تشهد محافظة إدلب تصعيداً جديداً من طرف روسيا وقوات الأسد، واللتان بدأتا قصفاً جوياً ومدفعياً على مناطق سيطرة فصائل المعارضة في جبل الزاوية بالريف الجنوبي، وهي المنطقة التي حددها اتفاق “سوتشي” الأخير بالاسم، على أن تكون منطقة أمنية تتخللها معابر آمنة، على طرفي الطريق الدولي حلب- اللاذقية (m4).
وكانت آخر تبعات التصعيد صباح، اليوم السبت، إذ قصفت طائرتان حربيتان روسيتان بأكثر من 13 غارة أطراف بلدة سرجة التابعة لمدينة أريحا، وجاء ذلك عقب ساعات من قصف مدفعي لقوات الأسد، ما أسفر عن وقوع ضحايا وإصابات بين المدنيين.
ويعي سكان محافظة إدلب، بحسب ما عاصروه طوال السنوات الماضية، أن أي تصعيد بالقصف من جانب روسيا وقوات الأسد، يعتبر مؤشراً على قرب عملية عسكرية لقضم مساحات جديدة في الميدان، وهو أمر قاله قيادي عسكري في “الجبهة الوطنية للتحرير” في حديثٍ لـ”السورية.نت”.
وأضاف القيادي أن التصعيد بالقصف من جانب روسيا وقوات الأسد يعطي مؤشراً على عملية عسكرية برية، قد تبدأ في الأيام المقبلة.
وأشار إلى أن الروس يتطلعون للسيطرة على مدينة أريحا، والتي تركّز القصف عليها بشكل كامل، إلى جانب القرى التابعة لها، بينها سرجة التي طالتها الغارات، اليوم.
طريق مسدود بين أنقرة وموسكو
ولم يدفع التصعيد الذي تشهده إدلب في الوقت الحالي أياً من أنقرة وموسكو للتعليق، سواء بالسلب أو بالإيجاب.
واللافت أن القصف الجوي والمدفعي يأتي مع إقدام الجيش التركي على إخلاء نقطتي المراقبة في شير المغار في الريف الغربي، ومعر حطاط في الريف الشرقي، وهما نقطتان محاصرتان بشكل كامل، وكان قد سبقهما إخلاء نقطة المراقبة في مورك بريف حماة بشكل كامل.
ولم يصدر أي موقف رسمي من أنقرة حول أسباب سحب نقاط المراقبة التركية حتى الآن.
وحسب ما رصد فريق “السورية.نت” على وسائل الإعلام الروسية، فإنها بدأت بالترويج لعملية عسكرية جديد، غير واسعة، في الأيام المقبلة في محافظة إدلب، من أجل إكمال بنود اتفاق “سوتشي” الأخير، على رأسها فتح الطريق الدولي (m4).
وفي حلقة من برنامج “أبعاد روسية” على قناة “روسيا اليوم”، أمس الجمعة، تحدث الباحث في المجلس الروسي للشؤون الدولية، كيريل سيميونوف عن توتر روسي- تركي كبير، بسبب وصول الطرفين إلى طريق مسدود، بشأن تطبيق بنود اتفاق “سوتشي”.
وقال الباحث: “الحديث الروسي يدور اليوم على أن اتفاقيات سوتشي التي تم التوافق عليها لا تنفذ بشكل كامل، وكل الشروط لا تقوم تركيا بالالتزام بها، بينها التخلص من هيئة تحرير الشام، وفصلها عن باقي الفصائل المعتدلة”.
وأضاف الباحث أن النقطة العالقة بين الروس والأتراك، والتي دفعت إلى التصعيد الحالي هي عدم فتح الطريق الدولي (m4)، مشيراً “وفقاً لعمل الشرطة الروسية ووجهة نظرها فإن أنقرة لم تتمكن من إخراج المسلحين من منطقة جبل الزاوية، وهذا يعتبر إشارة إلى أنقرة لم تلتزم باتفاق إدلب”.
