فاجأت كازاخستان الجميع، بمن فيهم الروس، بإعلانها أنها ستتوقف عن استضافة المحادثات الهادفة إلى “حل الصراع السوري” في عاصمتها “أستانة”، ما أطلق تساؤلات عن سر هذه الخطوة، وانعكاساتها في المرحلة المقبلة.
وجاء الإعلان بينما كان مندوبو “الدول الضامنة” (تركيا، روسيا، إيران) يختتمون الجولة العشرين من المحادثات، والتي تأثرت على نحو كبير بـ”اجتماعات الرباعية” الخاصة بعملية “بناء الحوار بين أنقرة والنظام السوري”.
وكان أساس القرار الكازاخستاني أن المحادثات التي بدأت في عام 2017 قد حققت الغرض منها، لكن ووفق مقال تحليلي نشر اليوم السبت فإن “الحل السياسي في سورية ما يزال بعيداً”.
كما أن الحل العسكري ليس مطروحاً على الطاولة، إذ يشير المقال إلى أنه “لا يمكن للنظام مواجهة الأمريكيين في الشمال الشرقي أو الأتراك في الشمال الغربي”، وأن “لا تركيا ولا الولايات المتحدة مستعدان لمواجهة أخرى في البلاد”.
“بين 3 مناطق”
وفي الوقت الحالي سورية مقسمة بحكم الأمر الواقع إلى 3 مناطق، الأولى تسيطر عليها “قوات سوريا الديمقراطية” و”حزب الاتحاد الديمقراطي” المعروف باسم “pyd”.
وتعتبر تركيا هاتين القوتين بمثابة الفرع السوري لـ”حزب العمال الكردستاني”، المصنف على قوائم الإرهاب الدولية.
وفي الشمال الغربي، تعد “هيئة تحرير الشام” المعروفة سابقاً باسم “جبهة النصرة”، المجموعة المسلحة الرئيسية، بالإضافة إلى “الجيش الوطني السوري” الذي يسيطر على مناطق واسعة في ريف حلب، وتحت الإدارة التركية.
وتخضع بقية سورية لسيطرة نظام الأسد، مع بعض المناطق التي تديرها روسيا والبعض الآخر تديره إيران.
ويضيف المقال أنه “إذا كان هناك اختراق، فيجب التوفيق بين مناطق النفوذ الثلاثة” المذكورة.
ويضيف: “إذا اجتمعت منطقتان معاً، فسيضغط هذا على المنطقة الثالثة”.
“3 سيناريوهات”
واستعرضت كاتبة المقال ثلاثة سيناريوهات محتملة في سورية، ولكن يصعب تحقيقها بنفس القدر؛ وبالتالي من المرجح أن تظل سورية في حالة من الجمود.
السيناريو الأول: هو أن يكون هناك اتفاق بين النظام و”قوات سوريا الديمقراطية”. وهذا سيشجعه الروس، وتقبله دول الخليج، بل وتتسامح معه الولايات المتحدة.
وكتب بريت ماكغورك، الذي يتولى حالياً شؤون الشرق الأوسط في مجلس الأمن القومي الأمريكي مقالاً في مجلة فورين أفيرز في عام 2019، قال فيه إن الحرب في سورية لن تنتهي نتيجة لقرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 2254، بل بالأحرى من خلال “اتفاق بين الأكراد والنظام”.
ورغم اختلاف التقديرات، فإن “قوات سوريا الديمقراطية” لديها ما يقرب من 50000 مقاتل تم تدريبهم وتسليحهم من قبل الولايات المتحدة، ويمكن أن يشكلوا العمود الفقري لـ”الجيش السوري” ويعززون قوات الأسد التي تتعرض لضغوط مالية.
لكن النقاشات المختلفة التي جرت بين “حزب الاتحاد الديمقراطي” والنظام لم تسفر عن أي اختراق، وحتى لو وافق النظام على شيء ما فإن الأكراد يعرفون أنه سيتراجع عن وعوده.
إضافة إلى ذلك، فإن النظام، الذي يعتبر نفسه المنتصر في حرب 12 عامًاً لا يشعر بالحاجة إلى التنازل عن أي شيء للأكراد لأنهم في وضع محفوف بالمخاطر.
