نشر هذ المقال باللغة التركية لأول مرة بتاريخ 15 آب/أغسطس 2022 على موقع “fikirturu“
ما الذي يمكن أن تتفق عليه أنقرة ودمشق؟ هل تريد سورية عودة السوريين؟ هل حقاً تريد سورية استعادة المناطق الخاضعة للسيطرة التركية؟ متى وتحت أي ظروف يمكن أن تتحسن العلاقات؟.
حتى قبل بضعة أسابيع كان البند الأكثر أهمية على جدول الأعمال فيما يتعلق بسورية، هو عملية تركيا ضد حزب العمال الكردستاني في شمال سورية، ولكن اولاً تم إحياء عملية “أستانة” التي تهدف إلى تحديد مستقبل سورية واجتمعت إيران وتركيا وروسيا، وتلاه اجتماع الرئيس رجب طيب أردوغان والرئيس الروسي فلاديمير بوتين في “سوتشي”، الذي غير جدول الأعمال، وفجأة أصبح هناك سؤال حول ما إذا كان يمكن التوصل إلى حل وسط بين أنقرة ودمشق.
في هذا المقال لن أتحدث عن الخلفية التاريخية للتطورات أو الأبعاد الهيكلية للعلاقات الثنائية، ولكنني سأبدأ الكتابة في منتصف الكتاب إذا جاز التعبير، لأن هذا السؤال يتطلب تحليلاً مفصلاً للغاية ومتعدد الأبعاد.
من الحوار إلى تغيير النظام، ومن تغيير النظام إلى الحوار القسري
كانت أخر عملية يمكن وصفها كحوار بناء بين العاصمتين في منتصف عام 2011. عندما بدأت “الأحداث” في سورية مع الربيع العربي قامت تركيا بزيارات متتالية لتقديم المشورة للحكومة السورية حول ما يجب القيام به متأثرة بجو الربيع العربي غير العادي في العلاقات في أواخر العقد الأول من القرن الحادي والعشرين.
في ذلك الوقت كان يُتوقع أن زيارات المسؤولين الأتراك سيكون لها تأثير كبير على الرئيس السوري بشار الأسد وأن الحكومة السورية ستتبع هذه التوصيات، والنتيجة واضحة عندما تحولت المظاهرات في سورية إلى “تمرد” وتحولت محاولة وقف المظاهرات إلى استخدام القوة ضد الشعب وانقطعت العلاقات بين البلدين، وضمن هذا التوجه اتبعت تركيا سياسة لا تقبل بوجود نظام الأسد منذ فترة طويلة ووفقاً لما تراه تركيا فإن سبب الأزمة الحالية في سورية هو النظام الحالي المتمثل بشخصية بشار الأسد.
لكنني أعتقد أن هذا النهج بدأ يتغير تدريجياً منذ عام 2017، نعم لقد قرأت ما كتبته بشكل صحيح، أنا على دراية بما كتبته، فتركيا منذ 5 سنوات على الأقل لم تتبع سياسات من شأنها إحداث تغيير في النظام في سورية، وتستفيد الحكومة السورية من الوجود التركي في سورية بصورتها القاسية والمتعنتة. قد تقول “ما هذا الهراء”، لذلك اقترح عليك مواصلة قراءة هذا المقال قبل أن تقرر. دمشق تطالب تركيا بالانسحاب الكامل من سورية، وإذا لم يحدث هذا فهي لا تقبل حتى الاجتماع.
فلو تم تقييم الحقائق في العلاقات الدولية من خلال البيانات التي يتم الإدلاء بها، فسيكون العالم مكاناً مختلفاً تماماً، لهذا السبب لا أعتقد أن مثل هذه الخطابات وما يسمى بالمطالب لها معنى كبير.
