مفخخاتٌ وعبواتٌ تنفجر أسبوعياً بأرياف حلب ومحيطها..من المسؤول؟
“سيارة مفخخة”، “عبوة ناسفة”، “انفجار دراجة” وما شابه، مصطلحات وحوادث اعتاد السوريون القاطنون في أرياف حلب التي تسيطر عليها المعارضة، سماعها والتعايش معها، إذ لا يكاد يخلو أسبوع دون وقوع تفجيرات تضرب مدن وبلدات المنطقة، موقعة عشرات الضحايا والجرحى.
وشهدت الأشهر الماضية، تصاعداً ملحوظاً في عمليات تفجير السيارات والدراجات النارية والعبوات الناسفة، التي تضرب مناطق نفوذ “الجيش الوطني”، والذي يسيطر على مناطق واسعة في ريف حلب الشمالي والشرقي، وعفرين، إضافة إلى راس العين بريف الحسكة، وتل ابيض شمال الرقة.
وفيما تطال هذه التفجيرات، قيادين وعناصر من الفصائل المنضوية ضمن “الجيش الوطني”، فإن الهجمات الأكثر دموية، تستهدف في كثيرٍ من الأحيان، الأسواق الشعبية والأحياء السكنية، الأمر الذي يخلف عدداً كبيراً من الضحايا المدنيين.
ومنذ مطلع العام الحالي، توزعت أماكن التفجيرات وضربت مناطق مختلفة، من عفرين إلى اعزاز وجرابلس والباب بريف حلب، وصولاً إلى راس العين بريف الحسكة وتل ابيض بريف الرقة، بقوة متنوعة إذ اقتصر بعضها على أضرار مادية، في حين أدى بعضها الآخر إلى سقوط عشرات القتلى.
ويعتبر التفجير الذي حصل في عفرين، أواخر أبريل/ نيسان الماضي، هو الأكثر دموية على الإطلاق، إذ انفجرت سيارة مفخخة محملة ببراميل محروقات وسط المدينة، ما أدى إلى مقتل 42 شخصاً، بينهم 20 جثة متفحمة لم يتم التعرف عليها، و61 مصاباً كحصيلة نهائية لعدد المصابين، إلى جانب احتراق 11 سيارة و30 دراجة نارية، وعدد من المحال التجارية والأبنية السكنية القريبة من مكان الانفجار، حسب إحصائيات الدفاع المدني.
أما شهر يوليو/ تموز الحالي، فقد شهد ستة تفجيرات في مناطق الجيش الوطني، ثلاثة منها في عفرين أدت إلى مقتل شخصين وإصابة 16 آخرين، وتفجير في تل أبيض، في 7 يوليو/ تموز، قُتل على إثره سبعة مدنيين بينهم ثلاثة أطفال وامرأة، وتفجير سيارة مفخخة من نوع “انتر” على دوار بلدة سجو الرئيسي بريف مدينة اعزاز، الأحد الماضي، ما أدى إلى مقتل 11 شخصاً، وإصابة أكثر من 100 جريح.
أما التفجير الأخير كان من نصيب مدينة راس العين بريف الحسكة، أمس الخميس، إذ انفجرت سيارة مفخخة مقابل المركز الثقافي قرب دوار الجوزة وسط المدينة ما أدى إلى مقتل ثلاثة أشخاص، بينهم سيدة، وإصابة تسعة آخرون.
من المسؤول؟
وفي ظل عدم وجود تبني لهذه التفجيرات واتهام “الجيش الوطني” لخلايا نائمة تابعة لتنظيم “الدولة” تارة، إضافة إلى اتهام “وحدات حماية الشعب” تارة أخرى، بالوقوف ورائها، تطرح إشارات استفهام عن الجهات المنفذة، ومسؤولية الجهات الأمنية التي تدير هذه المناطق بالتصدي لهذه الهجمات.
ويرى القائد السابق للمجلس العسكري في حلب، والمحلل العسكري عبد الجبار العكيدي، في حديث لـ”السورية. نت”، أن “من يقف وراء التفجيرات بشكل واضح هي ميليشيا PYD، التابعة لحزب PKK، إضافة إلى خلايا داعش”.
وتساءل العكيدي حول وجود قادة التنظيم “في المناطق المحررة”، خاصة وأن بعضهم يملك “هويات من المجالس المحلية”، معتبراً أن هناك تغطية حقيقية من بعض “العملاء والخونة الموجودين في المنطقة”، حسب وصفه.
وأرجع العكيدي سبب التفجيرات إلى “فوضى الفصائل الموجودة في المنطقة، وعدم وجود مؤسسة عسكرية حقيقية تضم كل الفصائل ويضبط السلاح بين المقاتلين، وهو الذي يؤدي إلى وجود هذه الاختراقات، إذ لا يكاد يمر يوم دون حدوث تفجير أو اشتباكات بين الفصائل في مناطق تواجد المدنيين ووقوع ضحايا في صفوفهم”.
ويعود السبب الرئيسي وراء الفوضى، حسب وجهة نظر العكيدي، إلى “عدم وجود مؤسسة أمنية حقيقة، وضباط أكفاء وأصحاب خبرة من ضباط الشرطة والجيش والأمن المنشقين على رأس هذه المؤسسات وإدارتها، وإنما تُرك الأمر إلى أشخاص أميّين تم إعطائهم رتب عسكرية، وأصبحوا ضباط شرطة وتقلدوا مناصب في مراكز أمنية وشرطية، كل ذلك كان له دور كبير في الانفلات الأمني”.
