خلال أقل من خمس دقائق استغرقتها مكالمته الهاتفية مع زوجته، اضطر شادي لدفع مبلغ ثلاثمئة ليرة زيادة لسعر ليتر الزيت النباتي، بعد أن ارتفع ثمنهُ عن وقت سؤاله الأول خلال تلك الفترة القصيرة.
الموقف المضحك المبكي كما يصفه الرجل الثلاثيني، يلخص واقع الحال الذي بات يعيشه الناس في سورية، مع تواصل مسلسل انهيار العملة السورية المتسارع.
على أبواب مجاعة؟
يقول شادي، الذي ينحدر من إدلب، ويقيم منذ سنوات في العاصمة دمشق، إن الأسعار “باتت كحال البورصة كل دقيقة بسعر جديد، لا يمكن التبؤ أبداً بسعر أي مادة، الجميع في حيرة؛ البائعون والمشترون، والكل خاسر”.
سُرحَ المتحدث وهو والد لثلاثة أطفال، من عمله قبل أسبوعين، كما يقول، بسبب عدم قدرة صاحب المحل الذي يعمل به على دفع أجاره اليومي، رغم أنه لا يتجاوز 1500 ليرة، ولولا مساعدة شقيقهِ المقيم في إحدى دول الخليج، لم يستطع شادي كما يؤكد في حديثه لـ”السورية نت”، دفع أجاره منزله هذا الشهر وتأمين الطعام لأطفاله.
حال أسرة شادي، مشابه لعشرات آلاف العائلات السورية، في مختلف المناطق، إذ يواجهون ضائقة اقتصادية خانقة، تهدد بمجاعة شاملة في حال استمرار الوضع على ما هو عليه، لاسيما مع استمرار الأجور والرواتب منذ سنوات على ماهي عليه، واستمرار ارتفاع أسعار المواد الأساسية.
عبد الله موظف حكومي في مدينة جبلة الساحلية، قال لـ”السورية.نت”، إن راتبه الذي يحصل عليه (58ألف ليرة سورية شهرياً) لا يغطي أكثر من أسبوع واحد من احتياجاته “الأساسية جداً”.
ويضيف الرجل الأربعيني والمعيل لأربعة أبناء، أن “ثمن ربطة الخبز اليوم 300 ليرة، وبحسبة بسيطة أستهلك مع عائلتي يومياً ربطتي خبز على الأقل أي 18 ألف شهرياً، فيما وصل سعر ليتر الزيت النباتي إلى ألفي ليرة، وبمتوسط حسابي بسيط تحتاج عائلتي إلى ما لا يقل عن 5 ليترات زيت في الشهر (10 آلاف ليرة)”.
ويضيف عبد الله “نصف الراتب للخبز والزيت فقط، أما باقي المواد كالرز والسكر وزيت الزيتون والبيض والفروج فالأكيد أن النصف المتبقي لا يكفيني لجلب نصف ما تحتاجه عائلتي”.
ولدى سؤاله عن كيفية تدبّر باقي احتياجاته، أكد الموظف أنه خلال الفترة الماضية صرف جزءاً كبيراً من مدخراته السابقة، لكن استمرار الوضع على ماهو عليه سيعني “كارثة حقيقية لأن تأمين أشد الاحتياجات يكلف شهرياً ما لايقل عن 400 ألف ليرة شهرياً”.
الأجور بالليرة والأسعار بالدولار
وخلال الأسبوع الأخير، ارتفعت أسعار المواد الأساسية نحو 50 %، وفق مصادر محلية في الأسواق، حيث سجل ارتفع سعر كيلو الرز المتوسط الجودة من 1200ليرة ، إلى 1800 ليرة ، وكيلو الشاي من 10500 إلى 17000 ليرة، والعدس من 700 إلى 1450 ليرة، فيما وصل سعر كيلو حليب الأطفال إلى 18000 ليرة بعد أن كان يباع قبل أسبوعين بقرابة 10 آلاف ليرة”.
ويتزامن هذا الارتفاع مع وصول سعر صرف الدولار الأمريكي مقابل الليرة السوري إلى حاجز 3آلاف ليرة، وهو أدنى سعر سجل في تاريخ البلاد، ويبلغ قرابة 60 ضعف عن سعره في بداية العام 2011، رغم أن سعر الصرف تحسن نسبياً في اليومين الماضيين، إذ عاد لنحو 2500 ليرة أمام الدولار.
والمعاناة اليومين الحاصلة حالياً، شملت هذه المرة كافة المناطق؛ إن كان الخاضعة لنظام الأسد، و التي تديرها “الإدارة الذاتية” شمال شرق سورية، ومناطق شمال غرب البلاد، التي تديرها حكومتي “الإنقاذ” و”المؤقتة”.
