مقترحات لحل مشكلة الكهرباء في مناطق المعارضة
لم يمضِ شهر على الاحتجاجات في مدن اعزاز والباب وعفرين ضد ارتفاع أسعار الكهرباء، حتى أعلنت شركة “AK energy” العاملة في مدينة اعزاز قبل أيام رفع أسعار الكيلو واط للاشتراك المنزلي من 2.45 إلى 2.85 ليرة تركية، وللتجاري والصناعي من 4.5 إلى 4.75 ليرة تركية لكل كيلوواط. وعليه لم تنجح محاولات السكان في كبح جماح رفع الأسعار من قبل الشركة التي برر مدير العلاقات العامة فيها، أنها تشتري الكهرباء من السوق السوداء وتبيع بدون دعم، وفي الطرف المقابل لا يزال موقف المجلس المحلي على حاله فيما يتعلق بمخالفة الشركة لبنود وشروط التعاقد المتفق عليها.
إحراق مقر الشركة ليس الحل!
خرج الأهالي في بادئ الأمر بمظاهرات أمام المجالس المحلية وقاموا باعتصامات ورفعوا رسائل وخطابات للشركة والوالي في تركيا، احتجاجاً على ارتفاع أسعار الكهرباء وعدم مراعاة الأوضاع الاقتصادية المزرية التي يمر بها السكان في المنطقة، وعلى إثر تزايد الأسعار بشكل مطّرد بدون التفات لمطالب السكان خرج المتظاهرون عن صمتهم وأحرقوا مقر الشركة السورية التركية للكهرباء STE في عفرين.
ولدى مقارنة أسعار كيلو واط الكهرباء في مناطق المعارضة مع تركيا، سيظهر زيادة بنسبة 78% للخط المنزلي في ريف حلب عن تركيا خلال يونيو/حزيران الماضي، وزيادة بنسبة 63% للخط التجاري، وشكلت فاتورة الكهرباء حوالي 40% من دخل المواطن في المنطقة في الوقت الذي يجب ألا تتجاوز نسبة 5%، بينما تبلغ حصة الفاتورة من دخل عامل تركي يتقاضى الحد الأدنى للأجور نسبة 4%. كما أن الارتفاع في سعر الكيلو واط لم يُسعف الصناعيين والتجار على امتلاك ميزة تنافسية لمنتجاتهم، وانعكس هذا على الصناعة والتمويل والاتصالات، حيث أظهرت هذه القطاعات هشاشة عالية في “مؤشر عمران للتعافي الاقتصادي المبكر” الذي يصدر كل ستة أشهر.
إذن! باءت محاولات الأهالي السلمية ابتداءً والأفعال التخريبية لاحقاً؛ بالفشل، ولم تثني كل المحاولات الشركة عن خفض أسعار الكيلو واط ومراعاة ظروف الأهالي الصعبة، وأخفقت المجالس المحلية في استخدام العقود الموقعة لثنيها عن رفع الأسعار، أو إيجاد طرق ووسائل أخرى تخفف من الأعباء على المواطن.
على الطرف المقابل فإن المقارنة في الأسعار بين مناطق المعارضة وتركيا ربما لا تكون صحيحة بشكل كبير، إذا عُلِم أن الحكومة التركية تدعم أسعار الكهرباء لمواطنيها، ومن ثم فإن الشركات الخاصة تشتري الكهرباء وفق سعر السوق والذي يتحدد بشكل يومي، ويُظهر الشكل أدناه سعر الميغا واط للكهرباء بين 1 كانون الثاني 2019 و8 تموز 2022 حيث بلغ السعر في تموز 2019 وسطياً 27 قرش تركي وفي ذات اليوم من عام 2020 بلغ السعر 30 قرش وفي عام 2021 نحو 56 قرش في حين ارتفع السعر في ذات اليوم أيضاً إلى 2.55 ليرة تركي، وبلغ أعلى سعر عند 3.5 ليرة تركية في هذا العام، ويُعزى ارتفاع السعر إلى ارتفاع أسعار الطاقة العالمية، وتشتري الشركات الخاصة الكهرباء بسعر السوق وتضيف عليه نسبة فاقد ونسبة ربح ومصاريف لوجستية، مقابل إيصاله للمواطن.