وكان أردوغان وبوتين قد اتفقا، في مارس 2020، على وقف إطلاق النار في إدلب، عقب محادثات استمرت أكثر من خمس ساعات بحضور كبار مسؤولي البلدين.
وقرر الطرفان تسيير دوريات على الطريق الدولي حلب- اللاذقية (M4) مع إنشاء “ممر آمن” بمسافة ستة كيلومترات شمال الطريق ومثلها جنوبه، وبالتالي مرور الدوريات المشتركة الروسية- التركية من مدن وبلدات تحت سيطرة المعارضة، كأريحا وجسر الشغور ومحمبل وأورم الجوز.
الـ12 كيلومتراً على طرفي الطريق، اقتطعت، وفق الاتفاق، مساحات كبيرة من مناطق سيطرة المعارضة، على طول الطريق بين قريتي ترنبة غرب سراقب (ريف إدلب الشرقي)، وعين الحور بريف إدلب الغربي، وهما بداية ونهاية مناطق تسيير الدوريات التركية- الروسية، وهو “الممر الآمن”.
وبحسب خريطة الاتفاق الأخير لـ”سوتشي” فإن منطقة “جبل الزاوية” هي المنطقة التي يدور الخلاف حولها بين أنقرة وموسكو، والتي كانت الأولى قد حشدت فيها قواتها العسكرية بشكل كبير، منذ شهرين وحتى الآن.
وتوقع الباحث الروسي أن تقدم روسيا وقوات الأسد على عملية عسكرية “غير كاملة”، بسبب تمركز القوات التركية في منطقة جبل الزاوية (أكثر من 20 ألف مقاتل مع فصائل المعارضة)، مشيراً “العدد الكبير من المقاتلين بحاجة إلى عملية كبيرة لحلها، وهذا لن ينجز إلا بعمل مشترك بين روسيا وتركيا”.
ماذا عن نقاط المراقبة التركية؟
وتطرق الباحث الروسي إلى الأسباب التي دفعت أنقرة لسحب نقاط المراقبة الواقعة في مناطق سيطرة نظام الأسد، بينها مورك بريف حماة، وفي الوقت الحالي “شير المغار” في الريف الغربي، و”معرحطاط” في الريف الشرقي لإدلب.
واعتبر الباحث أن “أنقرة وجدت اللحظة الملائمة لسحب النقاط في الوقت الحالي”.
وتكمن أسباب سحب النقاط، بوجهة نظره، في محاولة من تركيا إبعاد أي خطر أو ضغط عليها، في حال بدأت العملية العسكرية من جانب قوات الأسد وروسيا.
ولفت الباحث الروسي إلى أن ما تشهده إدلب لا ينفصل مع ما تشهده مناطق شرق الفرات من توتر أيضاً، رابطاً عدم الانسحاب من “m4” بعدم انسحاب “وحدات حماية الشعب” (الكردية) من الحدود الشمالية لسورية، وهو ما أفضى إليه اتفاق “سوتشي” أيضاً في نسخته الخاصة بشرق سورية، والموقع في عام 2019.
وتريد موسكو فتح طريق حلب- اللاذقية (m4)، والذي تتوسطه أريحا، المدينة التي تحظى بموقع استراتيجي، من شأنه أن يغير المعادلة العسكرية في الجنوب الإدلبي بشكل كامل.
وكانت الأمم المتحدة، قد أدانت أمس الجمعة، أعمال قصف أسفرت عن مقتل ثمانية مدنيين على الأقل في إدلب، وذلك في مؤتمر صحافي عقده ستيفان دوجاريك، المتحدث الرسمي باسم الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريس، بالمقر الدائم للمنظمة الدولية في نيويورك.
وقال دوجاريك إن نائب المنسق الإقليمي للشؤون الإنسانية في الأمم المتحدة للشأن السوري، مارك كاتس قلق للغاية من التصعيد الحاد في أعمال العنف في إدلب.