منذ تمرد “طباخ بوتين” على وزارة الدفاع الروسية وقيادتها الحرب في أوكرانيا، تقع أحداث غامضة في رتب العسكريين الروس الرفيعة. آخر هذه الأحداث كان الإعلان الرسمي في 16 الجاري عن موت “بعد معاناة طويلة مع المرض” للقائد السابق للقوات الروسية في أوكرانيا غينادي جيدكو وللقائد السابق لدائرة الأمن الإتحادية في القفقاز غينادي لابيروف. وصيغة “بعد معاناة طويلة…” الرسمية، كما الإنتحار بالقفز من الطوابق العليا، تثير الشكوك حولها لاستخدامها غير مرة في التغطية على قرار بالتصفية.
اللافت أن نبأ وفاة لجنرالين في يوم واحد (16 الجاري) لم تعلن عنه لا وزارة الدفاع ولا دائرة الأمن الإتحادية. فالجنرال جيدكو أعلن عن وفاته حاكم منطقة خاباروفسك في سيبيريا، والجنرال لابيروف ــــ رئيس لجنة الرقابة الإجتماعية في منطقة ريزانسك وسط روسيا، حيث كان يقضي حكماً بالسجن بتهمة الفساد وتلقي الرشاوى.
حسب موقع الخدمة الروسية في “الحرة” الأميركية الجنرال غينادي جيدكو (57 عاماً) عانى سابقا من مرض شديد. لكن إبنه أعلن عشية إعلان الوفاة أن والده كان بصحة جيدة ولم يشكو من أي تدهور في صحته. وسبق أن شغل جيدكو موقع قائد أركان القوات الروسية في سوريا ومنح وسام “بطل روسيا” على خدمته هناك . كما شغل موقع نائب وزير الدفاع الروسي، وتولى مرتين قيادة المنطقة العسكرية الشرقية. وفي ربيع السنة الماضية ظهرت أنباء عن تعيينه قائداً للقوات الروسية في أوكرانيا بدلاً من الجنرال الآخر صاحب “الخبرة السورية” أيضاً ألكسندر دفورنيكوف. لكن السلطات الرسمية لم تؤكد هذه الأنباء حينها لأنها لم تكن تعلن في بداية حربها على أوكرانيا أسماء قادة قواتها هناك.
وأشار الموقع إلى أن الجنرال جيدكو فرضت عليه عقوبات من قبل أوكرانيا، الولايات المتحدة، الإتحاد الأوروبي وعدد من البلدان الأخرى.
جنرال الأمن السابق غينادي لابيروف وافته المنية وهو يقضي حكماً بالسجن لمدة 10 سنوات في منطقة ربزان وسط روسية، تنفيذاً لحكم صادر في العام 2017. وكان ينتظر إطلاق سراحه بناء لعفو مشروط حين داهمه تدهور صحته في المعتقل، حسب سردية مجمع الإعلام الروسي rbc في 16 الجاري. والجنرال كان يشرف على بناء “قصر بوتين” في سوتشي على ساحل البحر الأسود في القفقاز. وسجن بتهمة تلقي رشاوى بقيمة حوالي 6 ملايين روبل اثناء تنفيذ المشروع، وحيازة غير مشروعة لحوالي 100 طلقة نارية. ووفق ما نقله الموقع عن محامي روسي تحدث عن تفاصيل محاكمة الجنرال العام 2017، تبرز بشدة شبهة فبركة القضية ضده من أساسها، حيث أثبت محامو الدفاع عن الجنرال بأن الوثائق التي تثبت تلقي الرشاوى تحمل توقيع نائبه الذي توفي قبل عام من المحاكمة، وليس توقيعه.
قبل النبأ المفاجئ عن وفاة الجنرالين الغامضة، كانت قد انفجرت أواخر الشهر المنصرم قضية إعتقال “وزير الدفاع” السابق في “جمهورية الدونباس” المعلنة ذاتيا إيغور ستريلكوف بتهمة التحريض على التطرف عبر الإنترنت. وستريلكوف هذا معروف بإعلان تمرد الدونباس على سلطات كييف العام 2014 وإطلاق الحرب الروسية على أوكرانيا. ومعروف عنه بأنه متهم من قبل المحكمة الجنائية الدولية بقضية إسقاط الطائرة الماليزية العام 2017 وصدور مذكرة إعتقال دولية بحقه.
وكما يفغيني بريغوجين، تشير مواقع الإعلام الروسية والعالمية إلى أن ستريلكوف كان ينتقد يشدة قيادة القوات الروسية على إدارتها للحرب ضد أوكرانيا. فقد نشرت صحيفة MK الروسية المخضرمة في 21 المنصرم نصاً بعنوان “كان ينتقد بطريقة حتى العدو كان يقتبس منه”: المحكمة أرسلت إيغور ستريلكوف إلى المعتقل”. قالت الصحيفة بأن قضية ستريلكوف الجنائية بدأت في حزيران /يونيو على أساس منشورين على شبكات التواصل الإجتماعي، ورد في أحدهما تعبير “الإعدام قليل على هذا”. ووجهت المحكمة إليه تهمة بموجب مواد قانونية تصل عقوبة السجن التي تنص عليها حتى خمس سنوات.