خمسة أسباب رئيسية لسياسة تركيا تجاه سورية في السنوات الخمس الماضية
حسناً، ما هي أسباب التغيير في سياسة تركيا تجاه سورية في السنوات الخمس الماضية؟ إذا كانت سياسة تركيا قد تغيرت فلماذا لم يتم اتخاذ خطوة واضحة لمدة خمس سنوات؟ سأحاول الإجابة على هذه الأسئلة، ولكن اولاً دعني أذكرك قليلاً بأن الحروب الأهلية يمكن أن تبدأ بسرعة كبيرة وتنتشر في لحظة، ولكن الأمر يستغرق وقتاً طويلاً لإنهاء حرب أهلية أو حتى إيجاد حل دائم لتداعياتها.
وبالعودة إلى السؤال عن سبب عدم اتخاذ خطوات ملموسة خلال هذه السنوات الخمس يمكنني القول: إن هناك خمسة أسباب رئيسية لذلك وفي إطار هذه الأسباب سأحاول شرح التغيير في سياسة تركيا وحقيقة كيف بدأ البلدين في إدراك التهديدات من قضايا مماثلة.
التدخل الروسي
وقفت روسيا إلى جانب دمشق منذ بداية “الحرب الأهلية” واتخذ هذا الدعم شكل عمليات سرية ودعم عسكري عن بعد لفترة طويلة جداً، ولكن بحلول نهاية عام 2014 وفقدان “الحكومة السورية” السيطرة على معظم أنحاء البلاد جعل التدخل المباشر ضرورياً لروسيا، ففي ذلك الحين فرضت المعارضة و”داعش” و”وحدات حماية الشعب” سيادتها على المناطق التي فقدت الحكومة السيطرة عليها، وكان “الجيش السوري” قد وصل إلى مرحلة التفكك الكامل، وكان المعارضون يعدون الأيام للسيطرة الكاملة على حلب والتقدم إلى دمشق، ولكن ضمن هذه الاجواء في خريف عام 2015 نزلت روسيا للميدان والتي هي إحدى أعظم القوى العسكرية في العالم بشكل مفتوح ومباشر مما غير وضع التوازنات في سورية.
سيطرت روسيا التي سرعان ما بدأت بتفتيش المناطق الحساسة حول دمشق على حلب بعد حوالي عام، وأزالت التهديد الوجودي للحكومة السورية، وفي حقيقة الامر أدركت جميع الدول أن الإدارة في دمشق لن تسقط بعد فترة من وصول “روسيا” إلى الميدان، وبدأت التوازنات الدولية تتباعد وخاصة عندما تم الكشف عن أن إدارة “أوباما” لا تدعم تغيير النظام في دمشق.
لم يكن العام 2015 عام ظهور روسيا بشكل مباشر وعلني في سورية فحسب، بل أيضاً الولايات المتحدة حيث بدأت بإنشاء منطقة تحت سيطرة “حزب الاتحاد الديمقراطي” في شمال شرق البلاد، بحجة محاربة “داعش”، وخلال تلك المرحلة تخلت دول الخليج تدريجياً بدءاً بالمملكة العربية السعودية ثم قطر عن سياسة تغيير النظام في دمشق. كل هذا التغيير في سياسة هذه الدول انعكس بالطبع على تركيا أيضاً، ولكن التطورات في تركيا خلال هذه المرحلة تحولت إلى سبب أكثر فعالية بكثير من سياسات الدول الأخرى تجاه سورية.
كانت هناك تغييرات مهمة جداً في تركيا
كما نعلم جميعاً كان عام 2016 واحداً من أكثر الأعوام تحدياً في التاريخ السياسي التركي فلم تغير محاولة الانقلاب التي قامت بها منظمة فتح الله الإرهابية (FETÖ) سياسة تركيا الداخلية فحسب، بل غيرت أيضاً سياستها الخارجية وتصوراتها للتهديدات، وأدى موقف الدول الغربية وخاصة الولايات المتحدة أثناء وبعد محاولة الانقلاب، ودعم بعض دول الخليج للاضطرابات الداخلية في تركيا إلى تحسين العلاقات بين أنقرة وموسكو، على الرغم من انه في العام السابق لمحاولة الانقلاب واجه البلدان عملياً إسقاط طائرة روسية انتهكت الحدود التركية.