و يؤكد خليل صالحي، وهو نازح من حماه، و يقيم حالياً قرب الحدود السورية التركية في مخيم قاح، أن الأهالي في المنطقة يعيشون حالة مجاعة حقيقية، لاسيما بعد قرار “حكومة الانقاذ” رفع سعر ربطة الخبز إلى 600ليرة.
ويضيف الشاب العشريني وهو والد لطفلين :”أعمل على سيارة سوزوكي بالكاد أحصل يومياً على 1500 ليرة(..) يوم أمس أمّنت ثمن الخبز فقط لأطفالي، أصبحت أخرج إلى العمل وأفكر هل سيكون بإمكاني اليوم تأمين ربطتي الخبز أم لا؟.
وخلال استطلاع أجراه مراسل “السورية. نت”، مع عددٍ من العاملين في المجالات الحرة، في منطقتي إدلب وريف حلب الشمالي، كانت معظم الاجابات أن متوسط الأجور اليومية لا يتجاوز 2000 ليرة (قرابة 60 ألف ليرة شهرياً قرابة 25 دولار) مع صعوبات كبيرة في تأمين فرص العمل بسبب كثرة الأيدي العاملة.
ووفق المصادر التي تواصل معها فريق “السورية نت”، فقد اضطر بعض السكان، لبيع مدخراتهم من الذهب والممتلكات خلال الفترة الماضية، لمجاراة الأسعار الجديدة، فيما يعتمد عددٌ آخر من الأهالي، لا سيما في المخيمات على المساعدات الغذائية التي تصلهم من بعض المنظمات الإنسانية، أو من مساعدات مالية لأقربائهم في الخارج.
وفي مناطق سيطرة النظام، لا يبدو الوضع بأفضل حالاً، إذ تتراوح أجور العمال اليومية أيضا بين 1700 و2500 ليرة (75ألف شهرياً قرابة 31 دولار) بينما لا يزال متوسط راتب الموظفين الحكوميين، بين 50 و80 ألف ليرة سورية شهرياً.
توقف الأعمال
من جانب آخر، أحدث تدهور قيمة الليرة السورية بهذا الشكل المتسارع، ضرراً كبيراً في الأسواق والمنشآت الصناعية والتجارية في مختلف مناطق البلاد، إذ أغلق عددٌ كبيرٌ منها نتيجة صعوبة تحديد الأسعار.
وأغلقت محلاتٌ تجارية كثيرة أبوابها، خلال الأيام الماضية، في دمشق واللاذقية وحلب ودرعا محافظاتٌ أخرى، كما توقف العديد من الصرافين عن التداول بالليرة السورية.
وقال الناشط الإعلامي في محافظة درعا، عدنان أبو قيس، لـ”السورية نت”، إن معظم المصالح توقفت عن العمل، وبعض التجار والباعة، أوقفوا نشاطاتهم، انتظاراً لاستقرار الأسواق.
وأوضح أبو قيس، أن خسائر كبيرة لحقت بأصحاب المصالح، بسبب الارتفاع الجنوني في الأسعار، موضحاً أن “البائع حتى وإن ربح في السلعة فإنه بحاجة لدفع مبلغ إضافي فوق ذلك المبلغ لإعادة الشراء”.
وقال لـ”السورية.نت”، تاجرٌ في سوق الحميدية، طلب عدم ذكر اسمه، إن “معظم التجار هنا وأصحاب المحلات، يفضلون لو أنهم يستطيعون إغلاق محلاتهم وتوقيف البيع، لأن البيع وفق الأسعار التي حددتها الحكومة، يعني الخسارة حتماً(…) بعض المحلات في أحياء عديدة أغلقت فعلاً، لكن هنا كسوق رئيسي وسط دمشق، لا نستطيع إغلاق محلاتنا خشية أن يعتبر الأمن ذلك بمثابة إضراب”.
ووفق خبراء اقتصاديين، ودراسات اقتصادية، فإن ارتفاع تكاليف المعيشة في سورية، ارتفعت بنحو 15% في الأشهر القليلة الماضية، وتتطلب أسرةٌ مؤلفة من أربعة أشخاص، أكثر من 350 ألف ليرة سورية شهرياً، لتأمين الاحتياجات الأساسية.
وتتصدر سورية، قائمة الدول الأكثر فقراً بالعالم، بنسبة بلغت 82.5%، بحسب بيانات موقع “World By MaP” العالمي.
كما تؤكد أرقام الأمم المتحدة، أن نسبة السوريين تحت خط الفقر، بلغت نحو 83%، بحسب تقريرها السنوي لعام 2019، حول أبرز احتياجات سورية الإنسانية.
المصدر
السورية.نت