من أجل الأطفال..سيدات يتطوعن في صناعة الكمّامات بريف إدلب (صور)
تنقّلُ قماشاً زهري اللون بين زوايا المشغل تارةً، وتارةً أخرى تحرك آلة الخياطة اليدوية بيديها، وتضبطُ إيقاع الإبرة على أطراف قطعة قماشية صغيرة ستتحول بعد عدة مسارات في الخياطة إلى “كمّامة” تعدّ إلى أطفال صغار خلف مقعد دراسيّ، وسط أزمة تفشي فيروس “كورونا” في شمال غرب سورية.
على هذا الحال، تقضي إسراء بركات ساعات تطوعها في مشغل خياطة نسائي في بلدة كفريحمول شمالي إدلب، وتواظب منذ أيام على صناعة “الكمامات” المُخصصة لأطفال وطلاب الروض والمدارس في البلدة، في مبادرة تطوعية للمساهمة في الحد من انتشار فيروس “كورونا” المستجد مع اقتراب افتتاح العام الدراسيّ في إدلب.
معيلات لأسرهنّ
إسراء مهجّرة من مدينة خان شيخون جنوبي محافظة إدلب، خلال الحملة العسكرية الأخيرة لقوات الأسد وروسيا على المنطقة، ووصلت إلى بلدة كفريحمول مع عائلتها الصغيرة، قبل أن تقرر رفع سويتها في مجال الخياطة والتطوع في مشغل “زمرّدة” النسائي المتخصص في أعمال الخياطة.
تقول إسراء لـ”السورية.نت”: “بعد تهجيرنا من المدينة، نزحت إلى بلدة كفريحمول، ووصلني عن طريق مواقع التواصل إعلان عن دورة في مجال الخياطة في المركز، خضعت خلال 3 أشهر من التدريب لمختلف أنواع التدريبات في الخياطة والحياكة والأشغال اليدوية، وبعدها بدأت كمتطوعة في صفوف الفريق في المركز”.
تضيف: “كان لدي هاجس ألا أستسلم للنزوح، وأقف عند هذه المأساة، إلا أنّ انضمامي لفريق من السيدات المهجّرات والمقيمات ساعدني على تجاوز هذه المحنة والانخراط في المجتمع من جديد، لأن جميع من ذاق التهجير يدرك أثره النفسي على الشخص”.
وأدت ظروف التهجير إثر الحملات العسكرية من قبل قوات الأسد وروسيا على منطقة شمالي غربي سورية، إلى تدهور إضافي للحال المعيشي للعوائل المهجّرة بعد أن فقدت مدخولها الرئيسي من أرضٍ زراعية وعقارات ومنازل، كما كانت البطالة عائقاً صعباً أمامهم بعد رحلة النزوح.
تشير إسراء (أم لثلاثة أطفال) إلى أنّ انضمامها إلى أسرة مشغل الخياطة، يساعدها في تحمّل بعض مصاريف عائلتها من خلال صناعة بعض أعمال الصوف وخياطة الأثواب وبيعها بجهودٍ شخصية، حتى تضمن استمرارها مع مجموعة السيدات في المشغل.
ومن خلال العمل الشخصي في عالم الملابس والصوف والأشغال اليدوية التشغيلية، يحاولن متطوعات المركز تعويض غياب الدعم المالي واللوجستي عن المركز، إذ يعمدن إلى صناعة الملابس الصوفية وحياكتها وتطريز الأثواب والتسويق لها بين السكان، علّها تساهم في تخفيف الأعباء المادية عنهنّ وإعالة أسرهنّ بجزء يسير من المصاريف.
لا يختلف الحال كثيراً لدى صباح عبدو المتطوعة في المبادرة، التي التحقت بدورة تدريبية مدتها 3 أشهر أيضاً، وتشارك اليوم في صناعة الكمّامات.
تقول صباح لـ”السورية.نت”: “كان قراراً جماعياً أن نقدم شيئاً للأطفال في ظل أزمة كورونا المستجد ضمن المشغل التطوعي، وعملنا على إنتاج كميات جيدة باليوم”.
أرادت صباح من خلال انضمامها إلى المشغل أن تعتمد على نفسها في تأمين مصروف علاجها، إذ إنها تخضع شهرياً لعلاج وتتلقى أدوية بسبب إصابتها بـ”فقر الدم”.
حاجة ملحّة
توضح فاطمة هلال مديرة المركز ومشرفة الحملة، أنّ “مبادرة إنتاج الكمامات هي الثانية على التوالي في البلدة في ظل أزمة “كورونا” المستجد، وبعد الموجة الأخيرة لانتشار الفيروس، برزت حاجة ملحّة إلى إطلاق حملة تستهدف أطفال وطلاب المدارس، على اعتبار أنّ افتتاح المدرسة بات على الأبواب.
ومن المرجّح أن يصل إنتاج المتطوعات إلى 1500 كمّامة تستهدف بالمقام الأوّل أطفال الروض، وبعدها المدارس، ويرتهن الإنتاج وفقاً لما تقوله فاطمة بتأمين المواد الأولية للتصنيع، حيث لا يتلقى المركز أي دعم ويتولى تأمين المواد اللازمة للإنتاج.
وتضيف: “بحال وصلت إلينا مواد أوليّة من الممكن أن يتوسع الإنتاج ونتمكن من تزويد مختلف فئات المجتمع بالكمامات، لكن الإنتاج بالوقت الحالي محدود لمحدودية الإمكانيات المادية”.
وتأسس المركز قبل 3 سنوات، بمبادرة من 14 سيدة نازحة ومقيمة في البلدة، بهدف تأمين فرص عمل في مجال الخياطة والحياكة لسيدات معيلات لأسرهنّ، في وقتٍ يتطلع المشروع إلى جهة مانحة تدعم المركز وتؤمّن فرصة عمل ثابتة للمتطوعات.
ووصلت أعداد المتدربات في المركز على مدار 3 سنوات حوالي 100 متدربة، خضعن لتدريبات مركزة في مجال الخياطة وحياكة الصوف.
ويعاني القطاع الصحي في مناطق شمال غرب سورية، من تقصٍ كبير في المعدات والأجهزة والكوادر لمواجهة تداعيات انتشار الجائحة، خاصة مع تفشٍ جديد للفيروس خلال الأسابيع القليلة الماضية، ما دفع منظمات طبية وإغاثية في شمال غرب سورية لدق ناقوس الخطر.
وأكد بيان أصدرته 22 منظمة يوم السادس من سبتمبر/أيلول الجاري، أنّ جميع أسرّة المستشفيات ومراكز العزل المخصصة لـ”كورونا” ممتلئة تماماً، مع تزايد عداد الإصابات الذي تخطى حاجز الـ 1000 إصابة يومياً.