منظماتٌ إغاثية في الشمال: احتياجاتٌ وتحدياتٌ تتفاقم وأرقام تنذر بكارثة
يعود الحديث عن ملف النازحين في مخيمات الشمال السوري، في كل مرةٍ تشهد فيها تلك المخيمات كارثةً جديدة، آخرها موجة الأمطار والسيول التي اجتاحت عشرات المُخيمات، وشرّدت مئات العائلات، الأسبوع الماضي، في وقتٍ تواجهُ فيه المنظمات الإغاثية العاملة هناك، سلسلة تحدياتٍ كبيرة، تفاقمت مع موجات النزوح الضخمة التي حصلت في فبراير/شباط الماضي، وما تبعه ذلك من نقص في احتياجاتها لمنع تفشي فيروس “كورونا” المستجد.
ويقول مسؤولون في المنظمات الإغاثية، في شمال غرب سورية، إن كوادرهم تبذلُ جهوداً كبيرة، في محاولاتهم المستمرة، لسد احتياجات مئات آلاف السكان الأساسية، لكنهم يصطدمون دائماً بضعف استجابة التمويل الذي تخصصه المنظمات الدولية، لإغاثة المنكوبين الذين تتزايد أعدادهم.
ورغم أن معاناة سكان المخيمات، الذين يتجاوز عددهم المليون نسمة، لم تتوقف منذ سنوات، بل تتضاعف في كل شتاءٍ، وتتعاظم مع ظروف انتشار فيروس “كورونا”، في محيط إدلب وأرياف حلب، فإن المخاوف التي يشعر بها عمال الإغاثة، ازدادت مؤخراً، مع محاولات روسيا، عرقلة تمديد قرار مجلس الأمن، القاضي بإيصال المساعدات العابرة للحدود إلى سورية، مع قرب انتهاء التفويض اللازم لعملها.
كوارث الشتاء تنتهي بحرائق الصيف
مع انتهاء فصل الشتاء، بما يحمله لمخيمات الشمال من كوارث وسيول، بدأت معاناة ليست جديدة على سكان تلك المخيمات، حين سجلت المنظمات العاملة ارتفاعاً في وتيرة الحرائق نتيجة ارتفاع درجات الحرارة واشتعال الخيام القماشية وانفجار اسطوانات الغاز، حيث وثقت فرق “الدفاع المدني”، الخميس 26يونيو/حزيران، احتراق 4 خيام لنازحين في مخيم “لن نركع” بمنطقة أطمة شمالي إدلب، إثر تسرب لغاز الطبخ، دون تسجيل إصابات.
أخمدت فرق الدفاع المدني السوري 6 حرائق اليوم الأربعاء 24 حزيران في أرياف إدلب 3 منها في أراض زراعية، حيث عملت فرقنا لعدة…
Gepostet von Civil Defense Idlib الدفاع المدني سوريا-محافظة ادلب am Mittwoch, 24. Juni 2020
فيما وثق فريق “منسقو استجابة سوريا”، في نفس اليوم، حرائق جديدة في بلدتي قاح وكفريحمول بريف إدلب الشمالي، نتيجة استخدام مواقد الطهي وانفجار اسطوانات الغاز، ما يرفع عدد الحرائق وحالات التسمم ضمن المخيمات خلال الشهرين الماضيين إلى 21 حالة حروق و7 حالات تسمم، إضافة إلى عشرات الخيام المتضررة من العواصف المطرية والهوائية الصيفية خلال الفترة الماضية.
وقبل ذلك بأيامٍ قليلة، أعادت الأمطار الصيفية التي شهدتها مخيمات الشمال، التذكير بأمطار الشتاء، التي تسبب سيولاً تجرف الخيم، خاصة في المخيمات العشوائية، التي تفتقد لخدمات الصرف الصحي، حيث سجل فريق “منسقو الاستجابة”، السبت الماضي، غرق أكثر من 54 مخيماً في محافظة إدلب، تقطنها 3174 عائلة، ووثق تضرر 1358 خيمة بشكل كلي، و1167 خيمة بشكل جزئي، فيما باتت 1285 عائلة دون مأوى.
