في قاعة كنيسة صغيرة في شرق لندن هذا الربيع، شَرب حوالي عشرين شخصاً ممن فروا من الحرب في أوكرانيا الشاي، وتناولوا الغداء أثناء محاولتهم مقابلة أفراد مجتمعهم الجديد.
وكان من بين هذه المجموعة شابين: “عبد الصفوة “و”محسن حامد”، ابتسموا وتجاذبوا أطراف الحديث مع المجموعة باللغة الروسية ومقتطفات من الأوكرانية، أثناء مشاركتهم تجاربهم المروعة.
ولكن على عكس الآخرين المجتمعين لتناول الغداء، كانت هذه هي المرة الثانية التي نزح فيها الرجلين: أولاً من وطنهم سورية، ثم من أوكرانيا، حيث أمضوا العقد الماضي في “طي النسيان”.
وقال صفوة لصحيفة “نيويورك تايمز“: “ما زلت لا أعرف ما إذا كان بإمكاني البقاء هنا أم لا”، موضحاً بالتفصيل كيف تقدم كلاهما بطلب للحصول على اللجوء في بريطانيا. “كيف سيتصرفون معنا؟ هل سيعاملوننا مثل الأوكرانيين أم السوريين؟”.
وفر أكثر من سبعة ملايين شخص من أوكرانيا منذ غزو روسيا لها في فبراير/شباط الماضي، وفقاً لأرقام المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين.
كانت الغالبية العظمى من المواطنين الأوكرانيين المؤهلين للحصول على خطة لإعادة التوطين المؤقت في بريطانيا من خلال برنامج تأشيرة منازل للأوكرانيين، فيما قدمت دول الاتحاد الأوروبي حماية مؤقتة بدون تأشيرة لأولئك الذين فروا من الحرب.
“في منطقة رمادية”
ولكن من بين أولئك الذين فروا كان هناك أيضاً أشخاص مثل السوريان “حامد” و”صفوة”، اللذان يقع وضعهما في منطقة رمادية، بينما كان بحثهم عن مكان آمن ومزدهر لبناء حياة جديدة معقداً.
وفي بعض البلدان، مثل بريطانيا، يتلقون دعماً محدوداً أكثر من المواطنين الأوكرانيين الذين فروا من نفس الحرب أثناء محاولتهم استعادة أجزاء حياتهم.
وبدون الجنسية الأوكرانية، لم يكن السورييّن مؤهلين للتقدم لبرامج التأشيرات، التي تقدم إعادة توطين مؤقتة لأولئك الذين فروا من الحرب في أوكرانيا.
وبدلاً من ذلك، دخلوا خلسة إلى بريطانيا عبر أيرلندا – التي سمحت بالسفر بدون تأشيرة لأولئك الفارين من الحرب – ثم تقدموا بطلب للحصول على اللجوء.
وقالت شابيا مانتو، المتحدثة العالمية باسم وكالة الأمم المتحدة للاجئين، إن ظاهرة فرار الأشخاص من أكثر من صراع واحد بهذه الطريقة – المعروفة باسم النزوح المتعدد – تمثل تحدياً لا يُصدق وشائعة بشكل متزايد، مع استمرار ارتفاع عدد الأشخاص النازحين بسبب الحرب على مستوى العالم.
وأضافت: “إنه وضع محفوف بالمخاطر حقاً”.
في حين أن السيدة مانتو لم تفكر في قضايا “صفوة” و”حامد” الخاصة، قالت إنه في ردودهم على المواطنين الأوكرانيين الفارين من الحرب، أظهرت الدول الأوروبية ما يمكنها فعله للمساعدة.
في هذه الأثناء، كانت المواقف والرسائل تجاه طالبي اللجوء الآخرين أقل ترحيباً في كثير من الأحيان.
وتابعت مانتو: “أعتقد أن ما أظهرته أوكرانيا لنا هو أنه عندما يكون هناك التزام سياسي، يمكن أن يسود نهج إنساني ويمكن استضافة اللاجئين”.
وكان كل من “صفوة” و”حامد” طلاباً في أوكرانيا عندما بدأت الحرب في سورية في عام 2011، واختاروا عدم العودة إلى الوطن خوفاً من تجنيدهم.
كان “حامد” يدرس في الأكاديمية البحرية الوطنية في مدينة أوديسا جنوب أوكرانيا منذ عام 2009، على أمل أن يصبح بحاراً ثم قبطاناً، وعندما بدأت الحرب في سورية تقدم بطلب للحصول على اللجوء في أوكرانيا.
لكن كلاً من “حامد” و”صفوة”، اللذين أصبحا صديقين في أوديسا، وجدا نفسيهما يعيشان في طي النسيان. لم يحصلوا أبداً على وضع اللاجئ الكامل في أوكرانيا، الأمر الذي كان سيسمح لهم بأن يصبحوا مواطنين في نهاية المطاف، لكنهم حصلوا على وضع “الحماية الإنسانية” الأكثر محدودية.
ونتيجة لذلك، لم يتمكن “حامد” من الحصول على ساعات الخبرة اللازمة على متن قارب ليصبح قبطاناً.
“كانوا قادرين على العمل، لكن لم يتمكنوا من مغادرة البلاد، حتى لرؤية أفراد الأسرة الذين فروا أيضاً من سورية. وبعد ذلك، عندما غزت روسيا أوكرانيا، وجدوا أنفسهم لاجئين مرة أخرى”.
