ما بين شهري آب الماضي وأيلول الحالي توجهت الأنظار إلى موسكو، التي شهدت عدة تحركات من لقاءات ومذكرات تفاهمات، ارتبطت بمناطق شرق الفرات، وصبت في جزءٍ منها في قنوات الحل السياسي لسورية، والتي لاتزال حتى اليوم غير مفتوحة، في ظل تعويلٍ كاملٍ على اجتماعات اللجنة الدستورية السورية، والتي من المفترض أن تضع دستوراً جديداً لسورية، قد يؤسس لعملية سياسية وانتخابات “نزيهة”، وفق قرار مجلس الأمن 2254.
ورغم أن اللقاءات والتفاهمات، التي شهدتها موسكو قد ارتبطت بشكلٍ أو بآخر بالمنطقة الشرقية من سورية، وأخذت أبعاداً لطبيعة العلاقة بين أمريكا وروسيا، إلا أنه لا يمكن فصلها عن الجو السياسي العام لسورية، والذي يشهد في الوقت الحالي “سباتاً”، وسط الحديث عن نية موسكو إيجاد أرضية مشتركة بين مختلف المكونات في سورية، من أجل رسم تفاصيل حلٍ سياسي يوافق رؤيتها، ويعبر من موسكو فقط.
آخر اللقاءات كانت، في اليومين الماضيين، إذ استقبل وزير الخارجية سيرغي لافروف وفد “جبهة السلام والحرية” برئاسة أحمد الجربا، وهو تشكيل أعلن عنه شرق سورية، في حزيران الماضي، في إطار تحالف يضم أربعة كيانات سورية معارضة هي: “المنظمة الآثورية الديمقراطية” و”المجلس الوطني الكردي” و”تيار الغد السوري” و”المجلس العربي في الجزيرة والفرات”.
زيارة وفد “جبهة السلام والحرية” إلى موسكو فتحت باب تساؤلات عن هدف روسيا من هذه اللقاءات، ولاسيما أنها كانت قد رعت، في الأسابيع الماضية، توقيع اتفاق بين “مجلس سوريا الديمقراطية” وحزب “الإرادة الشعبية” برئاسة قدري جميل، في خطوات عزاها محللون إلى محاولات روسية لتعزيز حضورها في شرق الفرات، ولسحب البساط من تحت الولايات المتحدة الأمريكية في المنطقة، ولاسيما في الوقت المستقطع الذي تعيشه حالياً، في ظل الانتخابات الرئاسية.
من هي جبهة “السلام والحرية”؟
قبل تشريح أسباب زيارة وفد “جبهة السلام والحرية” إلى موسكو، لا بد من التوقف على الركائز التي تأسست عليها، وخاصةً أنها كيان حديث، وجاء بأهدافٍ فضفاضة، وفي وقت تتضارب فيه الرؤى الدولية حول أي حل سياسي مقبل في سورية.
أعلن عن الجبهة في أواخر شهر تموز الماضي، من تحالف كل من “المجلس الوطني الكردي” في سورية، و”تيار الغد السوري” الذي يتزعمه رئيس الائتلاف السابق، أحمد الجربا، و”المنظمة الآثورية الديمقراطية” و”المجلس العربي في الجزيرة والفرات”.
وحسب بيان التشكيل فإن “جبهة السلام والحرية، هي إطار لتحالف سياسي بين عدد من القوى السياسية السورية، التي تسعى لبناء نظام ديمقراطي تعددي لا مركزي، يصون كرامة السوريين وحريتهم، لا مكان فيه للإرهاب والتطرف والإقصاء بكلّ أشكاله وتجلياته، تعمل وفقا للمبادئ والأهداف التي تم تضمينها في الرؤية السياسية”.
وأكد البيان أن “جبهة السلام والحرية تدعم الحل السياسي في سورية، وفق قرارات الشرعية الدولية وأهمها قرار مجلس الأمن 2254، وبيان جنيف1″، مشيراً إلى أن الجبهة “منفتحة على الحوار والعمل المشترك مع أطياف المعارضة السورية”.
من جهته قال الجربا في كلمته أثناء التأسيس، إنه “في إعلاننا هذا نخرق جدار اليأس ونعلنها مدوية بالأفعال، لا الأقوال، إن سياسة الكانتونات المتناحرة ليست قدراً، والفتنة ليست قضاءً محتوماً، وتمزيق سورية لن يمر، وإذا كان البعض أراد أن يكون تفتيت نسيج الشعب السوري مدخلاً لتقسيم دول المنطقة، فها نحن نُسقط رهاناتهم من قلب سورية وباجتماعنا هذا”.