كما أرجع العكيدي سبب الانفلات الأمني إلى فساد بعض ضباط قادة الفصائل، الذين اهتموا حسب قوله، بجمع المال، وفتحوا عشرات المعابر للتهريب مع مناطق نظام الأسد و”قسد”، بعد إغلاق المعابر الرسمية منذ أسابيع بعد انتشار فيروس “كورونا”.
واعتبر أن السيارات المفخخة أو الدراجات النارية يتم إعدادها للتفجير داخل مناطق المعارضة، وفي بعض الأحيان تأتي عن طريق معابر التهريب غير الرسمية التي يديرها بعض قادة الفصائل.
من جهته أكد، قائد “المجلس العسكري الثوري” في الحسكة، المقدم هشام المصطفى، لـ”السورية. نت”، أن “الجهة التي تقف وراء كل التفجيرات الإرهابية التي تحدث في عموم المناطق المحررة، هي ميليشيات الـ PYD والنظام المجرم، حيث لازال لديهما للأسف بعض الأذرع المتعاونة في الداخل السوري المُحرر، وهؤلاء هم من يقومون بإدخال السيارات المفخخة عبر طرق يعرفونها جيداً، و لا تمر من حواجز الجيش الوطني الحر، وأحيانا يتم تجهيز تلك السيارات في المناطق المحررة”.
وأكد المصطفى أن “هناك تقصير في العمل الأمني في المناطق المحررة، ويجب تلافيه تماماً حتى نستطيع أن نمنع حصول تلك الانفجارات، والتقصير الأمني لا يعني التخاذل من قبل القائمين على المشهد الأمني في المحرر، إنما ضعف الإمكانيات، وقلة الخبرة في التعامل مع هكذا حالات، وكذلك الإهمال الذي يؤدي الى تلك الانفجارات”.
المأسسة طريق الحل
ويرى المصطفى أن الحل عبر عدة خطوات، هي “تخصيص جهاز أمني متمرس ومتمكن، تقام لعناصره دورات مكثفة للتدرب على التعامل في هكذا أوضاع”.
أما عبد الجبار العكيدي، فقد اعتبر أن الخطوة الأولى التي يجب القيام بها، هي “مأسسة الفصائل من قبل وزارة الدفاع ووزارة الداخلية في الحكومة السورية المؤقتة، وإعطاء أصحاب الكفاءات دورهم في قيادة هذه المؤسسات وخاصة الضباط المنشقين وضباط الجيش والاستخبارات، واعطائهم صلاحيات لضبط الأمور الأمنية، والقضاء على فوضى السلاح الموجودة وإصلاح كل المؤسسات، وضرب يد الكل الفاسدين والخونة والعملاء”.
وكان وزير الدفاع في الحكومة السورية المؤقتة ورئيس هيئة الأركان العامة في “الجيش الوطني”، سليم إدريس، حدد في مايو/ أيار الماضي، خطوات “الجيش الوطني” لضبط الأمن في ريف حلب الشمالي بعد تفجير عفرين.
وقال إدريس في مقابلة مع “إدارة التوجيه المعنوي”، التابعة لجيشه، إن “ما يتوجب على الجيش الوطني فعله بخصوص الجانب الأمني، هو تشديد الحراسة على خطوط التماس مع العدو، ونصب كمائن في المناطق التي قد يفكر المهربون (سيارات وأفراد) بالعبور منها إلى المحرر، وتزويد المعابر بكاميرات مراقبه تعمل على مدار الساعة، وبأجهزة كشف للمتفجرات وللأسف هي غير متوفرة حتى الآن”.
ومن الخطوات، حسب إدريس، “التفتيش الدقيق للسيارات والأفراد الذين يدخلون إلى المناطق المحررة من المعابر، والتفتيش الدقيق لكافة الآليات والأفراد على مداخل البلدات والمدن، وتعزيز العمل الاستخباراتي، والتعاون الوثيق والدائم مع الشرطة المدنية”.
كما اتخذت المجالس المحلية إجراءات مشددة، تتعلق بمنع دخول الآليات غير المسجلة، ومنع دخول الآليات إلى الأسواق دون تفتيش، ومنع مبيت سيارات الشحن الكبيرة ضمن الشوارع الرئيسية والمهمة في المنطقة.
واعتبر عبد الجبار العكيدي، أن تركيا لها دور كبير وتتحمل مسؤولية كبيرة عما يحصل، لأنها المعنية في تعيين رؤساء المجالس المحلية وتعيين ضباط الأمن والشرطة وتدريبهم، ويمكنها إعطاء الحكومة المؤقتة ووزارة الدفاع صلاحيات أكثر في المنطقة.
ويكمن الدور التركي، بحسب وجهة نظر المصطفى، في تدريب كوادر أمنية سورية، وإعطاء خبراتها الأمنية، ومساعدة تلك الكوادر على الانطلاق بعملها بعد تدريبها بإشراف تركي لفترة محدودة، ريثما تتمكن الكوادر الوطنية من إدارة الأمور الأمنية، خاصة في ظل ضعف الإمكانات الحالية سواء لأجهزة الشرطة أو “الجيش الوطني”.