وبالنسبة للعقد الموقع بين المجلس المحلي في مدينة عفرين وشركة STE للكهرباء تم تحديد 25% فاقد وهي نسبة مرتفعة جداً وغير منطقية، وتم تحديد نسبة 10% أرباح تتقاضها الشركة، وذكر في بنود العقد تثبيت السعر لمدة ستة أشهر بحيث يجتمع كل من الشركة والمجلس المحلي ويقرّان أسعاراً جديدة، علماً أنه تم مخالفة هذا البند من قبل الشركة عبر رفع السعر خلال أوقات متقاربة، فضلاً أن ظروف توقيع العقود في المنطقة تمت بشكل مُبهم حيث لم تنظر فيها لجنة قانونيين ومختصين في مجال الطاقة الكهربائية، لمناقشة تفاصيل العقد والبت فيه، وافتقرت العقود للتفاصيل ما أوقع المجالس في خطأ تفسير البنود والتوقعات، وتم ترجمة العقود بطريقة تقليدية ما يجعل البنود غير مفهومة.
ولم تبرز شركة STE أية كشوفات مالية حول التكاليف التي تكلفتها أثناء عملية التمديد والتي تقرر توزيعها على مدار أربع سنوات، يُضاف إليها مبلغ بدل استثمار خط النقل الذي دفعته الشركة لولاية هاتاي والبالغ نحو 37 مليون ليرة تركية، وهو ما جعل من عملية حساب تكلفة الكيلو واط أمراً مبهماً بالنسبة للمجلس المحلي. ويتحمل المجلس المحلي شراء الكهرباء للمؤسسات العامة وتشغيل السد وإيصال المياه للأهالي بأسعار باهظة.
وعليه أوصلت المجالس المحلية الكهرباء للأهالي عبر عقود تم توقيعها بطريقة غير احترافية، عادت بنتائج وخيمة على السكان، وبات من الضرورة بمكان التفكير بطرق وأساليب أخرى غير المظاهرات والاعتصامات وحرق مقرات الشركة، لحل مشكلة الكهرباء في المنطقة.
الحل لدى المجتمع المحلي
تقع على عاتق المنظمات العاملة في المنطقة والقطاع الخاص ورجال الأعمال السوريين في المهجر، مسؤولية كبيرة في حل المشاكل العالقة ودفع عجلة التعافي الاقتصادي المبكر للأمام والأهم العمل على تهيئة بيئة استثمارية ذات سياسات وقواعد عمل تجذب المشاريع والاستثمارات. وقد استطاعت العشرات من المنظمات سد جزء كبير من احتياجات السكان الإغاثية والمبادرة في طرح حلول خلاّقة لتغيير واقع المنطقة بفضل المشاريع المنفّذة في قطاعات النقل والمياه والصرف الصحي والتجارة والزراعة والكهرباء وقطاعات أخرى، حيث تم تنفيذ نحو 4070 مشروعاً بين 2018 و2021 في أحد عشر قطاعاً اقتصادياً بحسب “مؤشر عمران للتعافي الاقتصادي المبكر”، ومن بين المشاريع البارزة التي تتقاطع مع إشكالية الكهرباء في المنطقة، مشاريع الطاقة المتجددة التي استخدمت على نطاق واسع لإنارة الشوارع، واستخراج المياه.
كما بدأت المنظمات والشركات السورية بالمشاركة في المعارض المقامة في تركيا حيث شاركت العديد من المنظمات والشركات في معرض “موصياد” الذي أقيم في غازي عنتاب في 18 يونيو/حزيران الماضي.
وبخصوص مشكلة الكهرباء فمن بين الأساليب التي يمكن أن تعتمد عليها المنظمات؛ دعم سعر الكهرباء بحيث يتحمل المواطن ما يتناسب مع الواقع والأعباء المعيشية، فيما تتحمل المنظمات القسم الأكبر من الفاتورة. كما يمكن لعدد من الشركات التقدم بعرض تسوية لشراء حقوق استجرار وتوزيع الكهرباء من شركتي الكهرباء AK ENERGY وSTE مقابل توقيع عقود جديدة طويلة المدى مع المجالس المحلية، تراعي الهفوات الحالية في العقود وتقدم المصلحة العامة للمواطن على مصلحة الشركة الخاصة. وقد تعمل عدد من المنظمات أو الشركات الخاصة في تنفيذ باقة من مشاريع الطاقة المتجددة لتوليد الكهرباء من الشمس والرياح وغاز الميثان، وتوريدها للبلدات والمدن بأسعار معقولة.
أخيراً لا مفر أمام المجتمع المحلي للقيام بأدوار كبيرة أكثر من السابق، لتصحيح الأخطاء وتحمل المسؤولية بجانب المجالس المحلية، سعياً نحو تحقيق تقدم ملموس في الاقتصاد المحلي للمنطقة.
المواد المنشورة والمترجمة على الموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر مؤسسة السورية.نت