فتح إصدار النظام السوري قانون “تجريم التعذيب” ومن قبله بأيام تعديلات أجراها على قانون العقوبات باب الحديث عن قضية استغلال رأسه بشار الأسد للقانون والسلطة التشريعية، وتحويلهما إلى سلاح موجه ضد من يعارضه من السوريين.
والتعديلات على قانون العقوبات، الصادر في 18 مارس/ آذار 2022، تزامنت مع تزايد الأصوات المنددة بالأوضاع المعيشية المتدهورة في المناطق الخاضعة لسيطرة النظام، وطالت من يرفع سقف انتقاداته على مواقع التواصل الاجتماعي.
وتضمن القانون الجديد مواداً حول ملاحقة ومعاقبة من ينشرون “أخباراً كاذبة”، تمس بـ”الهوية الوطنية”، وتدعو إلى تقسيم سورية وإيقاظ النعرات الطائفية، حسبما ورد فيه.
وأضاف: “يستحق العقوبة نفسها من نقل في سورية، في الأحوال عينها، أنباء يعرف أنها كاذبة أو مبالغ فيها من شأنها بث اليأس أو الضعف بين أبناء المجتمع. وإذا كان الفاعل يحسب هذه الأنباء صحيحة فعقوبته الحبس ثلاثة أشهر على الأقل”.
وبحسب نص القانون: “كل سوري يذيع وهو على بينة من الأمر أنباء كاذبة أو مبالغاً فيها، من شأنها أن تنال من هيبة الدولة أو مكانتها، يعاقب بالحبس ستة أشهر على الأقل”.
التعابير الواردة في نص القانون، مثل “هيبة الدولة”، أشارت العديد من تعليقات السوريين على مواقع التواصل الاجتماعي إلى أنها “تعابير غير واضحة”، استغلها النظام في ارتكاب عدد كبير من الجرائم ضد السوريين في المعتقلات، على مدى العقود الماضية.
“قوننة الجرائم”
لاقت القوانين الأخيرة ردود فعل اتجهت في غالبيتها إلى إحصاء الأضرار التي قد تلحقها بالسوريين، خاصة المناهضين للنظام، وتأثيراتها السلبية الآنية والمستقبلية.
ورأت منظمة العفو الدولية في “قانون التعذيب” محاولة لـ”تلميع” عقود من جرائم الحرب المركبة من قبل النظام.
وأكدت المنظمة، أن القانون “لا يقدّم إنصافاً لضحايا التعذيب السابقين، ولا يشمل أي تدابير حماية للشهود أو ضحايا التعذيب، ولا يذكر ما إذا كانت أسر ضحايا التعذيب ستتلقّى تعويضات، في حالة وفاتهم”.
وأشارت إلى أنه “لم يذكر أي إجراءات يمكن اتخاذها، لمنع حصول التعذيب في مراكز الاحتجاز والسجون في المستقبل”.
“تغيير ديمغرافي”
في 2 أبريل/ نيسان 2018، وبالموازاة مع سيطرة قواته على الغوطة الشرقية بريف دمشق، أصدر بشار الأسد القانون رقم “10”، الذي نص في المادتين الخامسة والسادسة منه، على إجراء حصر للعقارات خلال مدة شهر فقط، وقيام أصحابها بالتصريح لأجهزة النظام عن حقوقهم، وتقديم الوثائق والمستندات التي تُثبت أحقيتهم في العقارات.
القانون سبقته 7 سنوات من حرب، دمّر فيها نظام الأسد وحلفائه أجزاءً كبيرة من البنية التحتية للمدن السورية التي خرجت عن سيطرته.
في حين أصبح أغلب سكان هذه المدن بين لاجئ ونازح، فضلاً عن أن كثيرين منهم مطلوبون لفروع المخابرات، وبالتالي لن يكون بمقدورهم المطالبة بحقوقهم، نظراً لوجودهم خارج سورية من جهة، ولكونهم يخشون من الاعتقال من جهة أخرى.