محمد حلاج، مدير فريق “منسقو استجابة سوريا”، قال في حديث لـ “السورية نت”، إن الوضع الإنساني في مخيمات الشمال السوري المكتظة يزداد سوءاً، نتيجة ضعف الاستجابة لأسباب عدة أبرزها الكثافة السكانية والانتشار الجغرافي الواسع لمخيمات الشمال، بوجود 1270 مخيماً يقطنها مليون و40 ألف نسمة، مشيراً إلى أن أي استجابة لهؤلاء النازحين ستكون ضعيفة مقارنةً بالدعم الدولي والمشاريع الإنسانية المُقدمة.
وأضاف حلاج، أن نقص الاستجابة يرتبط أيضاً بالكوارث المستمرة التي تشهدها المخيمات، على اعتبار أنها غير مهيئة للعيش البشري، نتيجة سوء الصرف الصحي وهشاشة الخيام وحدوث الحرائق وحالات التسمم باستمرار، ما ينعكس سلباً على عمل المنظمات وقدرتها على الاستجابة.
فيما يرى المدير التنفيذي لمنظمة “إحسان للإغاثة والتنمية”، براء صمودي، بأن وضع السوريين في مخيمات النزوح لا يزال “كارثياً”، محذراً من “كارثة إنسانية محتملة” قد تعصف بالمدنيين شمال غربي سورية، في حال انتشار فيروس “كورونا” في المنطقة، وسط ضعف المنظومة الصحية ونقص مستلزمات الكوادر الطبية.
وأضاف صمودي في حديث لـ”السورية نت” أن “المستشفيات التي تقدم خدمات الرعاية الصحية لما يقارب 4 ملايين شخص قليلة جداً في المنطقة، فضلاً عن الحاجة الماسة للمساعدات الإنسانية التي خلفتها حملات التصعيد العسكرية التي شُنت على المدنيين، وكان آخرها مطلع العام الجاري”.
وكذلك يرى فراس خليفة، عضو المكتب الإعلامي في منظمة “الدفاع المدني”، أن المخاوف الأكبر في مخيمات النزوح هي وصول فيروس “كورونا” إليها، مشيراً في حديث لـ “السورية نت” إلى أن المنظومة الصحية في المنطقة غير قادرة على تحمل المزيد من الأعباء، مطالباً بتأمين “عودة آمنة للمدنيين إلى قراهم وبلداتهم من أجل تحقيق شروط الحجر الصحي والتباعد الاجتماعي، التي تعجز المخيمات المكتظة عن تحقيقها”.
الاحتياجات كبيرة والتحديات أكبر
وتقول المنظمات الإنسانية العاملة في الشمال السوري، إنها تواجه تحديات كبيرة أثقلت كاهلها، وأثّرت على قدرتها على الاستجابة في وقت تتفاقم فيه احتياجات النازحين في المخيمات، حسبما قال فراس خليفة، عضو المكتب الإعلامي في منظمة “الدفاع المدني”.
وأوضح خلفية، أن التحدي الأكبر الذي ينتظر المخيمات حالياً، هو انقطاع المساعدات الدولية، المتمثلة بقرار مجلس الأمن رقم “2165”، والذي ينص على إيصال المساعدات الإنسانية عبر الحدود السورية، وإلى ما وراء خطوط التماس في سورية، حيث ينتظر القرار حالياً اجتماع مجلس الأمن الشهر المقبل، من أجل البتّ بمسألة تمديده، وسط مخاوف من فيتو روسي.