إن جرح العلاقات مع العالم الغربي بعد محاولة الانقلاب، وبالإضافة للتقارب في العلاقات الروسية التركية، أثر حتماً على سياسة تركيا تجاه سورية.
في الوقت الذي استمرت فيه عملية “درع الفرات” التي بدأت بعد شهرين من إفشال محاولة الانقلاب، كان نقص الدعم لها من الولايات المتحدة التي يفترض أنها تقاتل “داعش” في سورية الأثر الكبير على تركيا، وهنا دعوني اذكركم بالنقاشات التي دارت حولها في ذلك الوقت.
بالرغم من ان تنفيذ عملية درع الفرات تم ضد تنظيم “الدولة الإسلامية”، لكن الهدف الاستراتيجي الرئيسي للعملية كان منع تنظيم YPG” الإرهابي” من تشكيل منطقة غير منقطعة من عفرين إلى القامشلي في سورية، هذا الموقف جعل الولايات المتحدة الامريكية تتعامل بانتقاد شديد للعملية، في حين تبنت روسيا موقفاً أكثر براغماتية، فلم تقف ضد عملية درع الفرات، بل على العكس من ذلك استفادت من انسحاب الجيش السوري الحر الذي جاء من حلب لدعم العملية استفادة كاملة، وفي حقيقة الامر، بدأت عملية درع الفرات في أب/أغسطس2016، وسيطرت روسيا وإيران والجيش السوري على حلب في كانون الأول/ديسمبر 2016.
باختصار: منذ عام 2016 تركز الرؤية التركية للتهديدات على إنشاء دولة يسيطر عليها حزب العمال الكردستاني في شمال سورية، وعلى أولئك الذين يريدون إثارة المشاكل داخل البلاد.
وحدات حماية الشعب تحل محل “داعش”
لا شك في أن “داعش” كمنظمة إرهابية تهدد الشرق الأوسط بأكمله وبما في ذلك تركيا، ولكن اختفاءه خلق تهديداً جديداً لكل من أنقرة ودمشق: فبينما انتقلت بعض المناطق التي كان يسيطر عليها تنظيم “الدولة الإسلامية” لسيطرة دمشق بدعم من إيران وروسيا، كان حزب الاتحاد الديمقراطي قد سيطر على مناطق حساسة وخاصة حقول النفط في شمال شرق سورية والأراضي الزراعية الخصبة شرق الفرات، بالإضافة لذلك وعلى العكس من “داعش” كانت تقف خلف حزب الاتحاد الديمقراطي أكبر قوة عسكرية واقتصادية في العالم، فكان درع الحماية الذي قدمته الولايات المتحدة لـ PYD يشكل تهديداً دائماً لكل من أنقرة ودمشق.
في عام 2012 تنازلت دمشق بصفقة سرية عن مناطق مثل عفرين وعين العرب والحسكة لصالح حزب الاتحاد الديمقراطي، وهي المناطق التي يمكن للمعارضة السيطرة عليها. كان حزب الاتحاد الديمقراطي في ذلك الوقت ضعيفًا لدرجة أنه واجه صعوبة في اكتساب النفوذ حتى في هذه المناطق، وفي واقع الامر لم يستطع الصمود في وجه “داعش”، ولكن بفضل الدعم الذي تلقاه من الولايات المتحدة الأمريكية تمكن من تحدي دمشق من حيث التنظيم والتدريب والأسلحة والمعدات والقوة الاقتصادية، وبالتالي فإن تركيا تطرح احتمال ظهور دولة يسيطر عليها حزب العمال الكردستاني في جنوب تركيا، وبدأت أنشطة حزب الاتحاد الديمقراطي الذي يسعى إلى إقامة دولة منفصلة داخل الحدود السورية بدعم من دولة أخرى تهدد دمشق.
