لا يزال الحصار ساري المفعول على النظام الأسدي، فالغرب بقيادة الولايات المتحدة يرفض أي تطبيع أو إعادة إعمار في سورية، قبل أن ينخرط النظام بجدية في مسار التفاوض على القرار 2254 الصادر بتاريخ 18 كانون أول / ديسمبر 2015.
فبعد استدعائه من بوتين وإعلانه أن بإمكان موسكو إقامة قواعد عسكرية لها في البلاد، ووضع شرط إعلان تركيا جدولة انسحابها من الشمال السوري للقاء الرئيس التركي أردوغان، يبدو أن بشار الأسد يريد استبدال التقارب مع تركيا لأنه يُحسّ بخطر هذا التقارب على بقاء منظومة حكمه الاستبدادية، كما يعرف أن ثمن هذا التقارب سيكون تغييراً جوهرياً في البنية السياسية الحاكمة في سورية.
الأتراك لم يخفوا أن إعادة علاقات بلادهم مع نظام الأسد تحتاج إلى تغيير في سياسات النظام، وأول هذه التغييرات الشق الأمني المتعلق بعلاقته مع ما يسمى (قوات سوريا الديمقراطية)، أي مع حزب العمال الكردستاني، المصنّف على قوائم الإرهاب في الولايات المتحدة وتركيا ودولٍ أخرى، وثاني هذه التغييرات عودة اللاجئين السوريين إلى بلادهم ضمن تأمين بيئة آمنة لعودتهم.
النظام الأسدي يتهرّب فعلياً من أي حلٍ سياسي للصراع في سورية، ويظنّ أنه سيستطيع تجاوز القرار الدولي 2254، وبالتالي عودته للعلاقات الطبيعية مع دول الإقليم والمجتمع الدولي، وهذا هو ما يفسّر هروبه من إعادة العلاقات مع تركيا، والتي يُدرك أنها ستُفضي إلى تغيير بنيوي في بنية حكم سورية.
تركيا التي رفضت تصريحات ومطالب أسد بشأن دورها في سورية، تعرف تماماً أن أوهام أسد بأهمية إعادة العلاقات التركية معه، لن تضيف أصواتاً انتخابية لصالح أردوغان وحزبه، لأن جوهر المعركة الانتخابية مع المعارضة التركية تكمن في مربع التنمية الاقتصادية والاجتماعية الشاملة، وهذه أظهرتها استطلاعات الرأي منذ أيام على أنها هي الأساس الذي يحتكم إليه الشعب التركي في اختيار من يحكمه.
ثم هناك أمرٌ آخر، إن أي حلٍ سياسي لا توافق عليه المنظومة الغربية بقيادة الولايات المتحدة، هو حلٌ لا أفق له، وقد ظهر ذلك ببيان رباعي وقعته الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وألمانيا بمناسبة الذكرى الثانية عشرة لقيام الثورة السورية، حيث رفض البيان أي تطبيع مع نظام أسد وأي إعادة إعمار بدون أن يمضي النظام إلى الموافقة على القرار 2254 وتنفيذه بعد تفاوض مع قوى الثورة والمعارضة.
إذاً، لماذا ذهب أسد إلى دولة الإمارات العربية المتحدة؟ وما الدور الذي تستطيع أن تلعبه هذه الدولة الصغيرة في معادلات الصراع الكبيرة بين الغرب بقيادة الأمريكيين من جهة والمنظومة الشمولية التي تتزعمها روسيا وإيران وغيرهما.
قبل الجواب على هذا السؤال، يمكننا القول إن علاقات نظام أسد مع داعميه الرئيسيين (روسيا وإيران) هي علاقة جدلية متشابكة التأثير، فسورية بالنسبة للروس قريبة من أوربا، وبالتالي فإن فرص الضغط على الأوربيين عسكرياً أو اقتصادياً هي فرص يوفرها وجودهم في هذا البلد.
