بدت الهطولات المطرية في الشمال السوري “مبشرة” للفلاحين هذا العام، مع بدء موسم حصاد القمح، متأملين بتعويض الخسائر التي لحقت بهم خلال السنوات الماضية من عمر الحرب والقصف والتهجير.
إلا أن سعر القمح جاء “مخيباً للآمال” بالنسبة للفلاحين، كونه لا يغطي سوى تكلفة الإنتاج في بعض المناطق، في ظل ارتفاع كلف الزراعة وتردي الأوضاع المعيشية لسكان تلك المناطق.
يقول أسعد العيد، أحد الفلاحين الذين تهجروا من منطقة أبو ظهور شرقي إدلب، إلى منطقة سرمدا شمال المحافظة، إنه حرص على نقل مهنة آبائه وأجداده إلى المكان الجديد الذي انتقل إليه.
لكنه “اصطدم” بارتفاع الكلف الزراعية، حسب تعبيره، مضيفاً في حديثه لـ “السورية نت” أنها “لا تتناسب مع أسعار المنتجات”.
“أسعار منخفضة لا تغطي التكلفة”
بحسب أسعد العيد (30 عاماً)، بدأ المزارعون في إدلب الاتجاه نحو المحاصيل الزراعية ذات التكلفة الأقل والإنتاج الأكبر، كالمحاصيل العطرية والطبية مثل الكزبرة والكمون والحبة السوداء.
واعتبر أن زراعة القمح باتت أشبه بـ”الخسارة” بالنسبة للفلاحين، خاصة لهذا الموسم، الذي كان الفلاح يأمل أن يعوض خسارته فيه.
ويشتكي عدد من المزارعين في إدلب من تدني سعر القمح الذي حددته “حكومة الإنقاذ” لهذا العام، مقارنة بالعام الماضي.
حيث حددت “الإنقاذ” سعر الطن الواحد بـ 320 دولاراً، بعد أن كان 450 دولاراً العام الماضي.
لكن، وبحسب مزراعين، ارتفعت الكلف الزراعية هذا العام، وبات العمل يغطي تكلفة الإنتاج فقط ويصل أحياناً لحد الخسارة، حسب قولهم.
وحول تكلفة الزراعة، يقول أسعد العيد إن الهكتار الواحد في منطقة إدلب تصل تكلفته إلى ألف دولار، وذلك حسب ما إذا كانت تجهيزات الري متوفرة في الأرض أم لا، من بئر وطاقة شمسية، وغيرها من الأمور التي بات المزارعون يعتمدون عليها بشكل كبير.
ويفصّل العيد التكلفة بقوله: “يشتري المزارع البذار بـ510 دولارات للطن الواحد، ويبلغ سعر كيس السماد 20 دولاراً، ويحتاج قرابة 80 دولاراً من المبيدات الحشرية، ويلحقه أجور الحراثة والسقاية وأجور عمال لتنظيف الأرض، فتصل تكلفة الهكتار بالمجمل لـ1000 دولار أمريكي”.
من جانبه، قال تمام الحمود، مدير الزراعة في إدلب، إن سبب انخفاض تسعيرة القمح لهذا العام في إدلب، يعود إلى نشرة أسعار القمح العالمية.
ولفت في حديثه لـ “السورية نت” إلى أن ما حدث العام الماضي من ارتفاع باهظ للأسعار، كان “خارج المألوف”.
مشيراً إلى أن أسعار القمح وصلت لمستويات مرتفعة العام الماضي، بسبب الحرب الأوكرانية الروسية، وارتفاع تكاليف الشحن وفرض الدول حظر على صادرات القمح بسبب الحرب.
زيادة المساحات المزروعة في إدلب
تحدث مدير الزراعة في إدلب، تمام الحمود، عن زيادة المساحات المزروعة بالقمح هذا العام مقارنة بالعام الماضي، نتيجة السياسة التي اتبعتها وزارة الزراعة والري، عبر مراجعة المساحات والإنتاج في الأعوام السابقة.
وأوضح أنه في موسم 2020/2021 كانت المساحة المزروعة 9700 هكتار بواقع إنتاج وصل إلى 33500 طن.
وفي موسم 2021/2022 وبعد تقديم القرض العيني من قبل الوزارة، بلغت المساحة المزروعة بالقمح 29800 هكتار، بواقع إنتاج وصل إلى 82 ألف طن.
أما في الموسم الحالي، وصلت المساحة المزروعة بالقمح إلى 32800 هكتار، وسط توقعات أن يصل الإنتاج إلى 99 ألف طن.
ومع ذلك، يقول تمام الحمود إن هذا الإنتاج لا يكفى سوى لبضعة أشهر، ويستخدم فقط في الأزمات، كونه يحافظ على الأمن الغذائي للمنطقة، حسب تعبيره.