تراجع الاتحاد الأوروبي خطوة إلى الخلف بسبب مشكلة اللاجئين
بدأ موقف دول الاتحاد الأوروبي الذي دعم تغيير النظام في دمشق في بداية “الأحداث” السورية، بالتغير مع التدفق الهائل للاجئين، فبينما جاء ملايين السوريين إلى تركيا اعتبرت العديد من الدول الأوروبية ذلك نتيجة طبيعية للحرب الأهلية في سورية، ولكن عندما أتخذ الأشخاص الفارون من بلدانهم تركيا كمحطة توقف وتوافدوا على أوروبا تحولت أولوية الاتحاد الأوروبي إلى إنهاء الصراع في سورية في أقرب وقت ممكن، ومنذ عام 2017 تقريباً لم يعد يهم الاتحاد الأوروبي في الشأن السوري من هو المنتصر في الحرب “الأهلية” ولا من يحكم البلاد ويمكن تلخيص النهج الأساسي لدول الاتحاد الأوروبي على مبدأ “طالما انه لا يتسبب في تدفق اللاجئين ليحكم من يحكم”.
باختصار، الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة ودول الشرق الأوسط تتخلى عن سياسة تغيير النظام في دمشق، وقيام تركيا بالموازاة بين عدم الاستقرار الداخلي والدول الغربية وإمكانية ظهور دولة يسيطر عليها حزب العمال الكردستاني في سورية، دفع تركيا للتخلي عن سياستها لتغيير النظام في دمشق.
تداعيات تبادل التهديدات والعلاقة بين أنقرة ودمشق
أصبحت المعادلة المذكورة أعلاه واضحة أواخر عام 2017، فلماذا لم يحدث تغيير في العلاقات الثنائية حتى الآن؟
السبب بسيط، لأنه لا تزال التطورات القادمة من سورية بالنسبة لتركيا تمثل مشكلة أمنية على المستوى الاستراتيجي، ولا يمكن حل المشاكل الأمنية على المستوى الاستراتيجي في غضون بضعة أشهر أو في سنوات في بعض الأحيان، علاوة على ذلك، لا يمكن القول إن هذا التغيير لم يسفر عنه شيء حتى الآن، وبعبارة أخرى أدت بعض التطورات في السنوات الخمس الماضية بشكل غير مباشر لـ “منفعة مشتركة” في مجال الأمن بين أنقرة ودمشق. اسمحوا لي أن أعطي أمثلة على الفور: فمثلاً عملية “غصن الزيتون” في عفرين في بداية عام 2018 وعملية “نبع السلام” في عام 2019 هي من نتائج مسار أستانا والتي غالباً ما يتم الحديث عنها في بلدنا، ولكنني أعتقد أن نتائج عملية أستانا ليست مفهومة حقاً.
(ما الذي يفيد دمشق)
مسار أستانا في الأساس عملية تهدف إلى الحد من الوجود الأمريكي في سورية وإنهاء الحرب “الأهلية” من خلال المصالحة السياسية، إذا كنا نتذكر حددت أستانا أربع مناطق لخفض التصعيد في سورية، وشملت هذه المناطق درعا في جنوب البلاد والغوطة الشرقية ومحيطها في دمشق، والمناطق التي تسيطر عليها المعارضة في حمص وإدلب، وكان هدف روسيا هو السيطرة على هذه المناطق قطعة وراء قطعة، وبمجرد السيطرة على هذه المناطق سيكون لدى دمشق القدرة على الجلوس على الطاولة كلاعب منتصرة ضد المعارضة.