ويقول حامد: “أخبرتني عائلتي: رأينا ما حدث في سورية، لا تبقوا “. لذلك بعد أيام من بدء الحرب في 24 فبراير، استقل هو وأربعة من أصدقائه قطاراً مزدحماً متجهاً غرباً نحو الحدود البولندية. وفي النهاية، اجتازوا الطريق بالسيارة.
كان “صفوة” يعيش في كييف، عاصمة أوكرانيا، عندما اندلعت الحرب، وقد أمضى سنوات في محاولة إعادة بدء حياته، وتأسيس شركة سياحية ناجحة.
“كل ذلك تبخر بين عشية وضحاها، وكان يعلم أنه مضطر للمغادرة خوفاً من صراع طويل الأمد في أوكرانيا”.
ويضيف لـ”نيويورك تايمز”: “نحن نعرف روسيا مما فعلته بسورية. إنهم لا يهتمون بالمدنيين. إنهم يقصفون الجميع. أدركت ذلك على الفور، واتخذت قراري. قررت أن أهرب”.
قاد الشاب السوري سيارته إلى بولندا مع الجيران في اليوم التالي لبدء الغزو. ثم التقة بـ”حامد”.
وقرر الرجلان في النهاية السفر إلى بريطانيا معاً، وظنوا أنه سيوفر لهم أفضل فرصة للبدء من جديد، لأنهم يتحدثون بعض اللغة الإنجليزية ولديهم روابط عائلية في البلد.
ولكن للوصول إلى هناك، كان عليهم التحايل على متطلبات التأشيرة، ولهذا السبب سافروا أولاً إلى أيرلندا، التي كانت تفرض قيوداً أكثر مرونة على اللاجئين من الحرب في أوكرانيا، ثم عبروا الحدود المفتوحة إلى أيرلندا الشمالية، وهي جزء من المملكة المتحدة.
بعد ذلك، تقدم كل “حامد” و”صفوة” بطلب للحصول على اللجوء عندما وصلا إلى إنجلترا، في منتصف شهر مارس/آذار.
وقال “حامد” عن وكلاء الهجرة في وزارة الداخلية البريطانية الذين يتعاملون مع طلب لجوئه: “أخبرتهم أنه ليس لدي مكان أعود إليه”. “كنت أرغب في التقدم بطلب للحصول على اللجوء لأنه ليس لدي أي منزل في أي مكان”.
“لا يمكنك العمل”
ويعرف هذان الرجلان عدداً من السوريين الآخرين الذين سلكوا طريقاً مشابهاً إلى بريطانيا من أوكرانيا.
في البداية، سمحت وزارة الداخلية للأوكرانيين الذين يعيشون في بريطانيا فقط برعاية أفراد الأسرة الفارين من الحرب. لكن في الربيع، أدخلت برنامجاً ثانياً، وهو يسمح للأوكرانيين الذين ليس لديهم أفراد من العائلة في بريطانيا برعاية أحد المقيمين، ويسمح لهم بالبقاء في البلاد لمدة تصل إلى ثلاث سنوات.
وزارة الداخلية هي المسؤولة عن نظام اللجوء في بريطانيا، وقد اتخذت إجراءات متزايدة للقضاء على استخدام الطرق غير النظامية إلى البلاد، من قبل الفارين من الحرب – بما في ذلك محاولة فرض عدد من السياسات، التي انتقدتها جماعات حقوق الإنسان والخبراء الدوليون.
ونددت وكالة اللاجئين التابعة للأمم المتحدة بخطة لترحيل طالبي اللجوء إلى رواندا، وطعنت في المحكمة البريطانية العليا.
وعندما طُلب من وزارة الداخلية التعليق على هذا تقرير “نيويورك تايمز”، رفضت التدخل في تفاصيل قضيتي “صفوة” و”حامد”، لكنها أشارت إلى سياسات الحكومة الحالية للمواطنين الأوكرانيين الذين يلتمسون اللجوء المؤقت في بريطانيا.
وقالت وزارة الداخلية في بيان: “يجب على الأشخاص طلب اللجوء في أول بلد يصلون إليه، أو بالنسبة لأولئك الذين يحتاجون إلى حمايتنا، استخدام أحد طرقنا الآمنة والقانونية للوصول إلى المملكة المتحدة”.
وغالباً ما يظل طالبو اللجوء مثل الشابين السوريين في نظام اللجوء البريطاني، في انتظار قرار بشأن المطالبات، التي قد تستغرق شهوراً أو حتى سنوات لحلها.
حتى ذلك الحين، كانوا يقيمون في نزل أو فنادق، حيث يتم تزويدهم بالطعام ويتم منحهم 8 جنيهات أسبوعياً، أو حوالي 9 دولارات لشراء الضروريات الأساسية ودفع تكاليف النقل العام.
لكنهم غير قادرين على العمل، وهو الأمر الذي يقول كل “حامد” و”صفوة” أنهما حريصان على القيام به.
ويقول صفوة: “قالوا لي لا يمكنك العمل. يعطوننا هذا الفندق، ويقدمون لنا الطعام، لكن لماذا؟ فقط دعنا نعمل”.
وفي الوقت الحالي، يقضون أيامهم في تلقي دروس اللغة الإنجليزية وزيارة الصالة الرياضية والتعرف على لندن.
ويضيف حامد الذي مازال يحلم بأن يصبح “بحاراً: “أتمنى أن أعمل يوماً ما في هذه الوظيفة”.