وجاء تشكيل الجبهة في ظل تحركات متسارعة تشهدها مناطق شرق سورية، من قبل الأطراف الفاعلة على الأرض، وهي تحركات لا تبدو أبعاد اللاعبين فيها واضحة تماماً حتى الآن، سواء التي تسير عليها أمريكا وروسيا من جهة، وتركيا من جهة أخرى، وهي الدول الفاعلة في المنطقة، والتي بدورها تدعم قوىً محلية على الأرض.
كلمة السيد أحمد الجربا خلال أعمال الاجتماع التأسيسي لجبهة السلام والحرية
كلمة السيد أحمد الجربا خلال أعمال الاجتماع التأسيسي لجبهة السلام والحريةبسم الله الرحمن الرحيمبعد كل الخراب والدمار الذي لحق بالبنية الإجتماعية والثقافية والروابط الأخوية التي جمعت الشعب السوري منذ مئات السنين. ما زال ما يجمعنا أكبر من كل المحاولات التي سعت الى ضرب بنية بلدنا، ومازلنا اقوى من المؤامرات التي حيكت فوق بحرٍ من دماء شعبنا. وما زالت يدنا اعلى من كل أيادي العبث الخارجية التي سعت الى جعل سوريا مجرد صندوق بريد للرسائل الدولية والأقليمية… ولم ولن تنجح.إن ما تشهده المنطقة من مآسي وما تواجهه سوريا من أزمات متتالية، يدفعنا الى مزيد من اليقظة للتنبه لما يُحاك لنا في الأروقة الأقليمية والدولية.وإني أرى في ما يحصل مؤخراً جرس إنذار كبير لنا جميعاً لكي نقف وقفة تأمل بكل ما حصل في العقد الأخير وما يحصل اليوم، وهو الأخطر على الإطلاق، فانظروا حولنا وستجدون السعي الحثيث الى تمزيق العراق، وعودة لغة التقسيم الطائفي البشعة الى لبنان، والعمل الحثيث لتدمير الدولة الليبية وتوزيعها بين القبائل، والتفتيت الطائفي والتقسيم الممنهج لليمن، وتحريك أيادي الارهاب الخبيثة في سيناء ، إضافة الى السعي المتواصل واليومي لتحويل سوريا الى كانتونات متناحرة، وجعل الفوضى نمط حياة يومي، وتكريس الفرقة كجزء من الحياة السياسية للسوريين، واعادتنا بالتالي الى حقبات تخطيناها وطويناها ونسيناها.وفي ظل هذا المشهد الذي يعصف بسوريا والمنطقة، نلاحظ حالة من الجمود السياسي ومن الاستسلام،( تلف حالة اهلنا في سوريا)، حتى وصل الياس الى آوجٌه، وداهم الكثير من قوانا واحزابنا وفعالياتنا.ونحن اليوم وفي إعلاننا هذا نخرق جدار اليأس ونعلنها مدوية بالأفعال، لا الأقوال، إن سياسة الكانتونات المتناحرة ليست قدراً، والفتنة ليست قضاءً محتوماً، وتمزيق سوريا لن يمر، واإذا كان البعض أراد ان يكون تفتيت نسيج الشعب السوري مدخلاً لتقسيم دول المنطقة، فها نحن نُسقط رهاناتهم من قلب سوريا وبأجتماعنا هذا .نقف اليوم بإختلاف الواننا كرد واشوريين وعرب، وعلى تنوع مشاربنا ومذاهبنا، لنعلن إن وحدة الشعب السوري تعلو ولا يُعلى عليها، وإن الرهان على إستفرادنا لإسقاطنا وإخضاعنا، قد سقط الى غير رجعة.إن فعل الايمان الذي نسطره اليوم هو تجسيد حي لكل سوري، ليتأكد ان وحدتنا هي قدرنا ومسارنا الذي يرسم مصيرنا المشترك.إنه فعل ايمان وبارقة أمل لكل إخواننا في المنطقة لرفض كل اشكال التناحر التي تهدف الى إستضعافنا للسيطرة على مقدراتنا وترك بلادنا نهباً لمشاريع التخريب والاستيلاء الخارجية، إضافة الى مشاريع الإرهاب المعلب والمحمول،، بايدٍ مضللة، او مستتبعة وأجيرة.