توقفت منابر “هيئة تحرير الشام”، وهي تشكيل “جهادي” ينشط في محافظة إدلب، عن النشر عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وذلك كما رصد موقع “السورية.نت”.
وتعتبر شبكة “إباء” وسيلة الإعلام الرسمية الوحيدة التي كانت تمرر “تحرير الشام” من خلالها أخبارها الميدانية والعسكرية في إدلب، بشكل يومي، سواء عبر قناتها في تطبيق “تلغرام” أو الموقع الالكتروني على شبكة الانترنت.
ويأتي ما سبق في ظل التطورات التي تشهدها محافظة إدلب في الوقت الحالي، سواء من حيث تقلص المساحة الجغرافية التي تسيطر عليها الفصائل السورية، لحساب قوات الأسد وروسيا وإيران، أو مع الحديث الذي يدور عن قرب حل “تحرير الشام” بشكل كامل، كخطوة تندرج في إطار حل نهائي قد تقبل عليه إدلب، في الأيام المقبلة.
ويتفرع عن شبكة “إباء” الإعلامية التابعة لـ”تحرير الشام”، جريدة مطبوعة وصلت أعدادها إلى إلى 89 عدداً، وإلى جانبها الموقع الالكتروني الذي يحتوي في تصميمه عدة تبويبات، بالإضافة إلى قناة “تلغرام”.
ومنذ منتصف شهر شباط الماضي، تكرر إغلاق القناة الرسمية لـ”إباء” عبر تطبيق “تلغرام” عدة مرات، لتختفي بشكل نهائي في مارس/آذار الحالي.
وفيما يخص الجريدة المطبوعة (الأسبوعية)، فقد رصد فريق “السورية.نت”، أن آخر عدد يصدر عنها في 28 فبراير/شباط الماضي، تضمن عدة أقسام، بينها “نافذة وعي” وبعض الإرشادات العسكرية، الموجهة للمقاتلين على الأرض.
تعمّد أم دون قصد؟
ولم تتضح بدقة، الأسباب التي تقف وراء إغلاق المنابر الإعلامية لـ”تحرير الشام” حتى الآن.
لكن وبحسب معلومات “السورية.نت”، فإن خطوة الإغلاق جاءت بشكل متعمد من “الجهاز المركزي” لـ”تحرير الشام”، والذي يشرف على ما يصدر عنها إعلامياً، على كافة المنصات.
وكان آخر ما نشر لـ”تحرير الشام” البيان الرسمي، المتعلق بما شهدته محافظة إدلب، مؤخراً، من ضربات جوية لتركيا على مواقع لنظام الأسد.
ومما جاء في البيان الذي نشر فقط على مجموعة خاصة لـ”الهيئة” عبر “تلغرام” معنونة بـ”تحرير الشام- خاص”، وتضم حوالي 150 عضواً: “نشكر الحكومة التركية وقوفها الواضح والداعم للثورة السورية، ومشاركتها في الدفاع عن المدنيين ومشاركتها في المعارك الأخيرة”.
و لم يقتصر توقف المنابر الإعلامية لـ”تحرير الشام” على الرسمية منها فقط، والمحصورة بـ”شبكة إباء”، بل انسحب إلى المنابر المسماة بـ”الرديفة”، والتي كان لها عدة قنوات على تطبيق “تلغرام”، بينها شبكة “صدى”، إلى جانب ما كان ينشره الشرعيون والمسؤولون فيها، بحسب ما رصدت “السورية.نت” أيضاً.
تدهور مُتدرج
على مدار السنوات الماضية من نشاط “هيئة تحرير الشام” (جبهة النصرة عمادها العسكري) عسكرياً على الأراضي السورية، مر الخطاب الإعلامي التابع لها بعدة مراحل، بدأ بطور الصعود قبل الانفصال عن “تنظيم الدولة في العراق والشام”، ووصل في الوقت الحالي إلى طور الأفول والتدهور.
وكانت “تحرير الشام” قد عملت من خلال منابرها الإعلامية، على الترويج لفكرها وعقيدتها القتالية في سورية، وحددت من خلالها طبيعة علاقاتها مع المحيط الخارجي، سواء الفصائل العسكرية المقاتلة في ذات البقعة الجغرافية التي تنشط بها، أو الأطراف الإقليمية المتحكمة بالملف السوري.