في واقع الامر منذ منتصف عام 2017 نتيجة العمليات العسكرية المدعومة من روسيا أصبحت دمشق وحمص تحت السيطرة الكاملة للحكومة السورية، وبعد وقت قصير من اقتراب الجيش السوري من إدلب بدأت في بداية عام 2018عملية “غصن الزيتون”، وفي أواخر عام 2018 سيطرت روسيا على درعا، وتوجهت إلى إدلب مرة أخرى، وفي النصف الأول من عام 2019 سيطرت موسكو ودمشق على المناطق الجنوبية من إدلب، بينما نفذت تركيا في النصف الثاني من العام نفسه عملية “نبع السلام”. بعبارة أخرى بالنسبة للعملية النهائية بينما كانت روسيا تتخذ خطوات لتقوية الحكومة السورية، كانت تركيا توجه ضربة لوجود وحدات حماية الشعب في شمال سورية الذي كان يشكل تهديدًا رئيسيًا لها.
ستقول الان؛ طردت تركيا حزب الاتحاد الديمقراطي من هذه المناطق، لكن المعارضة سيطرت عليها، فهل هذا مقبول لدمشق؟ نعم، هذا مقبول. دعونا نترك الديماغوجية الجافة جانباً ونناقش الحقائق، ماذا حدث لمئات الآلاف أو حتى الملايين من الناس الذين يعيشون هنا عندما سيطر الجيش السوري على حلب وحمص وحماة والغوطة الشرقية وجنوب إدلب؟ أين ذهبت الجماعات المسلحة هنا؟ هل قاتلوا جميعاً “الجيش السوري” حتى النهاية؟ طبعا لا.
شكل إنشاء تركيا للمناطق الآمنة في شمال سورية فائدة لدمشق، لتقول الحكومة السورية “نريد لتركيا أن تترك هذه المناطق” بقدر ما تريد .حالياً يعيش ما يقرب من 5.5 مليون شخص في إدلب والمناطق الخاضعة لسيطرة جماعات المعارضة المدعومة من تركيا، ويبلغ العدد الإجمالي لمقاتلي الجماعات المسلحة في هذه المناطق أكثر من 100000مقاتل، والحكومة السورية التي تعاني من أزمة اقتصادية كبيرة ولم يتعافى جيشها بعد ليست قادرة على رعاية 5.5 مليون شخص إضافي، كما أنها ليست قوية بما يكفي للتعامل مع ما يقرب من مائة ألف مسلح، لهذا السبب لا تشعر أنقرة بالضغط الديمغرافي الناجم عن القضية السورية وحدها فحسب بل دمشق أيضاً.
زيادة في إدراك التهديد المشترك
لنتطرق إلى السؤال الرئيسي: هل ستتصالح أنقرة ودمشق؟
هناك عنصران رئيسيان للإجابة على هذا السؤال.
العنصر الأول: لا، على المدى القصير (حتى 6 أشهر) لا يبدو من الممكن أن تتصالح أنقرة ودمشق، لهذا السبب لا أعتقد أنه سيتم اتخاذ خطوات كبيرة في وقت قصير جداً.
ولكن، من الواضح أن هناك زيادة في الرؤية التهديدات المشتركة للأطراف، ويناقش المسؤولون في كِلا البلدين المشاكل في سورية من منظور أمني لذلك يتم إجراء الاتصالات بشكل أساسي من قبل البيروقراطية الأمنية، وقبل عامين على الأقل أعلن الرئيس “أردوغان” عن وجود اتصال بين أجهزة المخابرات بالفعل بين البلدين لذلك ليس هناك أخبار جديدة عن وجود تواصل بينهما، وكما كشفت كلمات وزير الخارجية “مولود شاويش أوغلو” قبل أيام قليلة عن أن الاتصال كان أكثر قليلاً مما كنا نعرفه، ولكن تبقى حقيقة وجود اتصال بين الطرفين لا تعني أنه سيتم التوصل إلى اتفاق ومصالحة بينهما.