و يرى محمد حلاج، مدير فريق “منسقو الاستجابة” أن أبرز التحديات التي تواجه المنظمات الإنسانية، تتمثل في نقص التمويل، وسط عجز هذه المنظمات، عن ردم الفجوة بين التمويل والاحتياجات المطلوبة، متحدثاً عن صعوبات أخرى أصبحت “روتينية”، وأبرزها حالة الفلتان الأمني وانقطاع الطرقات وغيرها.
وتحدث حلاج عن ضرورة إنهاء معاناة السنوات التسع الماضية، وإيجاد حل دائم لمشكلة المخيمات، عبر ترميم المنازل المتضررة جراء القصف وإعادة أهلها إليها، أو استبدال الخيام القماشية بـ”كرفانات” ودمج سكان المخيمات بالمناطق الحضرية، داعياً إلى الضغط السياسي على النظام من أجل تأمين عودة آمنة للنازحين إلى مناطقهم.
وعن أبرز الاحتياجات التي يجب توفيرها بشكل عاجل، قال براء صمودي، مدير منظمة “إحسان للإغاثة والتنمية” وهي إحدى مؤسسات “المنتدى السوري”، العاملة في الشمال السوري، إن المأوى الملائم والوصول إلى المياه الصالحة للشرب فضلاً عن خدمات التعليم والحماية المجتمعية من أبرز الاحتياجات الانسانية التي يصعب تأمينها في مخيمات النزوح، حيث تتركز معظم المساعدات الإنسانية الحالية حول تقديم الخدمات المنقذة للحياة فقط.
وكذلك تحدث عضو المكتب الإعلامي في منظمة “الدفاع المدني”، فراس خليفة، عن الحاجة لتبديل الخيام التالفة، وتأمين المياه الصالحة للشرب والاستخدام اليومي، وإقامة شبكة صرف صحي لدرء الأوبئة والأمراض والكوارث التي تواجهها المخيمات، خاصة العشوائية منها، والتي فاق عددها 366 مخيماً يقطنها 183 ألف نسمة.
ترقبٌ وتخوُّف
بينما تعاني المناطق الشمالية الغربية في سورية، من أزمات إنسانية متلاحقة على مدى سنوات، تأتي متغيرات طارئة تُنذر بمأساة أكبر قد تشهدها المنطقة، عقب تصويت مجلس الأمن على قرار تمديد تفويض الآلية العابرة للحدود، في يوليو/ تموز القادم، من أجل إيصال المساعدات إلى سورية، وسط مخاوف من فيتو روسي يعرقل القرار ويوقف الدعم الإنساني.
إذ تبنى مجلس الأمن الدولي، عام 2014، القرار رقم “2165”، وينص على إيصال المساعدات الإنسانية عبر الحدود السورية، وإلى ما وراء خطوط التماس في سورية، لمدة عام واحد قابل للتمديد، وعبر 4 معابر هي: باب السلامة وباب الهوى الحدوديين مع تركيا، والرمثا مع الأردن واليعربية مع العراق، حيث جرى العمل بالآلية ذاتها حتى مطلع عام 2020، وكانت تغطي ما لا يقل عن مليون سوري بحاجة للمساعدات الفورية.
إلا أن روسيا عرقلت قرار التمديد، مطلع العام الجاري، وفرضت سياستها بتقليص عدد المعابر من 4 إلى 2 (تبقى فقط باب الهوى وباب السلامة)، وتمديد القرار مدة 6 أشهر تنتهي في يوليو/تموز القادم.
مدير منظمة “إحسان للإغاثة والتنمية”، براء صمودي، يرى أن المنظمات العاملة شمال غربي سورية، سوف تواجه صعوبات جمة في حال توقف الدعم العابر للحدود عنها، مشيراً إلى أن تلك المنظمات لن تتمكن من تعويض فقدان الدعم، ما يضطرها إلى تقليص أنشطتها، وبالتالي تفاقم المعاناة الإنسانية لمئات آلاف السكان.