وتتلقى منطقة شمال غرب سورية مادة الطحين كمساعدات إنسانية من قبل المنظمات العاملة في المنطقة، ما خفف من أعباء تأمين مادة الخبز على السلطات الموجودة.
إلا أن المزارع لا يزال يعاني من تحديات ارتفاع التكاليف التي لا تتناسب مع سعر المبيع، كما أن الحكومات تأخذ حاجتها من القمح، أما بقية الإنتاج يباع في السوق السوداء عن طريق التجار وبسعر أقل.
موسم القمح في الشمال والشرق
في ريف حلب وعلى عكس إدلب، بدا الإقبال على زراعة القمح “كبيراً”، بعد العزوف عن زراعته لسنوات، والاهتمام بالمزروعات الطبية والعطرية كالحبة السوداء والكزبرة والكمون.
وفي حديثه لـ “السورية نت”، يقول مدير الزراعة في “الحكومة المؤقتة” حسن الحسن، إن مساحة الأراضي المزروعة بالقمح شمالي حلب (منطقتي درع الفرات وغصن الزيتون) بلغت 18969 هكتار مروي و19907 بعلي.
أما المساحة المزروعة في رأس العين بريف الحسكة بلغت 23 ألف هكتار مروي و19 ألف هكتار بعلي.
وأضاف الحسن أن الإنتاج المتوقع لتلك المناطق هو 250 إلى 300 ألف طن.
وقال: “يمكن أن يحقق الإنتاج نسبة كبيرة من الأمن الغذائي في حال توفر القدرة لشراء كامل الكميات المنتجة”.
وبحسب الحسن فإن مديرية زراعة حلب نفذت مشروعاً لدعم المزارعين بإنتاج محاصيل القمح والخضار شمالي حلب، حيث تم دعم 2000 مزارع بالبذار والسماد المركب لزراعة 4000 هكتار من القمح.
وعن التحديات التي تواجه الفلاح يقول الحسن إن “ارتفاع أسعار مدخلات الإنتاج كالسماد والمبيدات، والمحروقات التي تدخل في كافة العمليات الزراعية كالحراثة والري، تؤدي إلى ارتفاع تكاليف الإنتاج وتزيد من الأعباء على الفلاحين”.
وكانت وزارة المالية والاقتصاد في الحكومة السورية المؤقتة حددت سعر القمح القاسي لهذا الموسم بـ 330 دولاراً للطن الصافي من الدرجة الأولى.
أما سعر القمح الطري، حددته الوزارة بـ 285 دولاراً للطن الصافي من الدرجة الأولى.
ويقول مدير الزراعة في “الحكومة المؤقتة” حسن الحسن، إن السعر تحدد حسب الأسعار العالمية للقمح، مع الأخذ بعين الاعتبار دراسة تكاليف الإنتاج وسعر بيع الطحين والخبز، حسب قوله.
من جانبها، حددت “الإدارة الذاتية” العاملة شمال شرق سورية سعر القمح بـ 430 دولاراً للطن الواحد.
وهو السعر الأعلى للقمح في عموم مناطق سورية، كما أن المساحة المزروعة من القمح في الشرق السوري أكبر من باقي المناطق، خاصة منطقة الحسكة، التي كانت تعتبر سلة سورية الغذائية من محصولي القمح والشعير.
معاناة مشابهة في مناطق سيطرة النظام
أما في مناطق سيطرة النظام، سجل سعر القمح لهذا العام “مستوى مدني”، ما شكل خسارة كبيرة للفلاحين في تلك المناطق، التي تعاني بالأساس من ارتفاع كبير في متطلبات الحياة، في ظل تهاوي قيمة الليرة السورية أمام الدولار الأمريكي.
ورفعت حكومة النظام السوري سعر شراء كيلو القمح من المزارعين إلى 2800 ليرة سورية، بعد أن حددته بـ 2300 ليرة لهذا الموسم، وذلك إثر استياء الفلاحين.
واعتبر المزارعون أن السعر لا يتناسب مع التكاليف، على الرغم من أن قيمته أقل من الذي حددته عام 2022، وكان حينها يعادل نحو 2000 ليرة سورية.
وتحدث مزارعون لـ “السورية نت” عن المعاناة بزراعة القمح في مناطق سيطرة النظام، بسبب كلفة المحروقات الباهظة وتدهور الليرة السورية وعدم تغطية الأسعار لكلفة الإنتاج.
ويكلف حراثة الهكتار الواحد من القمح في مناطق سيطرة النظام حوالي 600 ألف ليرة سورية.
إلا أن المزارعين في مناطق سيطرة النظام يستفيدون من أمر واحد، وهو زراعة مساحات كبيرة وبأجور رمزية من أصحاب هذه الأراضي من السكان المهجرين، ما يحقق لهم هامش ربح نتيجة ذلك.