بدأت فكرة تشكيل ناتو عربي أو شرق أوسطي من ملك الأردن عبد الله الثاني، إذ قال بتشكيل تحالف عسكري في الشرق الأوسط مشابهاً لحلف شمال الأطلسي (الناتو)، لكنّ الملك عبد الله تحدث منذ أيام قائلاً: لا يمكن أن تكون إسرائيل في حلف عسكري عربي، فهي لا تزال تحتل أراضٍ عربية في فلسطين وغيرها.
الملك عبد الله لم يُشر إلى اجتماع نظمته واشنطن، جمع رؤساء أركان جيوش عربية مع رئيس الأركان الإسرائيلي “أفيف كوخافي”، وماذا جرى في هذا الاجتماع وما القضايا التي تمّ التفاهم والاتفاق حولها.
لكن يمكن نقاش فكرة تشكيل ما أطلق عليه “ناتو عربي” أو “ناتو شرق أوسطي”.
وقبل النقاش، يجب التذكير بمعاهدة الدفاع المشترك والتعاون الاقتصادي لجامعة الدول العربية التي تمّ التوقيع عليها في 18 حزيران / يونيو 1950 في القاهرة. هذه المعاهدة، لم ترق إلى مستوى حقيقي من الدفاع عن أي بلد من البلدان الموقعة عليها، والذي يتعرّض للغزو العسكري والعدوان عليه، كما حدث في غزو نظام صدام حسين للكويت في الثاني من شهر آب / أغسطس عام 1990.
كذلك هذه المعاهدة لم يتم تطبيقها في حالات حروب الكيان الإسرائيلي العديدة على الدول العربية المجاورة لفلسطين، إذ لا يزال الجولان السوري محتلاً منذ عام 1967، وكذلك الضفة الغربية وبعض الأراضي اللبنانية.
إذاً، ما دامت معاهدة الدفاع العربي المشترك لم تنفذّ أو تفعّل منذ التوقيع عليها عام 1950، فما قيمة حلف عسكري جديد تحت مسمّى “ناتو عربي” أو “ناتو شرق أوسطي”؟، وما أهدافه الحقيقية؟
لفهم دوافع الفكرة أكثر، ينبغي فهم الظروف الحقيقية التي تحيط بالدول العربية جميعها، وبدول الشرق الأوسط ومنطقة الخليج العربي بالتحديد، لبيان دوافع الدعوة لتشكيل هكذا تحالف.
الظروف الحالية في المنطقة العربية يمكن الإشارة إليها على أن هناك ثلاثة مشاريع سياسية اقتصادية إقليمية في المنطقة، هي المشروع الإيراني، الذي يستخدم الأيديولوجيا المذهبية، إضافة إلى تصدير القوة العسكرية، وخلق أذرع له في دول الجوار العربي، يستخدم ذلك كله من أجل الهيمنة الشاملة على الدول العربية، لبناء امبراطورية فارسية، تعتمد على شمولية دينية مطلقة، يمثلها سلطة ما يسمى “مرشد الثورة”، والذي يعتبر تعبيراً سياسياً عن الإمام “المهدي المنتظر”.
المشروع الثاني، هو المشروع الاسرائيلي، والذي يعتمد على فكرة قيادة الدولة الاسرائيلية لمحيطها العربي عبر مقولة (العقل الإسرائيلي والثروات والطاقة البشرية العربية)، وهو مشروع يمنع ولادة أية مشاريع تنموية شاملة في أي دولة عربية، لتبقى هذه الدول جزر تابعة للمركز الاسرائيلي في عاصمة الدولة تل أبيب.
خطر هذا المشروع هو منع حدوث تنمية اقتصادية واجتماعية وسياسية وعلمية عربية مستقلة، وهو أمر يُبقي الدول العربية بحاجة وتبعية لمركز القوّة الإسرائيلية المهيمنة، ولهذا تعتبر خطوات التطبيع مع الكيان الإسرائيلي تثبيتاً لهذه الرؤية الفادحة بحق الشعوب العربية.