وبعد ضغوط دولية طالبت بإلغاء القانون، أكد الوزير السابق لخارجية النظام، وليد المعلم، أن “المدة الزمنية عدلت من شهر وأصبحت سنة”، دون معرفة ما إذا انعكس ذلك على أرض الواقع.
وكانت مخاطر هذا القانون قد دفعت 40 دولة إلى تقديم شكوى لمجلس الأمن والأمم المتحدة، ورأت أنه “جزء من سياسة شاملة تهدف إلى تغيير التركيبة الطائفية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية للبلاد”.
“الترهيب بالقانون”
ويعود استغلال السلطة التشريعية من جانب النظام السوري إلى بدايات انطلاق الثورة السورية، التي انطلقت ضده في 2011.
ولعل قانون “مكافحة الإرهاب” الذي اتخذ ذريعة لملاحقة آلاف السوريين أبرز ما يشير إلى ذلك.
القانون كان “شماعة” لمصادرة أموال وأملاك وتسريح موظفين، ليشمل كذلك كل من يعمل في المجال الإنساني والطبي والإغاثي خارج مناطق سيطرته.
وعقب صدوره، حذرت منه منظمة هيومن رايتس ووتش، من استغلال النظام لبنوده، وإجراء محاكمات لمعارضين وناشطين سلميين، مؤكدة على أنه يستخدم لـ”خنق المعارضة”.
“احتكار التشريع”
المحامي والناشط الحقوقي السوري، رامي العساف، يرى بأن الأسد حاول استغلال ما يتوفر لديه من أسلحة لتثبيت سلطته وقمع معارضيه، وكان منها السلاح الحربي، وسلاح الحصار، إضافة إلى سلاح التشريع.
ويقول العساف في حديث لـ”السورية نت”: “من المؤسف أنه لا يمكننا إغفال حقيقة أن النظام هو السلطة الوحيدة على الأرض السورية، الذي يملك السلطة التشريعية، وهي سلطة خطيرة. هو وضع مجلس الشعب لخدمة هذا الهدف”.
ويستذكر المحامي العساف في هذا المجال، كلام كثير من المراقبين والناشطين في بدايات الثورة السورية، والمتعلق بحالة الطوارئ المفروضة في سورية منذ نحو 5 عقود.
ويوضح أنه عندما ألغى وجودها في ذلك الوقت، وضع بدلاً عنها ما هو أخطر وأسوأ، ألا وهو “قانون الإرهاب”.
وبحجة القانون، وفق وصف العساف، اعتقل عشرات آلاف السوريين، وصادر الحريات وقمع الأفكار المناوئة له، مشيراً إلى أن “النظام هو ملك لعبة استغلال القوانين. لديه جيش من المشرعين والقانونيين وأساتذة قانونيين وأكاديميين في هذا المجال من أصحاب الولاء المطلق، ممن ملكتهم راغبة الحصول على حظوة، وهؤلاء تلاعبوا وكان لهم الدور الكبير في خط قوانين حملت الضرر الكبير للسوريين”.
وتابع: “بالنسبة لمجلس الشعب، فإنه لا يكاد ينظر إلى دوره، وحتى المقترحات لا يكاد ينظر إليه، واتخذ بالتالي كواجهة لإصدار هذه القوانين”.
وآخر الأمثلة بحسب ما يقول العساف، هو قانون مكافحة الجرائم الالكترونية الصادر منذ أسبوع، وكيف أنه “واجه اعتراضات 10 أعضاء على الأقل، لكن لم يلتفت إليها أحد، وأقر القانون”.
وختم الناشط الحقوقي حديثه بالقول: النظام استخدم التشريع لمعاقبة معارضيه، والتحكم بمقدرات السوريين دون حسيب أو رقيب، فالقانون رقم 19 أول ما تم تطبيقه في حي القابون الدمشقي الذي ثار عليه، ومن ثم في أحياء كيوان، وداريا ومناطق معارضة أخرى”.
وحول قانون “تجريم التعذيب”، زاد العساف أنه سيبقى “حبراً على ورق”، “لأن النظام وأجهزته الأمنية هم من لديهم سلطة التعذيب، ولا توجد رقابة عليه”.