نقف اليوم لنقول لأهلنا الكرد في سوريا، إن مصيرنا مشترك وتاريخنا يشهد وحاضرنا يؤكد الشهادة ويسجلها على جبين التاريخ… نعم التاريخ، الذي نكتب اليوم بأجتماعنا هذا واحدة من أنصع صفحاته وأكثرها نبلاً وشجاعة وإستبصاراً للمستقبل.كما إننا نقول من خلال صوت أهلنا الأشوريين، للعالم كله إننا شعب الإنفتاح والتعدد الذي أغنى الثقافة البشرية من عهد الملك شلمنصر الأول و سرجون الثاني و حضارة آشور و نينوى و تل ليلان وما زال، وإن صفحة الإرهاب التكفيري هي عارض زائف ودخيل على ثقافتنا المبنية على التسامح منذ فجر تاريخ هذه المنطقة، والدليل إننا نقف اليوم مع إخوتنا الكرد و الأشوريين بعد عيش واحد موحد إستمر الآف السنين، ولم يٌعكِر صفوه أي فِكر إلغائي، مايؤكد إن التكفير هو الدخيل وهو البدعة، وهو اللقيط الذي لوث عيشنا. وسنطرده كما طردنا الإحتلالات التي إعتدت على أرضنا، لنطهر هذه الأرض بوعي أهلها ووحدة كلمتهم… وستبقى كلمتنا هي العليا ولو كرِه الطامعون ولو كرِه الارهابيون …… لأن سوريا الحضارة والعيش الواحد باقية مهما كادوا ومهما حاكوا.أيتها السيدات أيها السادة إن إنطلاق عجلة هذه الجبهة هي ليست بين حلفاء الضرورة بل بين حلفاء الطبيعة، إن تشكيل جبهة السلام والحرية بين المجلس الوطني الكردي و المنظمة الآثورية و المجلس العربي للجزيرة و الفرات و تيار الغد السوري بما تُمثل هذه المجاميع و الأحزاب من قاعدة جماهيرية و وجود مجتمعي داخل سوريا و قوى سياسية مشاركة في كل اُطر المعارضة الرسمية و لما لها من بُعد إقليمي هم في الواقع حلفاء طبيعيين لدرء المخاطر و الفتن المحيطة بسوريا و المنطقة و الحِفاظ على السلم الأهلي ففي تعاضدنا قوة و ما يجمعنا أكثر مما يفرقنا خاصةً أن الحل الأمني الذي مارسه النظام منذ عقدٍ من الزمان أثبت فشلاً ذريعاً وإن الإصرار عليه سيحول سوريا الوطن إلى دولة فاشلة وبائسة و جميعنا مؤمنون بأن الحل السياسي هو الطريق الوحيد لحل المسألة و المقتلة السورية و أن القرار الأممي رقم ٢٢٥٤ و القرارات الدولية ذات الصلة و كتابة دستور جديد يكون عماده مساواة جميع المواطنين والمكونات والقوميات في الحقوق والواجبات يقبل به الشعب السوري في إستفتاء عام هو النهج الأفضل لقيام سوريا من جديد.فما دبروه لنا في ليلٍ مُظلم ها نحن نمحوه اليوم في وِضح هذا النهار الذي يُبشر بشروقٍ جديد وما النصر إلا من عند الله الذي قدٌر لنا أن نعيش معاً ونعمل معاً… لننتصر معاً
Gepostet von أحمد عوينان عاصي الجربا am Dienstag, 28. Juli 2020
موسكو ليست أولاً
زيارة “جبهة السلام والحرية” إلى موسكو ليست الأولى مع طرف دولي فاعل في سورية، بل سبقتها زيارات، كان أبرزها بعد أيام من إعلان التشكيل، في السابع من آب الماضي، إذ التقى ممثلون عنها مع ممثلة الولايات المتحدة الأمريكية في شرق سورية، زهرة بيل.
كما التقى أحمد الجربا، وهو أحد الشخصيات الفاعلة فيها، منذ ثلاثة أسابيع في مدينة إسطنبول التركية مختلف القوى السياسية المعارضة، وذلك بحسب ما قال مصدر مطلع لـ”السورية.نت”.