المشروع الثالث، هو المشروع التركي، هذا المشروع الذي نهض به حزب العدالة والتنمية التركي، يريد نقل تركيا من حالة تبعيتها السابقة لدول القرار الغربي إلى دولة حديثة متطورة اقتصادياً وسياسياً وعسكرياً وعلمياً، هذا المشروع استطاع القفز بالناتج المحلي التركي من 350 مليار دولار سنوياً إلى 2.471 تريليون دولار عام 2019 حسب صندوق النقد الدولي.
المشروع التركي لا أطماع له في البلاد العربية، فهو يريد تنمية مشتركة مع هذه البلدان، لتحويل المنطقة إلى منطقة متطورة ذات دخول مرتفعة، بفعل التنمية الشاملة، وتوزع فعاليات هذه التنمية بين المجموعة العربية وتركيا.
إن غياب مشروع تنمية عربية اقتصادية واجتماعية وسياسية حقيقية هو من يجعل المنطقة العربية بنية هشة ورخوة، يمكن لقوى إقليمية أو دولية النفاذ إلى هذه البنية والسيطرة عليها وإدارتها بما لا يخدمها، وإنما بما يخدم قوى السيطرة.
غياب مشروع التنمية العربية الشاملة يقف خلفه بنى سياسية لا ترتبط بحركة الدفع التاريخي للمجتمعات العربية، أي بنى سياسية تمّ تركيبها على ظهر شعوبها، دون أن تكون تعبيراً جاداً وطبيعياً لحركة تطور هذه الشعوب، وهذا ما يجعل هذه البنى السياسية الحاكمة في خوف حقيقي من شعوبها باعتبارها سلطات أتت بغير إرادة هذه الشعوب.
هذه البنى السياسية (الأنظمة العربية) بمجموعها تعيش هاجس الخوف من شعوبها، ومن انفجارات هذه الشعوب على ما يمارس بحقها من نهب لثرواتها، وقمع لأي اتجاه تحرري وتطويري للمجتمعات، وهو ما يجعلها تهجس بضرورة التنسيق الأمني للحفاظ على نفسها، وهو ذات السبب الذي يجعلها تحتمي بأعداء هذه الشعوب أحياناً لحماية أنظمتها، أو البحث عن صيغ تحالف وأحلاف لا تحمي دولها بقدر حماية وجودها.
وفق هذا المنظور الملموس نستطيع فهم دوافع تشكيل حلف ناتو عربي، فهو ليس للدفاع عن الشعوب، بل لاستمرار الطبقات الحاكمة العربية في مواقع الحكم، واستمرار نهبها وقمعها لشعوبها.
أما محاولة تشكيل ناتو شرق أوسطي، فهو هدف أمريكي، الغاية منه توظيف هذا الحلف كذراع أمريكية، لخوض معارك قادمة ضد أي محاولات صينية أو روسية أو ما شابهها، تحاول أن تطرد النفوذ الغربي والأمريكي من هذه المنطقة الحيوية لتحل محلها.
وأن مصلحة دعاة هذا الحلف يريدون ضمّ إسرائيل إليه، ونقلها بموجب ذلك من موقع العدو إلى موقع الحليف، دون أن تقدّم إسرائيل أي تنازل جديد، يتعلق بقيام دولة فلسطينية في الضفة الغربية وغزة، وهو يعني التخلي عن حق عربي مشروع في فلسطين، مقابل حماية وهمية من دولة إسرائيل العدوة.
إن الطبقات الحاكمة العربية غير مؤهلة في شرطها الذاتي لأن تكون حاملاً سياسياً لموضوع التنمية العربية الشاملة، وقد يبدأ هذا الشرط بالتغيير إذا ما اتجهت هذه الطبقات إلى التعاون مع تركيا، وهو سيسمح لها بتطوير مفاهيمها ووجودها ودورها، فلن تبقى بعد ذلك ضمن الشرط الذاتي الخاص بها والمعطّل لدورها في موقع قيادات شعوبها.
لذلك لا نرى أن هناك إمكانية لتشكيل هكذا تحالفات، وتاريخنا العربي القريب يشير إلى سقوط أحلاف كهذه مثل حلف بغداد وغيره. وهو ما يجعلنا نتوقع فشل هذه الأفكار لتناقضها مع حركة واقع الشعوب العربية.
المواد المنشورة والمترجمة على الموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر مؤسسة السورية.نت