“المنارة البيضاء” كانت أولى المنابر الإعلامية لـ”تحرير الشام” (التسمية المعتمدة لها حالياً)، وكانت الأخيرة قد نشرت أولى إصداراتها عبرها، وتمثلت بتسجيل صوتي للقائد العام، “أبو محمد الجولاني”، حدد من خلاله الهدف الرئيسي من التشكيل العسكري الذي يقوده.
استمرت “المنارة البيضاء” بالعمل حتى عام 2016، ونشرت عدة إصدارات، بينها ما سمي بـ”ورثة المجد”، لتتراجع فيما بعد، وتترك “الدفة الإعلامية” إلى القادة والشرعيون، الذين بدأوا بإنشاء قنوات عبر “تلغرام” لنشر أخبار المعارك اليومية، والسياسة العسكرية التي تسير من خلالها “تحرير الشام”، وإلى جانبهم أطلقت “الهيئة” ما سمي بـ”قناة مراسل”، والتي كانت تحمل عدة أسماء تبعاً للمناطق التي تدور فيها المعارك، كـ”مراسل حلب”، “مراسل إدلب”، “مراسل حماة”.
ومع التغير الذي أحدثته “تحرير الشام”، بعد عام 2016 في بنيتها العسكرية، وسلسلة الاندماجات التي بدأتها مع بعض الفصائل، انتقلت إلى مرحلة أخرى من “البروبوغندا الإعلامية”، بإطلاق شبكة “إباء” التي توقفت عن النشر حالياً، بالإضافة إلى مؤسسة “أمجاد للإنتاج المرئي”، التي خصصتها لنشر إصداراتها المرئية فقط.
ما الذي تغير؟
لا يمكن فصل ما سبق من توقف المنابر الإعلامية لـ”تحرير الشام” عما تشهده محافظة إدلب، والتحركات التي تجري من أجل تحديد مستقبلها، خاصةً في ظل تعنت روسي للقضاء عما تصفه بـ”المجموعات الإرهابية” في سورية، وخاصةً في الشمال السوري.
وكان قائد “الهيئة”، “أبو محمد الجولاني” قد أشار في حوار مع “مجموعة الأزمات الدولية”، نُشر الشهر الماضي، إلى أنه ورغم ارتباطه بتنظيم “القاعدة”، تعهد بعدم استخدام سورية أو أي فصيل آخر، كمنصة إطلاق للعمليات الخارجية، والتركيز على قتال نظام الأسد وحلفاؤه.
وحدد “الجولاني” هدف “تحرير الشام” حالياً بقتال قوات الأسد، معتبراً أن “أيديولوجية الهيئة اليوم تستند إلى الفقه الإسلامي، مثلها مثل أي جماعة سنية محلية أخرى في سورية”.
كما تحدث “الجولاني” عن علاقته بـ”تنظيم حراس الدين” (التابع لتنظيم القاعدة) بأنها علاقة “معقدة”، لكن تم إلزامهم بعدم استخدام سورية كـ”منصة انطلاق للجهاد الخارجي”، حسب قوله.
حديث الجولاني الذي يعتبر “براغماتياً خالصاً”، حسب وصف خبراء بالتنظيمات الجهادية، تزامن في نفس الأسبوع، مع تصريحات للمبعوث الأمريكي إلى سورية، جيمس جيفري قال فيها إن “تحرير الشام تركز على قتال قوات النظام، ولم يشهد لها تهديداً على المستوى الدولي”.
وأضاف جيفري، في التصريحات التي نقلتها صحيفة “نيوز ويك” الأمريكية، أن “تحرير الشام” تعرّف عن نفسها أنها تمثل معارضة وطنية تضم مقاتلين وليس إرهابيين، “لكن أمريكا لم تقبل بهذا التوصيف بعد”.
وبعد أيام مما قاله جيفري، خرج وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف قائلاً إن “تحرير الشام محظورة في روسيا ومدرجة رسمياً في قائمة مجلس الأمن الدولي للجماعات الإرهابية، ومدرجة في القوائم الوطنية الأمريكية، وهذه هي ليست المرة الأولى التي يعلن فيها مسؤولون أمريكيون رسميون، إمكانية الحوار مع الهيئة في ظروف معينة”.
واعتبر لافروف أن “التلميحات الأمريكية واضحة بما فيه الكفاية، ولا نسمعها للمرة الأولى، وغير مقبولة على الإطلاق”.