وأضاف صمودي أن بعض المنظمات المحلية غير الحكومية، ستُضطر إلى التوقف عن العمل، لكون الكثير منها تعمل بأقصى طاقتها بغية الاستجابة للنزوح غير المسبوق، منذ ديسمبر/ كانون الأول 2019، فيما ستفقد منظمات أخرى أيضاً إمكانية الوصول إلى سلاسل التوريد، ما يؤدي إلى نقص في العناصر المهمة، خاصة أن المساعدات الأممية تُشكّل نسبة كبيرة من إجمالي المساعدات الإنسانية المقدمة للسوريين شمال غربي البلاد.
واعتبر ذات المتحدث، أن تمديد قرار آلية المساعدات الأممية لسورية سيُمكّن المنظمات غير الحكومية العاملة في تلك المنطقة، من المساهمة الفعّالة في سد الاحتياجات الموجودة لدى السكان، بسبب النزوح وإجراءات مكافحة فيروس “كورونا” المستجد، إضافة إلى الظروف الاقتصادية الصعبة التي يمر بها السوريون نتيجة انهيار سعر صرف الليرة السورية.
وأكد فراس خليفة، عضو المكتب الإعلامي في “الدفاع المدني”، أن انقطاع المساعدات الإنسانية العابرة للحدود سوف يفاقم المعاناة ويزيد احتياجات النازحين من غذاء وأدوية ومستلزمات طبية، وأضاف “هناك فقر شديد بين المدنيين نتيجة التقلبات بسعر صرف الليرة السورية، وغلاء الأسعار في الأسواق، وسط عجز الكثيرين، خاصة النازحين، عن سد احتياجات عائلاتهم الأساسية”.
واعتبر خليفة أن تمديد قرار مجلس الأمن، المعني بالمساعدات العابرة للحدود، سوف يساند العمل الإنساني من منطلق “حصوة تسند جرّة”، ويُسهم في إكفاء المدنيين جزئياً وليس كلياً، على حد تعبيره، متحدثاً عن مخاوف كبيرة من انتهاء التفويض.
وتشير الأرقام الأممية إلى أن أكثر من 11 مليون سوري يحتاجون إلى مساعدات إنسانية، وأن الآلية العابرة للحدود تبقى حلاً عاجلاً وموقتاً لتلبية احتياجات السكان.
أرقام تُنذر بكارثة
وتؤكد منظمات إغاثية عاملة في الشمال السوري، أن كوادرها تبذل جهوداً مستمرة، لتلافي العجز، لكن امكانياتها لا تكاد تكفي لتخفيف ما أمكن من معاناة مئات آلاف المدنيين، في شمال غرب سورية.
وتشير بيانات صادرة عن مؤسسات “المنتدى السوري”، إلى تقديم مؤسساته الإغاثية، الدعم لأكثر من 174 ألف مستفيد خلال شهر مايو/ أيار الماضي، بين مواد غذائية وغيرها؛ ومشاريع خدمية، تتلخص في إزالة النفايات وإنشاء 51 خزان مياه، واستجرار أكثر من 62 ألف متر مكعب للمخيمات عبر الصهاريج.
غير أن تحديات الاستجابة للمنظمات الإغاثية، تبقى كما تقول، أكبر من قدرتها على سد الاحتياجات المطلوبة، إذ تشير البيانات الإحصائية الصادرة عن المنظمات الإنسانية العاملة في الشمال السوري، إلى حجم الكارثة الإنسانية ووقعها الكبيرين، مع وصول نسبة العجز في الاستجابة ضمن المخيمات إلى 47% في قطاع الأمن الغذائي وسبل العيش، وذلك حتى مايو/ أيار الماضي.
فيما تصل نسبة العجز في “قطاع المياه والإصحاح” في مخيمات الشمال إلى 58%، و77% في قطاع التغذية والصحة، و49% في قطاع المواد غير الغذائية، و43% في قطاع المأوى، و71% في قطاع التعليم، و62% في قطاع الحماية.