والعنصر الثاني في الإجابة: هو أن الاتصالات ستستمر في الزيادة، والسبب الرئيسي لهذا الرأي هو العامل الروسي، والواضح أن روسيا تريد نهاية في سورية، وهي تستخدم الصعوبات الاقتصادية الأخيرة التي تواجهها تركيا وعزلتها من قبل الغرب لصالحها، وبعبارة أخرى، تريد موسكو المصالحة بين أنقرة ودمشق أكثر من أي وقت مضى وتضغط من أجل ذلك.
هل سيُسفر هذا الاصرار الروسي المستمر عن نتائج؟ وإذا كان له نتائج، فمتى ستظهر؟
عنصرين رئيسيين من منظور أمني
اليوم يوجد عنصران حيويان في المنظور الأمني الذي يحدد العلاقات بين أنقرة ودمشق وهما: التهديد المنبثق من حزب العمال الكردستاني والمشكلة الديموغرافية.
إن دمشق منزعجة من الهيكل الجديد الذي نشأ نتيجة دعم الولايات المتحدة الامريكية لحزب الاتحاد الديمقراطي بقدر انزعاج أنقرة، هناك حزب “PYD” يتجذر في شمال شرق سورية يوماً بعد يوم ويحظى بدعم سياسي من معظم الدول الغربية إلى جانب الولايات المتحدة الامريكية ولا يملك “الجيش السوري” وحده القوة لمواجهة حزب الاتحاد الديمقراطي، ونظراً لأن تركيا هي القوة الوحيدة التي يمكنها مواجهة حزب الاتحاد الديمقراطي في المنطقة فإن كل إشارة بعملية من أنقرة هي في الواقع مصدر فرصة لدمشق، لأنه عندما تقوم أنقرة بعملية أو تشير إلى عملية فإن حزب الاتحاد الديمقراطي مجبر على الاقتراب من دمشق، لاحظ أنه خلال وبعد “عملية نبع السلام” سيطر الجيش السوري على العديد من القرى في شمال البلاد دون إطلاق رصاصة واحدة، وعندما وصلت العملية ضد “تل رفعت ومنبج” إلى جدول الأعمال بدأ ما يسمى بمسؤولي حزب الاتحاد الديمقراطي برفع العلم السوري في أماكن مهمة وصرحوا بالقول “نحن منفتحين على كل أنواع التعاون مع دمشق”. بمعنى آخر كل تدخل أو تهديد بالتدخل من قبل تركيا يقوي دمشق ضد حزب الاتحاد الديمقراطي، ألا تعتقد أن هذه فرصة لدمشق؟
هل تريد سورية عودة السوريين؟
ولكن، لا يمكن القول إن أنقرة ودمشق لديهما وجهات نظر متماثلة للمشكلة الديموغرافية.
تريد تركيا من المواطنين السوريين الذين استضافتهم لديها العودة إلى بلدهم لأن “عملية الضيافة” أصبحت أحد عناصر الاستقطاب السياسي الكبير داخل البلاد مع مرور الوقت، وتعتبر نهاية الحرب “الأهلية” في سورية وخلق بيئة أمنة الطريق الرئيسية لعودة السوريين من تركيا، ولكن لا تتفق دمشق مع أنقرة في هذه المسألة، وعلى الرغم من أنه ليس لها أساس قانوني إلا أن مؤشرات السلطات في دمشق تظهر أن هناك شكوكاً كبيرة تجاه المواطنين السوريين وخاصة الذين يذهبون إلى تركيا وأوروبا، وهنا لن أوارب بالكلام، هؤلاء الناس يُنظر إليهم على أنهم عملاء للبلد الذي ذهبوا إليه، ويُفهم من الأخبار والتقارير أن معاملة العائدين ليست إنسانية ولا قانونية على الإطلاق، بالطبع هذا هو ظاهر الامر، والسبب الرئيسي وراء عدم رغبة دمشق في عودة من غادروا البلاد هو الوضع الاقتصادي.