واصف الزاب عضو الجبهة عن “المجلس العربي في الجزيرة والفرات” كان مشاركاً في الزيارة التي شهدتها موسكو، مع وزير الخارجية، سيرغي لافروف.
يقول الزاب لـ”السورية.نت” إن زيارة موسكو تأتي ضمن “برنامج عمل جبهة السلام والحرية، الذي تم وضعه منذ اليوم الأول للتأسيس، من أجل للقاء كل الدول المؤثرة في الملف السوري، والقوى الدولية والإقليمية، لشرح وجهة نظر الجبهة”.
ويضيف الزاب أن زيارة الوفد إلى موسكو جاءت أيضاً للتعريف بـ”جبهة السلام والحرية”، وأهدافها ورؤيتها ونظرتها بالنسبة للحل في سورية، مشيراً “يحب على الجميع أن يعرف مكونات الجبهة، وعلى ماذا توحدت”.
ناقش وفد الجبهة عدة قضايا مع وزير الخارجية الروسي، كما أكد “على ضرورة إسراع روسيا لإيجاد حل ينهي معاناة السوريين معيشياً وإنسانياً في كل المناطق”، وطالب بالإسراع بدفع العملية السياسية وخاصة الدستور وكتابته، إلى جانب وضع جدول زمني لإنجاز الدستور، “لأن العملية تتم ببطء شديد”.
ويوضح الزاب أن الروس أبدوا دعمهم للجنة الدستورية، لكنهم قالوا إنها تسير ببطء، كما أشاروا إلى أنهم يريدون الوصول للانتخابات الرئاسية في 2021، على أن يشارك فيها نظام الأسد والمعارضة السورية.
سحب المكونات من “الحضن الأمريكي”؟
من جانب آخر، وعلى خلاف ما أعلن عنه بصورة رسمية سواء من موسكو أو “جبهة السلام والحرية” اعتبر مصدر مطلع من شرق سورية لـ”السورية.نت” أن الزيارة تصب في محاولات موسكو لسحب مكونات المعارضة من “الحضن الأمريكي”، وهو أمرٌ ينسحب إلى عملية الاستفراد بقرار الحل السياسي، بعيداً عن القرار الدولي 2254.
ووصف المصدر “جبهة السلام والحرية” بـ”الائتلاف المصغر”، ولاسيما أنه يضم مختلف المكونات، مشيراً إلى أن موسكو تحاول في الوقت الحالي البحث عن حل سياسي “مستعجل”، مستغلةً بذلك الوقت المستقطع الذي تعيشه الولايات المتحدة الأمريكية، وفي محاولةٍ منها لكسب الوقت، مع اشتداد العقوبات على نظام الأسد.
وتأكيداً لحديثه السابق أشار المصدر إلى أن الروس وجهوا فكرة لـ”جبهة السلام والحرية” في أثناء الزيارة هي أن “أمريكا تحاول تعزيز الانفصال في سورية، وتضغط باتجاه ذلك”.
تنسيق أم تضارب
على خلاف الفكرة السابق يرى عضو “المجلس الوطني الكردي”، فؤاد عليكو أن الروس “لديهم ضوء أخضر أمريكي حالياً بملف سورية، لكن ضمن شروط محددة، منها أمن إسرائيل وإخراج إيران ومحاربة داعش، وإيجاد طرق للحل السياسي، بالإضافة إلى المقاربة مع القرارت الدولية”.
ويضيف عليكو لـ”السورية.نت” أن الروس يتحركون على عدة اتجاهات للوصول إلى حل سياسي يتوافق مع رؤيتهم، معتبراً أن زيارة “جبهة السلام والحرية” يمكن أن تكون في إطار تنسيق أمريكي- روسي.
وفيما يخص مناطق شرق الفرات يشير عليكو إلى أن “روسيا تحاول إيجاد أرضية مشتركة بين مكونات المنطقة للتفاهم حول شكل الإدارة الحالية، وحول الحل السياسي المستقبلي، وفي هذه النقطة يتقاطع الروس والأمريكان في ذلك”.
ويؤكد عليكو أنه لا يستبعد أن تكون اللقاءات في إطار تنسيق بين الروس والأمريكان، وفي حال عكس ذلك فإن الوضع سيكون معقداً، دون معرفة ما ستكون عليه المرحلة المقبلة، سواء على الأرض أو على صعيد الحل السياسي.