ما عادت سرّاً الاستعدادات الإيرانية لشن هجوم على القوات الأميركية، فالسكان المحليون بدأوا بالنزوح من قرى وبلدات عديدة على خلفية مشاهدتهم حشد المقاتلين والأسلحة من الطرفين، والحديث يدور حول زج مقاتلين من المليشيات الإيرانية في محورَين: الأول في البلدات على ضفة نهر الفرات الغربية مقابل حقل العمر النفطي ومعمل غاز كونيكو على الضفة الأخرى، حيث تتمركز القوات الأميركية. والثاني هو محور البلدات في شرق الفرات، والتي تسيطر عليها إيران، بدءاً من بلدة حطلة، مروراً بمراط، ووصولاً إلى خشام القريبة جداً من معمل كونيكو.
ومن الواضح أن الخطة الإيرانية هي شن هجوم صاروخي ومدفعي بعيد من وراء النهر، فيما تحاول قواتها التقدم على الأرض، على امتداد الضفة الأخرى من النهر. وفي المقابل، لم تتوقف القوات الأميركية عن دفع المزيد من العتاد والمقاتلين في المنطقة، أما طيرانها فلا يفارق الأجواء لحظة واحدة منذ ما لا يقل عن أسبوعين.
إن التحشيد المتبادل وفوضى المشهد، يجعلان من الصعب معرفة مَن الذي يستعد للهجوم على الآخر، لكن السياق الجيوسياسي، ونوعية التحركات، يؤكدان أن المبادرة إيرانية، فيما يقبع الأميركيون في موقع ردّ الفعل. فالحرس الثوري يهيئ الميدان منذ سنوات لهذه المعركة التي ستسيطر من خلالها إيران على ضفتي نهر الفرات لإنهاء اختناق الطريق البري الى المتوسط في هذه المنطقة المناوئة لها بشدة.
كما ترغب طهران في إيصال رسالة واستعراض قوتها في الشرق الأوسط، من خلال تحدي ومنازلة القوات الأميركية، وهو ما سيكبدها خسائر بشرية كبيرة على نحو محقق، إلا أنها لن تكون هزيمة المشروع الامبراطوري بل سيتم تعزيزه ولفت النظر إلى عمقه واتساعه، خصوصاً فيما إذا توسعت المواجهة لتشمل مناطق أخرى من التي تسيطر عليها ايران أو تمتلك نفوذاً فيها، وهي تمتد من خليج عدن إلى الخليج العربي والعراق وسوريا ولبنان. وخسارتها لبضعة مئات من المقاتلين في شرق سوريا، أو حتى الآلاف، لن يكون ذا أهمية في مقابل المكاسب السياسية التي ستحصدها، لا سيما أن هؤلاء في غالبيتهم العظمى ليسوا مواطنين إيرانيين، بل قوة متعددة الجنسيات تضم الأفغان والباكستانيين والعراقيين واللبنانيين والسوريين وغيرهم.
أما عن موقف وأدوار القوى الأخرى الموجودة في المنطقة، فهي أيضاً متأثرة بالمبادرة الإيرانية، وليست قائمة على مشروع أو توجّه مدروس. فقوات نظام الأسد مثلاً، تحاول مجاراة الحرس الثوري، وأن يكون لها دور في معركة “التحرير” هذه، وقد أدت محاولاتها المتخبطة لحجز مكان، إلى مزاحمة الحرس الثوري الإيراني والمواجهة معه، إلى درجة إشهار السلاح على بعضهما البعض مطلع هذا الأسبوع في بلدة مراط عندما حاولت المليشيات الإيرانية انتزاع موقع متقدم من قوات النظام لتتمركز فيه. فيما يحاول الجانب الروسي، الضعيف والخائف من الاستهداف الأميركي، الحفاظ على مواقعه، خصوصاً بعد تفكيك قوات “فاغنر” في المنطقة.
وتبدو قوات سوريا الديموقراطية، مرتبكة، إذ تنقسم قيادتها إلى تيارين، أحدهما يرفض المواجهة مع إيران، وربما لديه مشروع للتفاهم معها في حال أصبحت القوة المهيمنة في المنطقة، وتيار يستمع للتعليمات الأميركية ويحاول أن يحافظ على تحالفه معها.
أما السكان المحليون من القبائل العربية، فيبدو أن المليشيات الإيرانية حققت اختراقًا كبيراً في صفوفهم، سواء في شرق الفرات أو غربه، حيث ستدفع بقوة عشائرية إلى مقدمة الهجوم لنِسبته إلى هذه القبائل والتنصل من تبعاته الأولية. بينما ستعمد خلاياها النائمة، والتي يبدو أنها أصبحت كثيرة جداً، إلى ضرب الأميركيين من الخلف وفي العمق، وربما تستخدم خلايا “داعش” المتبقية في هجمات من هذا النوع. وهذا الموقف السلبي من جهة العشائر نحو الأميركيين هو ناتج سياستهم التي تعاملوا بها مع السكان المحليين العرب، والذين هُمّشوا بشدة لصالح العناصر الكردية.
من جوانبها العسكرية تبدو ملامح العملية الإيرانية المرتقبة شبيهة بمعركة خشام في شباط 2018، عندما حاول مرتزقة “فاغنر” احتلال حقل كونيكو، وقد يكون الرد الأميركي شبيهاً بما حدث في تلك السنة عندما أباد القوات المهاجمة. لكن النتائج الاستراتيجية ستكون مختلفة هذه المرة، فالجانب الإيراني هنا يركز على احتلال أراض وايقاع خسائر بشرية في صفوف القوات الأميركية، وإحداث ضجيج دولي عبر استنفار مليشياتها في كامل إقليم الشرق الأوسط. وهدف العملية هو عرض عضلات استراتيجي، لإرهاب الأطراف الأقل قوة من الولايات المتحدة وإسرائيل، وتعزيز صورة إيران كمنتصر إقليمي في نهاية هذا الشوط من الصراع الذي امتد من لحظة سقوط بغداد العام 2003 إلى يومنا هذا.
المواد المنشورة والمترجمة على الموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر مؤسسة السورية.نت