أما بالنسبة لإيران، فوجودهم واستثمارهم في الصراع السوري هو جوهر مشروعهم الطائقي الذي ينطلق سهمه من طهران ليمرّ ببغداد ودمشق وينتهي في بيروت واللاذقية على المتوسط، هذا الهلال يراد من تنفيذه تغيير طريق الحرير القديم بطريق حريرٍ جديد يتم عبره تبادل التجارة الدولية بين أوربا والشرق، وأن تكون طهران معبره الأساسي.
إن الغرب في صراعه الحالي مع موسكو هو في صراعٍ أيضاً مع إيران المتحالفة مع روسيا، والتي عدا عن دعمها للروس في غزو أوكرانيا، تعيش حالة صراع حول برنامجها العسكري النووي والبالستي مع الغرب ومع إسرائيل التي تهدّد بضرب المنشآت النووية الإيرانية قبل أن تتمكن إيران من إنتاج قنبلتها النووية.
الغرب عملياً هو في صراع مع هذه المنظومة (روسيا وإيران ونظام أسد)، هذه المنظومة إذا سقط أحد أطرافها الثلاثة فهي ستسقط وبسرعة أمام الضغوط العسكرية والسياسية والاقتصادية للمنظومة الغربية، حيث هناك دعم قوي عسكري واقتصادي ولوجستي لأوكرانيا، غاية هذا الدعم منع الروس من استعادة دور سابق لعبه الاتحاد السوفياتي المنحل.
إن نظام الأسد هو أضعف الأطراف الثلاثة في الحلف الروسي، ويمكن استنزافه أكثر، إذ أن داعميه الروسي والإيراني في حالة انشغال عميق عنه، فالروس يستنزفون في أوكرانيا، والإيرانيون يستنزفون في ثورة الداخل الإيراني، هذان العاملان قد يساعدان على إضعاف نظام أسد ودفعه لمفاوضات جنيف مع قوى الثورة والمعارضة السورية.
النظام بانتظاره تنفيذ أحكام قانون الكبتاغون الذي أصدره الكونغرس الأمريكي ووقعه الرئيس جو بايدن، وهو قانون يفرض على الوكالات الأمريكية محاسبة المسؤولين السوريين وغير السوريين في هذا المشروع وفي مقدمته بشار الأسد، وتقويض مشروع إنتاج حبوب الكبتاغون المخدّرة.
النظام الأسدي أمامه استحقاقات، هذه الاستحقاقات يمكن تخفيف أثر بعضها عليه إذا انصاع للحل السياسي وفق القرار 2254، لكنه لم ينصع بعد، وهو ما يدفعه لزيارة الإمارات، ويدفع بعض الدول الحليفة للولايات المتحدة على محاولة جرّه خارج التحالف المطلق مع إيران، فإذا لم يفعل ذلك، فهذه الدول وفي مقدمتها دولة الإمارات لن تستطيع منع محاسبته على جرائمه، وإن زيارته لها هي من باب التوسط لعودة علاقات العرب مع نظامه دون دفع ثمن جرائمه وحربه على الشعب السوري.
زيارة الأسد للإمارات لن تضيف لرصيد الأسد شيئاً، فقرار بقاء نظام الأسد من عدمه هو قرار أمريكي ينبع من مصالح الولايات المتحدة كدولة أعظم في العالم.
والسؤال الهام، لماذا لا تقوم قوى الثورة والمعارضة بالخروج عن نسق نشاطها التقليدي، وتعمل على انخراط أكبر في حشد الرأي العام الأوربي والغربي والعربي “قدر استطاعتها” على منع أي محاولة تطبيع مع نظام ارتكب جرائم موصوفة ضد الشعب السوري؟
إننا نرى ذلك ممكناً من قبل مؤسسات الثورة والمعارضة وفي مقدمتها الائتلاف الوطني وهيئة التفاوض، فهل سيتغير نسق النشاط في هاتين المؤسستين لخدمة منع أي تطبيع للعلاقات مع نظام أسد؟ نأمل ذلك.
المواد المنشورة والمترجمة على الموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر مؤسسة السورية.نت