هيّمن مسار “بناء الحوار” بين أنقرة ونظام الأسد على مشهد السياسة التركية المتعلقة بسورية خلال العام 2023، دون أن يلغي الاستراتيجية العسكرية التي تواصل تركيا المضي فيها، منذ سنوات.
ومع قرب الدخول بـ2024 تثار تساؤلات بشأن نقطتين.
الأولى تتعلق بمستقبل عملية “بناء الحوار”، وترتبط الثانية بشأن ما إذا كانت تركيا ستنفذ عملية عسكرية كما تهدد دائماً أم تظل ضمن الوضع الراهن، منذ عملية “درع الربيع” في 2020.
هل العملية العسكرية ممكنة؟
الباحث التركي، كوتلوهان غوروجو كتب مقالاً تحليلاً على صحيفة “صباح” المقربة من الحكومة، سلّط فيه الضوء على طريقة التعاطي العسكرية لتركيا في سورية، منذ عملية “درع الربيع”.
ويقول إنها اعتمد على الضربات الجوية كبديل للعملية البرية الشاملة.
ومن الجو استهدفت رؤوس “وحدات حماية الشعب” و”حزب العمال الكردستاني” والنقاط العسكرية وبعض الأهداف الحيوية.
غوروجو يوضح أن أي عملية برية محتملة ضد جميع المناطق في شمال سورية باستثناء تل رفعت تواجه من خلالها تركيا “خطر التعرض لعقوبات من الولايات المتحدة الأمريكية”.
ومن ناحية أخرى، ترى روسيا أن تل رفعت مهمة لأمن حلب.
كما يشير الباحث إلى إيران وأنها “قاومت قضية تل رفعت وهي تقف إلى جانب حزب العمال الكردستاني ووحدات حماية الشعب في المنطقة إلى جانب عناصر الميليشيات التابعة لها”.
ولكل هذه الأسباب “ينطوي إطلاق تركيا لعملية عسكرية جديدة في سورية على العديد من التوازنات الظرفية”، وفق غوروجو.
وبالإضافة إلى ذلك، ونظراً للمخاطر الاقتصادية واحتمال إعادة انتخاب دونالد ترامب في عام 2024، قد يُنظر إلى احتمال توصل تركيا إلى اتفاق جديد مع الولايات المتحدة الأمريكية على أنه أكثر ترجيحاً مما هو عليه اليوم.
الباحث يلفت الانتباه إلى تمرد العشائر العربية على “وحدات حماية الشعب” (العماد العسكري لقوات سوريا الديمقراطية” في محافظة دير الزور، قبل أشهر.
ويقول إن “نظام الأقلية الذي يريد حزب العمال الكردستاني/وحدات حماية الشعب تأسيسه في شمال وشرق سورية دق ناقوس الخطر” إثر ذلك، وشمل ذلك مدينة منبج.
وبالنظر إلى خريطة سوريو، باستثناء منطقتي عين العرب والقامشلي، فإن السكان العرب يهيمنون بشكل كامل في منبج والرقة والطبقة والحسكة ودير الزور وحتى في مدينة عين عيسى.
وبينما يضيف غوروجو أن “هيكل الإدارة الذاتية من غير الممكن أن ينتج ديمقراطية عالمية المستوى على المدى الطويل”، يرى أن أي “عملية عسكرية محتملة من جانب تركيا لديها القدرة على القضاء بشكل كامل على حزب العمال الكردستاني في سورية ستكون من خلال تشجيع التمردات العربية”.
ويتابع: “وفي هذا الصدد ينبغي أن يكون مفهوماً أن تركيا تبحث عن الظروف والوقت الأنسب”.
“أوجه التشابه مع الأردن”
وهناك موضوع آخر في ملف تركيا السوري، وهو الحوار الذي تطور مؤخراً مع نظام الأسد، أو بمعنى آخر “عملية التطبيع”.
وبدأت العملية في أغسطس 2022 بإعلان وزير الخارجية مولود جاويش أوغلو أنه التقى بنظيره السوري، وانتهت باجتماع وزراء خارجية روسيا وإيران وسورية وتركيا في موسكو في مايو 2023.
وبعد فوز الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان في الانتخابات الرئاسة، أدلى رأس النظام السوري، بشار الأسد بتصريحات سلبية حول العملية، وبعد هذه التصريحات، لم تكن هناك أي تطورات في بقية عام 2023.
ورغم أنه تقرر تحديد “خارطة الطريق” في الاجتماع الأخير لوزراء الخارجية، إلا أنه من المثير للتفكير أن المفاوضات توقفت عملياً، وفق الباحث غوروجو.
ويضيف أن “ما تنتظره تركيا من عملية التطبيع مع النظام هو أولاً مكافحة الإرهاب، وثانياً العودة الآمنة للاجئين”، ومع ذلك، فإن الأخير “ليس لديه القدرة على محاربة حزب العمال الكردستاني/وحدات حماية الشعب”.
وفيما يتعلق بعودة اللاجئين، “يريد النظام أن يجعل البلاد قابلة للإدارة من خلال رغبته في بقاء السكان السنة المعارضين له خارج البلاد”.
يربط غوروجو مستقبل التطبيع بين أنقرة ونظام الأسد، كما المسار القائم بين الأخير والأردن.
ويقول إنه ورغم موافقة الأردن على عودة النظام إلى الجامعة العربية، فقد لوحظ أن الأخير لم يحرز أي تقدم في أمن الحدود وتهريب المخدرات وعودة اللاجئين.
ولهذا السبب أوقفت لجنة الاتصال العربية، التي شارك فيها النظام وأطراف عملية التطبيع مصر والأردن والسعودية والعراق ولبنان والأمين العام للجامعة العربية، المفاوضات.
كما أكد وزير الخارجية الأردني أن كل الخيارات متاحة، بما فيها العملية العسكرية، خاصة لوقف تهريب المخدرات.
وفي هذا الصدد، يضيف الباحث: “يبدو أن الأردن وتركيا لديهما توقعات مشتركة في عملية التطبيع مع النظام”.
ومن المتوقع أن تعمل تركيا بشكل وثيق مع الأردن في الفترة المقبلة، بما في ذلك خبرتها العسكرية والتعاون في مجال صناعة الدفاع (بيع أنظمة الطائرات بدون طيار).
بالإضافة إلى ذلك، تتمتع تركيا بموقف ثلاثة إلى واحد على الطاولة في محادثات التطبيع مع النظام، وفي هذا الصدد “قد يكون توسيع الطاولة مع الدول العربية، وخاصة الأردن، أو تشغيل آليات عملية جديدة على جدول الأعمال”، كما جاء في نهاية مقال الباحث في “صباح”.