حالياً يبلغ تعداد السوريين حوالي 20 مليوناً ووفقاً للأرقام الرسمية يعيش 3.6 مليون من السكان في تركيا و2 مليون في دول الشرق الأوسط الأخرى، ويضاف إلى ذلك ما يقارب 5.3 مليون نسمة في إدلب والمناطق التي تسيطر عليها المعارضة أي أن “الحكومة السورية” ليست حالياً في وضع يمكنها من تلبية احتياجات حوالي نصف السكان السوريين، ولكن إذا كان على “الحكومة السورية” أن تدير إدلب والمناطق التي تسيطر عليها المعارضة غداً فسيتعين عليها “رعاية” بالإضافة لسكان المناطق التي يسيطر عليها النظام زيادة ما يعادل نصف عدد السكان في مناطق سيطرتها حالياً، علاوة على ذلك لم يعد هناك أي “رابط قلبي/ روحي” بينهم وبين جزء كبير من هؤلاء الأشخاص. وبمعنى آخر هناك خلاف عميق بين أنقرة ودمشق حول المكان الذي يجب أن يعيش فيه المواطنون السوريون، وبالتأكيد يجب إضافة بُعد كيفية دمج آلاف المسلحين في النظام الأمني في سورية إلى هذه المسألة.
باختصار؛ الحرب “الأهلية” في سورية تقترب من نهايتها وسينتهي الأمر أخيراً في يوم من الأيام، ومن المهم للغاية أن تعمل أنقرة ودمشق معاً من أجل إنهاء الحرب “الأهلية” في سورية وإقامة دولة مستقرة بعد ذلك، ويجب التوصل إلى هذه “المصالحة” في يوم من الأيام، ولكن الان في الوقت الذي يشترك فيه الطرفان في النظر للتهديد المشترك المتمثل في منع وجود حزب العمال الكردستاني في شمال شرق سورية والتحول إلى عملية إقامة دولة، لايزال لديهم وجهات نظر مختلفة حول المشكلة الديموغرافية.
هل يُفتح باب المصالحة؟
حالياً تعتبر روسيا القوة الدافعة التي تريد أن يتصالح الجانبان في أسرع وقت ممكن، وبطبيعة الحال لا يمكن الاستهانة بجهود روسيا للتوفيق بين الطرفين ولكنها لا تكفي لوحدها، بالإضافة لذلك فإن الميدان السوري دائماً ما يكون مسرحاً لتطورات جديدة.
إن تحويل مفهوم التهديد المشترك إلى فرصة للتعاون يمكن أن يخلق قوة دفع في العلاقة بين أنقرة ودمشق وهذا يعتمد على عملية عسكرية جديدة. من يدري؛ ربما ستشن تركيا قريباً عملية عسكرية ضد وحدات حماية الشعب” في تل رفعت أو في أي مكان أخر، وهذا يعزز قوة يد دمشق ضد” وحدات حماية الشعب”، والتقدم في بعض المناطق ومن ضمنها شمال الرقة.
إذا عززت فكرة التهديد المشترك من توقعات حل مشكلة حزب العمال الكردستاني وحزب الاتحاد الديمقراطي من خلال التحركات المشتركة فسيتم فتح باب المصالحة.
ولكن، بناء الثقة أمر ضروري للسياسيين رفيعي المستوى للاجتماع في نفس إطار الصورة، وأعتقد أننا بحاجة إلى مزيد من الوقت لذلك، ويبدو أن لِبنات هذه العملية قد وضعت بالتعاون الملموس على أرض الواقع، أي أولاً الخطوات التي تسفر عن نتائج ملموسة ومن ثم المناقشة المطروحة على الطاولة، ويبدو اننا بعد بضعة أشهر سنتذكر هذه الأيام، ولكن نحن بحاجة إلى الانتظار قليلاً لفترة أطول.
ترجمه لـ”السورية.نت” نادر الخليل زميل في “مركز عمران للدرسات الاستراتيجية”
المواد المنشورة والمترجمة على الموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر مؤسسة السورية.نت