وجّه شباب السويداء خطاباً يوم الجمعة الماضية إلى ما تبقى من الأدوات الوحيدة التي يمكن لنظام الاستبداد أن يستخدمها في مواجهة حراكهم السلمي. وعبارة “الوحيدة” تعني ها هنا أن جعبته قد فرغت من الحجج التي استخدمها تقليدياً لقمع السوريين: فلا حجة اتهامهم بالإرهاب تستقيم، ولا الفتنة بين سهل حوران وجبل العرب نجحت، ولا الخطف أتى بالنتيجة المرجوّة، ولا التهديد والوعيد أرعبهم، ولا التجويع أركع الناس أو أخرسهم؛ ومن هنا أتت عبارتهم: “يحتار النظام في طريقة تعامله معنا”.
يدرك هؤلاء الشباب أن الحجج التي ساقها النظام لقتل رفاقهم في سائر أنحاء سوريا، لم يعد لها سوق؛ وخاصة في السويداء؛ فداعش والنصرة والوهابية قد تنطلي على البعض في أمكنة مختلفة في سوريا إلا في السويداء. كما يدركون أنه يصعب على النظام أن يكسر مقولة “حماية الأقليات” المستَلطفة في الغرب، التي طالما دغدغ فيها مشاعراً دولية كحامٍ للأقليات.
بعد تقديم الاحترام، يذكّر الشباب الزعامات التقليدية وبعض المشايخ في المحافظة بأنهم للأسف كانوا أداةً اختارها النظام لقمع صوت الحرية والكرامة والانعتاق من الاستبداد، عندما يقولون لهم: “نعرف أننا وضعناكم في موقف حرج”. وهنا يستشعرون إرباك هؤلاء وتمزقهم بين المبادئ والقيميات التي تبقيهم في سدة قيادة محيطهم، والتحكم به أخلاقياً من جانب؛ والسلطة القمعية التي حوّلتهم إلى وكلاء وعيون وممثلين لها بين “ناسهم” من جانب آخر. ويلخص الشباب ذلك بخطابهم: “نعرف أنكم بين مطرقة السلطة، وسندان الوقوف بوجه أهلكم”؛ ولكنهم يحسمون لهم الأمر بالإصرار على قرار الحرية الصعب. وبكل نُبْلٍ يعفونهم من تحمل مسؤولية مناصرة خيارهم كقدوة “مفترضة”، شريطة ألا يطعنوا بهذا الخيار، لأنه قرار الحق؛ ويدعونهم ألا يناصروا القهر والظلم، مذكرين تلك الزعامات بأنهم “أهل الحق”. وهنا أيضاً يخاطبونهم بالقول: “لا تسمحوا للمعتدي أن يستخدمكم حجة لهدر دمنا”. وبذا نجدهم يحملون مَن يخاطبونهم المسؤولية، إذا تم الاعتداء على الشباب، باستخدام تلك الزعامات والمشايخ أداة وذريعة لتنفيذ مآرب قمعية. ولا يفوت الشباب بخطابهم أن يقدموا وساماً تاريخياً لهم كـ “حٌماةٍ للحقوق ملتزمين بالدستور والقانون؛ عندما يقولون لهم: “سيسجّل التاريخ لكم، أنكم حميتم حرية شبابكم وحقوقهم المشروعة دستورياً وقانونياً”.
تتسع دائرة هدف الخطاب ليكون لعموم سوريا فاضحاً ممارسات منظومة الاستبداد في الفساد والإفساد والإفقار الذي طال البلد وأهله. وهنا يسلّطون الضوء على ممارسات النظام ببيع أرض الوطن، ونهب ورهن مقدّراته من أجل البقاء؛ واستحالة السكوت عن ذلك. وفي هذا الصدد يقول خطابهم عن زمرة النظام: “إنهم يريدون جيلاً يرى أرضه ومنشآته العامة تُباع، ومقدرات وطنه تُنهَب؛ ومع ذلك يصمت”.
يفضح خطاب شباب السويداء أنانية تلك السلطة وانتهازيتها؛ حيث تطلب من الناس الصمت على تلك الجرائم، والصمود في وجه تلك الكوارث التي تحلُّ بأهل سوريا. وفي الوقت ذاته يذكرون بأن “أبناءهم (أبناء مَن في السلطة) لا يعانون معاناتنا، ولا يخافون على مستقبلهم؛ في حين يطلبون من الناس أن تصمد”؛ بينما هم وأولادهم يتمتعون بالحاضر الرغيد، والمستقبل المضمون. وهنا يرون أن من واجبهم العلنية وعدم المواربة تجاه ما يحدث في سوريا، ويقولون: “إننا لن نختبئ وراء إصبعنا”. بأذهانهم- كما في ذهن كل سوري- لم يعد الصمت يجدي، ولا عاد الاختباء وراء الإصبع مقبولاً، ولا عاد مسلك النعامة لائقاً؛ فلا تُبنى الأوطان إلا بالصراحة والشفافية والمكاشفة وفضح الأخطاء والنقد البناء.
يطالب شباب السويداء بحقهم الطبيعي في تحميل المسؤولية لمن يجب أن يحملها. فلا أيديهم فعلت ذلك بسوريا، ولا مؤامرة أو قوة خارجية استطاعت أو تمكنت من فعل ذلك. وهنا يعبّرون عن حقّ وحرية الكلمة بتحميلهم المسؤولية للمرتكب؛ ويقولون: “لن نخاف مِن تحميل المسؤولية لمن يجب أن يحملها”. وكي لا يحمّلوا أحداً أوزاراً، أو يكرروا أخطاءً ارتُكبَت سابقاً في الحراك الثوري؛ يَعِدُ الشباب بترتيب أوراقهم، ويوسّعوا طيف مطالبهم الحق بالوطن الذي يريدون، ويحددون شكله كوطن مدني، أداته الديمقراطية، وشعاره الحق والقانون؛ ويقولون: “سنرتّب أوراقنا بما يرضي الوطن والديموقراطية والمدنية والحق”.
لقد قدّم شباب السويداء بياناً للوطن؛ قدموا ملامح مشروع لسوريا، لا للسويداء. لقد ذكّروا أهل سوريا ببيان الثورة السورية الكبرى؛ والذي كان عنوانه / إلى السلاح/؛ إلا أن عنوان بيانهم كان: (إلى الحرية…) إلى وطن يكون فيه الإنسان قيمة القيم؛ وطن يحكمه القانون لا شريعة الغاب؛ وطن تكون فيه كرامة السوري ودمه فوق كل اعتبار؛ وطن قيَّمُهُ الحكمة والخبرة والمعرفة والعمل، لا الخوف والتزلف والولاء الغبي؛ وطن لا يُباع للحفاظ على كرسي التسلط؛ وطن لا يحتكر خيراته عصابة تهدده بلقمة عيشه؛ وطن خيراته ومقدراته له، لا لعصابة تتحكم برقاب العباد والبلاد؛ وطن لا يُقَدَّس فيه إلا الله معبودا، والقانون مستندا، والديموقراطية منهجا، والحرية روحا.
المواد المنشورة والمترجمة على الموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر مؤسسة السورية.نت