مطار حلب: النظام حَثَّ الخطى لتفعيله وحلفاؤهُ يسعونَ لاستثماره
بعد إعلان نظام الأسد، سيطرته على كامل مدينة حلب، منتصف فبراير/شباط الماضي، بدأ مباشرةً حَثَّ الخطى، لإعادة تفعيل مطار حلب الدولي، بعد ثمانِ سنوات من توقفه عن العمل، ما فتح باباً للتساؤلات، حول الأهداف التي تقف وراء الإسراع في اعادة تشغيل المطار، رغم عدم جهوزيته التامة، وهل سيشهد صراعاً للاستحواذ عليه، من قِبل حلفاء النظام، كما حصل مع باقي مقدرات سورية؟.
ووصلت أول رحلة جوية مدنية، إلى مطار حلب الدولي، قادمةً من دمشق في التاسع عشر من فبراير/شباط المُنتهي، إذ أعلن وزير النقل في حكومة الأسد، علي حمود، حينها، عن خطة لتسيّير رحلات جوية من مطار حلب إلى القاهرة، مطلع مارس/آذار المقبل، مشيراً الى أنه سيكون هناك رحلات متبادلة مع دول أخرى عديدة دون أن يذكر اسمها.
نظام الأسد يُروج لتفعيلِ مطار حلب..قيادي “بعثي” أول المسافرين
ومضى نظام الأسد، في خطوة تفعيل المطار المذكور، بعد تمكن قواته، من السيطرة على كامل الطريق الدولي حلب – دمشق، الذي يُعرف باسم “إم 5″، حيث وصلت لمدينة حلب من الجهة الجنوبية الغربية، وسيطرت على جميع المناطق في محيط المطار، الذي بقي لسنوات يستخدم لأغراضٍ عسكرية فقط، وتحديداً من قِبل الميليشيات الإيرانية.
أهداف معلنة
وقال المحلل الاقتصادي فراس شعبو، إنه و”منذ سيطرة النظام على معظم مدينة حلب نهاية 2016، قام حينها بإعادة ترميم المطار بشكلٍ جزئي، لكنه لم يُستخدم للأغراض المدنية وكان يُستخدم لأغراضٍ عسكرية فقط، ومع سيطرة الأسد مؤخراً على كامل حلب، أعلن فوراً عن اعادة فتح المطار كنوعٍ من النصر السياسي، وليُظهر للعالم أنه أعاد الحياة الطبيعية لحلب، كي يجذب رؤوس أموال ضخمة إليها، ما يساهم بإعادة حلب إلى مكانتها السابقة كعاصمة اقتصادية لسورية”.
وأضاف شعبو لـ”السورية.نت”، أن “السؤال الأهم هل سيكون هناك شركات ستأتي الى حلب وتقوم باستثمارات ومشاريع؟، وهل سيكون هناك اتفاقيات مع شركات طيران دولية لتنظيم رحلات الى مطار حلب؟، لا سيما مع تلويح أميركا بفرض عقوبات على كل من يتعاون مع النظام، ولاسيما في ضوء إقرار قانون قيصر واقتراب دخوله حيز التنفيذ”.
وذكر مصدر خاص في حلب لـ”السورية.نت”، فضّل عدم ذكر اسمه أن “الأسد أفتتح المطار رغم عدم جهوزيته التامة، حيث أن صالات استقبال المسافرين والزوار ومدرجات المطار مازالت بحاجة لأعمال ترميم، ما يؤكد أن غرض افتتاح المطار دعائي فقط، حيث كان يُستعمل سابقاً على نطاق ضيّق لنقل شخصيات عسكرية ايرانية وبعض المعدات والأسلحة، ومن المرجح أن تستفيد منه ايران أكثر حالياً لتدعيم نفوذها العسكري في حلب”.
و يرى الباحث في الِشأن الاقتصادي يونس الكريم، أن “هناك عدة أهداف من فتح المطار، الأول إرسال رسائل طمأنة الى الحاضنة الشعبية الموالية، بأن سوء الأوضاع المعيشية هي حالة مؤقتة وأن الوضع الاقتصادي سيتحسن لاحقاً، وبالتالي فإن تشغيل المطار أهم دليل على إحكام السيطرة على كامل حلب ومحيطها، ولاسيما أن الموالين بدأوا يتذمرون مع تدهور سعر صرف الليرة وارتفاع الأسعار وتدني مستوى المعيشة”.
ولفت الكريم الى أن “اعادة تفعيل مطار حلب، هو أيضاً رسالة طمأنة الى الأطراف الدولية، وتجار حلب المغتربين، بأن الأسد سيطر على كامل حلب وفتح المطار، وأن فصائل المعارضة باتت بعيدة عن حلب ولم تعد قادرة على تشكيل خطر عليها، وبالتالي يمكن لأي شركة دولية وللمستثمرين والتجار المحليين المغتربين، القدوم لسوريا لفتح استثمارات والمشاركة بإعادة اعمار حلب”.
