستغلة الطاقة الفائضة في مصافي هذه الدول والفساد المالي فيها لتحقيق مكاسب اقتصادية وتجنب العقوبات الدولية”.
وحسب وكالة “مهر” الإيرانية فإن “الاستثمار وبناء المصافي في دول أخرى هو أحد طرق تجاوز العقوبات، لأنه يتم تكرير النفط في المصافي ومن ثم بيع المنتج، وبهذه الطريقة يمكن اعتبار المنتجات البترولية منتجات غير خاضعة للعقوبات”.
من جانبه قال شاهوردي، الأسبوع الماضي، أن “هذه المصافي تقع في دول تتفق مع سياسات إيران، وبالإضافة إلى بيع النفط الخام، يؤدي التواجد في المصافي في الخارج إلى تصدير الخدمات الفنية والهندسية الإيرانية”.
كما أنه من خلال “إصلاح المصافي الأجنبية واستعادة طاقتها، تبيع إيران معداتها ومن ثم نفطها إلى ذلك البلد، وثم تتقاسم إيران أيضاً أرباح تكرير النفط إذا تم استيفاء الشروط”.
ويقول الخبير أبو نبوت أن استثمار إيران للمصافي في سورية، “يمكن أن يكون ذلك ذو أثر له علاقة بزيادة النفوذ الإيراني في سورية، من منطلق التعاون الاقتصادي وأثره الإيجابي على العلاقات بين البلدين”.
هل تنفرج أزمة المحروقات؟
وتعتمد حكومة الأسد منذ سنوات على التوريدات النفطية التي تأتي من إيران، وذلك بعد فقدانه السيطرة على آبار النفط في شرقي سورية الخاضعة لسيطرة “قوات سورية الديمقراطية” المدعومة أمريكياً.
واعتمدت حكومة الأسد على القروض من قبل طهران تحت ما يسمى “خطوط ائتمانية” لتوريد النفط بقيمة 5.6 مليار دولار بين عامي 2013 و2017.
وخلال زيارة بشار الأسد إلى إيران، في مايو/ أيار العام الماضي، جرى الحديث بصورة مركّزة عن توقيعه على “مرحلة جديدة” من الخط الائتماني الإيراني- السوري، تشمل تزويد سورية بمواد الطاقة والمواد الأساسية الأخرى لسد النقص الحاصل في تلك المواد.
وفي ظل عدم وجود تفاصيل عن الخط الجديد، شهدت مناطق النظام قبل أشهر أزمة محروقات خانقة، أرجعتها الحكومة إلى تأخر البواخر النفطية.
وتحتاج مناطق النظام يومياً إلى 100 ألف برميل من النفط الخام لسد الاحتياجات، حسب تصريحات سابقة لـ مدير شركة المحروقات “سادكوب”، مصطفى حصوية، في 2019، متوفر منها فقط 20 إلى 24 ألف برميل، في حين يتم استيراد الباقي.
وكانت حكومة الأسد أعلنت في أغسطس/ آب الماضي، رفع أسعار المازوت والبنزين “المدعوم والحر”، إذ تم توحيد سعر بنزين أوكتان 90 المدعوم والحر ليبلغ 8 آلاف ليرة لليتر الواحد.
في حين تم رفع سعر البنزين أوكتان 95 من 10 آلاف ليرة إلى 13500 ليرة، وشملت الزيادة رفع سعر المازوت المدعوم للمستهلك ليصبح 2000 ليرة للتر الواحد.
وحول الأرقام السابقة تدور تساؤلات حول إمكانية حصول إنفراجة في أزمة المحروقات بمناطق النظام.
ويمكن أن يساهم تكرير نفط إيران في سورية في توفير المحروقات للسوق المحلية، إضافة إلى “تزويد ودعم وتمويل الميليشيات الإيرانية في سورية، حسب أبو نبوت.
من جانبه اعتبر الحمدان أن النظام لم يعد يملك العملية الأجنبية لشراء المحروقات، متوقعاً اللجوء إلى “المقايضة” مع المستثمر الإيراني، وإعطاء حكومة الأسد جزء من المشتقات النفطية كبديل عن نسبة الربح المتفق عليها، وتصدير الباقي إلى دول أخرى.
من جانبه يرى الباحث الإيراني المختص بالشأن السورية، صمد محمدي، أن إصلاح المصافي سيؤدي إلى “تلبية حاجة سورية من الوقود إلى حد مقبول، إضافة إلى إمكانية توفير الوقود لدول أخرى ذات توجهات مقاومة مثل لبنان”.