في غضون ذلك هناك سيناريو ثانٍ محتمل، من خلال تمديد محادثات “أستانة”.
ويدور ما سبق حول تقارب تركي مع رأس النظام السوري، بشار الأسد، وفق المقال التحليلي.
ومع ذلك تعترض هذا السيناريو عدة عقبات، من بينها أن عرض الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الأخير للأسد كان لأغراض انتخابية.
ويتنامى المزاج العام التركي بشكل متزايد ضد اللاجئين السوريين، وكانت المعارضة تلقي باللوم على أردوغان في المشكلة وتقول إنه كان يمنع عودتهم بسبب العلاقة السيئة التي تربطه بدمشق.
وكان أحد الوعود الانتخابية الرئيسية التي قطعها خصوم أردوغان قبل الانتخابات الرئاسية والبرلمانية الشهر الماضي هو ضمان عودة اللاجئين من خلال المفاوضات مع دمشق.
في حين أراد أردوغان إزالة هذه الحجة من ترسانة المعارضة، فأعلن أنه مستعد للقاء الأسد من أجل “السلام” في المنطقة.
لكن الآن بعد أن فاز أردوغان بولاية جديدة، فإن مثل هذا الاجتماع “غير مرجح”.
والأسد، الذي لطالما كان لديه موقف متشدد، يشترط أي اجتماع بانسحاب تركي من الشمال الغربي.
ويوضح المقال أن “هذا غير واقعي تماماً، كون الناس في إدلب لا يمكن التوفيق بينهم وبين النظام السوري”.
“إذا هاجم النظام إدلب، فسيؤدي ذلك إلى موجة جديدة من اللاجئين لا تستطيع تركيا استيعابها، في حين أن المجتمع الدولي أيضاً لا يريد أن يرى موجة جديدة من اللاجئين أو أي مذبحة جديدة على يد قوات الأسد”.
كما أن الأسد، على الرغم من خطابه، لم يستطع التعامل مع إدلب بكل مشاكلها، وأردوغان، الذي كان مؤيداً للمعارضة السورية منذ أكثر من عقد، لا يمكنه أن يوقفها، لأن ذلك “سيؤثر بشكل كبير على صورته ومصداقيته”.
ما السيناريو الثالث؟
السيناريو الثالث والأفضل هو اتفاق شمال شرقي وشمال غربي سورية.
وجاء في المقال التحليلي بحسب ما ترجمت “السورية.نت”: “هذا صعب بنفس القدر لسبب بسيط هو أن تركيا لا تشعر أنها بحاجة إلى تقديم أي تنازلات للأكراد”.
ومن وجهة النظر التركية، ليس عليهم تقديم تنازلات لعدو أضعف، كما أن تركيا لا تثق في “حزب الاتحاد الديمقراطي”، معتقدة أن الجماعة ستتراجع عن وعودها عندما تسنح لها الفرصة.
ولكي تحدث هذه الصفقة، يجب على الولايات المتحدة أن تتدخل وتعقد صفقة مع تركيا، وهي صفقة تمنح أنقرة والأكراد ضمانات أمنية.
ويجب أن تتضمن الصفقة، وفق المقال “تسليم حزب الاتحاد الديمقراطي أسلحته الثقيلة والمتوسطة”.
كما “يجب أن يتم انتخاب المجلس المحلي الذي يسيطر عليه الآن حزب الاتحاد الديمقراطي بشكل ديمقراطي لضمان تمثيله لتنوع المجتمعات وتقليل نفوذ pyd”.
ومن أجل التأكد من الحفاظ على هذه التغييرات، يجب نشر مراقبين دوليين، وأن تفتح تركيا حدودها وتسمح بتدفق مياه نهر الفرات.
ويرى المقال أن “هذا الحل، على الرغم من صعوبة تحقيقه، فإنه الخيار الأفضل لأنه سيخلق ضغطاً كافياً على الأسد وداعميه للالتزام بقرار مجلس الأمن رقم 2254 وقبول الانتقال السياسي الذي ينهي الصراع”.