وتابع قائلاً: “الهدف من فتح المطار كذلك محاولة اختصار المسافات وتقليل كلفة التنقل بين المحافظات، وبالتالي حصول النظام على أموال من خلال تنظيم رحلات داخلية للمدنيين، حيث باتت تعرفة الركوب من حلب الى دمشق 40 ألف ليرة سورية بعد أن كانت 2500 ليرة قبل توقف المطار، وهذا يرفد خزينة الدولة بإيرادات ضخمة، كما يحصل حالياً من خلال الرحلات بين مطار القامشلي ودمشق”.
صراعٌ بين الحلفاء؟
وأضاف يونس، أن تفعيل المطار “بنفس الوقت، فيه رسائل من دمشق لواشنطن بأن الحياة عادت لطبيعتها، وبالتالي فرض الأخيرة عقوبات اقتصادية وفق قانون قيصر، هو بمثابة حرب على الشعب السوري وليس على النظام”.
واشنطن: فتح النظام لمطار حلب “وقاحة”.. دور إيراني خفي في المطار
من جهةٍ أخرى قال المحلل الاقتصادي محمد بكور: إن “الأسد يعاني من العقوبات الاقتصادية الكبيرة وفرار تجار حلب للخارج، وبالتالي يصعب عليه إعادة تأهيل مطار حلب لوحده، وبالتالي سيعرضه على الاستثمار، وفي حال تم الاتفاق على الحل السياسي، فإن المطار سيكون من أهم المنصات لإعادة الإعمار، التي قد تطال المنطقة الشمالية والوسطى وأجزاء من الشرقية”.
بدوره يرى يونس الكريم أن “مطار حلب سيشهد صراعاً دولياً للاستحواذ عليه، حيث تحاول ايران السيطرة على المطار، كونه يساعدها في بسط نفوذها على كامل حلب، وبنفس الوقت لأهمية قربه من الطرق الدولية (إم 4 و إم 5)، كما أن طهران بعد أن خسرت مياه المتوسط لصالح موسكو، تسعى للسيطرة على مطار حلب وتلك الطرق، وبالتالي تهديد مصالح روسيا التي تسيطر على مينائي طرطوس واللاذقية، كون هذين المينائين ليس لهما أي فائدة دون السيطرة على تلك الطرق البرية والجوية”.
وأوضح الكريم أن “روسيا تريد بدورها السيطرة على المطار لتقول إن حلب أصبحت تحت سيطرتها الى جانب الطرق الدولية، وبالتالي الاستفادة كلياً من طريقي (إم 4- إم 5) لتشغيل الموانئ البحرية التي تسيطر عليها، كما أن سيطرتها على حلب ومطارها، يُجبر من يرغب بالاستثمار بالحصول على موافقتها، كونه سيضطر لاستعمال المطار حصراً، لتخفيف نفقات إعادة الاعمار، في ظل البنية التحتية السيئة للطرق الدولية، فضلاً عن كثرة الحواجز التي تتلقى الاتاوات، وبالتالي سيطرة الروس على المطار هو الحل الأفضل لجنيها الربح من اعادة الاعمار”.
وفي ظل تعدد الأطراف المتصارعة للاستحواذ على مطار حلب، يبقى السؤال الأهم لمن ستكون الغلبة؟، وفي هذا الإطار قال فراس شعبو: إن “الأسد لم يُحقق أي مكاسب اقتصاديةً حالياً من المطار، وقد يشهد المطار صراعاً روسياً ايرانياً للسيطرة عليه، فموسكو تريد المطار كونه قريب من الحدود السورية التركية، وبالتالي تسعى لتدعيم نفوذها في الشمال السورية بشكل قوي، بما يشبه قاعدة حميميم في الساحل”.
وتابع شعبو قائلاً: “في المقابل ستسعى طهران للضغط على الأسد لكسب المطار، بسبب تواجد كبير لميليشيات ايرانية في حلب وريفها، وعلى رأسها ميليشيا فيلق القدس، لكن الغلبة في النهاية ستكون على الأرجح لروسيا”، لافتاً الى أنه “إذا تم إعادة تفعيل حلب اقتصادياً بشكل تام من خلال المعامل والصناعات والتجارة، فإن من يسيطر على المطار سيجني مكاسباً ماليةً كبيرة”.
لكن يونس الكريم، يرى أنه “لا يمكن التكهّن من سيسيطر على المطار، حيث تمتلك روسيا الجو، وهناك أيضاً ميليشيات موالية لها على الأرض، وفي المقابل توجد ميليشيات كثيرة تابعة لإيران في حلب”.
وخرج مطار حلب الدولي عن الخدمة في يناير/كانون الثاني 2013، بعد معارك بين الفصائل السورية وقوات النظام.
ورغم أنّ المطار، الذي يبعد عن وسط حلب، نحو عشرة كيلومترات، بقي خارج سيطرة الفصائل، إلا أنه خرج من الخدمة بسبب خطورة المكان، وهو ثاني أهم المطارات المدنية في سورية بعد مطار دمشق الدولي.