أمرت المحكمة بإبقائه قيد الإعتقال حتى 18 أيلول/سبتمبر القادم. لكن ستريلكوف إستند إلى كونه ضابط مخابرات روسية وطالب بالإقامة الجبرية بدلاً من السجن. غير أن محققي وكالة الأمن الروسية FSB تخوفوا من إمكانية تواريه عن الأنظار بسهولة كضابط متمرس في الوكالة بعمليات البحث عن المطلوبين.
نقلت الصحيفة عن الخبير العسكري الروسي النقيب المتقاعد فاسيلي دانديكين قوله بأن ستريلكوف ذهب في انتقاده بعيدًا جدًا، ومن أجل الطموحات الشخصية لعب لصالح العدو بمقاطع الفيديو والمنشورات الإنهزامية التي كان ينشرها على الشبكة. ورأى أنه “يجب أن نعرف كيف ننتقد” حين يكون البلد منهمكاً في الكفاح من أجل مستقبله. وقال أنه كان بوسع ستريلكوف توجيه رسالة، ومثل هذه الرسائل كان يوجهها مواطنون إلى ستالين خلال “الحرب الوطنية العظمى” (العالمية الثانية). وكانت الرسائل تصل، ويستدعى كتابها إلى الكرملين، وكان يتم الأخذ بأفكارهم. وقال بضرورة النقد، “لكن لا أن ننشر في الإعلام ما يرتد ضد جماعتنا في نهاية المطاف”.
مصير الجترال الروسي الآخر الغارقة يداه بالدم السوري والمعروف ب”جزار حلب” سيرغي سورافيكين لا يزال أحجية حقيقية منذ فشل تمرد زعيم مرتزقة “فاغنر” يفغيني بريغوجين أواخر حزيران/يونيو الماضي.
الموقع الإخباري الروسي GULKEVICHI اذي يصدر في منطقة كراسنودار جنوب روسيا نشر في 11 الجاري نصاً بعنوان “”توقف عن الخدمة؟”: أين اختفى الجنرال سورافيكين بعد تمرد بريغوجين، أين هو ولماذا يصمت في عام 2023″. استهلت الكاتبة مارينا أنيغينا نصها بطرح عدد من الأسئلة، من بينها “أين سيرغي سورافيكين الآن ـــــ هل صحيح انه في السجن”.
نقلت الكاتبة عن الإعلام الغربي، ومن دون أن تحدد أي إعلام تقصد، قوله بأن سورافيكين الذي اعتقل بعد “الإنتفاضة التي نظمها زعيم “فاغنر” يفغيني بريغوجين” غيروا ظروف إعتقاله في السجن. حتى الآن أسرة الجنرال لا تعلق على الوضع، إلا أنه من المعروف أن شكل عزلته قد تبدل ونقل إلى مسكن، لكن حظر عليه كلياً التواصل مع أحد. كما أصبح معروفاً أيضاً بأن الجنرال نُصح بالإلتزام بالصمت المطبق، على أمل أن ينسى قضيته “من هو فوق”. كما تنقل عن مصدر للموقع لا تفصح عن هويته قوله بإن إحتمال عودته إلى موقعه “ضئيل للغاية”، وعلى الأغلب ينتظره النفي.
تشير الكاتبة إلى شريط الفيديو الذي توجه به سورافيكين إلى مرتزقة “فاغنر” بأن يتوقفوا عما يقومون به ( المسيرة المسلحة نحو موسكو). وتنقل عن The New York Times قولها بأن الجنرال قد تكون لديه معلومات عن إنتفاضة يخطط لها في روسيا!!! ومنذ ذلك الحين لا يظهر سورافيكين على الملأ، وتحدث الإعلام الروسي عن إحتمال إعتقاله.
تنقل الكاتبة أيضاً عن The Wall Street Journal قولها بأن عسكريين رفيعي المستوى، ومن بينهم سيرغي سورافيكين، تم توقيفهم بعد ساعات من بدء التمرد. وحسب معطيات المطبوعة الأميركية يجري إستجواب سورافيكين، لكن لم توجه إليه تهم حتى الآن.
بين الإستجمام الذي قالوا به في مجلس النواب الروسي (الدوما) والسجن الذي تقول به مواقع إعلام مختلفة، يبقى الغموض يلف مصير الجنرال سيرغي سورافيكين، كما سواه من الجنرالات الروس الذي ولغوا في الدم السوري ويستمرون، ويلغون الآن في الدم الاوكراني.
المواد المنشورة والمترجمة على الموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر مؤسسة السورية.نت