ارتبطت عُمان في العقد الأخير بدبلوماسية الوساطة، مستفيدة من موقفها المحايد تجاه الصراعات والأحلاف في المنطقة، وكان أحد أكبر إنجازاتها في هذا المجال، التوسط بين إدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما وإيران للتوصل إلى اتفاق بشأن برنامج إيران النووي عام 2015. وتعتمد عُمان السرية التامة في إنجاز وساطاتها، إذ تفضل العمل بعيدا عن الأضواء والضجيج الإعلامي.
وقد أثار تعيين عمان “تركي محمود البوسعيدي”، سفيرا مفوضا وفوق العادة لدى النظام السوري، السؤال عن الهدف من وراء هذه الخطوة.
بداية، وفي العرف الدبلوماسي، يعتبر السفير المفوض وفوق العادة مرتبة دبلوماسية هي الأعلى في مراتب السفراء؛ تُمنح عادة لشخص مكلف بمهام خاصة لبلده لدى بلدان أخرى أو منظمات دولية، وتمكّنه غالبا من إمكانيات استثنائية لأداء مهمته، كما يتمتع بـ”صلاحيات موسعة” تتيح له إبرام اتفاقيات باسم الدولة التي يمثلها. وغالبا ما يتم تعيين هذا النوع من الموظفين الدبلوماسيين لفترات محدّدة بهدف إنجاز قضية بعينها.
إذن، ثمة مهمة تريد عُمان من وراء هذا التعيين تنفيذها، فتعيين هذا النوع من السفراء لا يكون عاديا، فما هي المهمة التي ترغب عُمان في تنفيذها. أيضا، ما الذي يدفع عُمان لاتخاذ هذه الخطوة تجاه النظام السوري؟ هل الهدف من وراء ذلك إرضاء روسيا التي ما انفكت تقنع الدول الدائرة في فلكها، التي لا تتمتع باعتراف دولي، على فتح علاقاتها مع دمشق، كما فعلت ما تسمى بجمهورية” أبخازيا” مؤخرا، وقبلها جمهورية “القرم”؟ لكن عُمان ليست من هذا النوع من الدول، كما أن مصالحها مع روسيا ليست بالحجم الذي يدفعها للمخاطرة بعلاقاتها مع الولايات المتحدة الأمريكية التي تبدي رفضا قاطعا لإعادة تأهيل الأسد قبل تنفيذه شروط المجتمع الدولي.
اللافت أن تعيين السفير العُماني تزامن مع حديث فجائي لبشار الأسد، عن إمكانية عقد معاهدة سلام سورية- إسرائيلية، مشترطا لنجاحها إعادة هضبة الجولان المحتلة، في حين لم يصدر عن إسرائيل أي تعليق حول الموضوع.
المؤكد أنه ليس هناك شيء يستحق تعيين سفير مفوض وفوق العادة لدى نظام دمشق، باستثناء تحريك مفاوضات سلام بين إسرائيل ونظام الأسد، والمفروض أن عُمان، وبالنظر لخبرتها العريقة بالوساطة، لا بد أنها تدرس خطواتها جيدا وتعرف أين تضع قدمها، لأن الفشل سيؤثر على سمعتها في مجال الوساطة، فهل حصلت عُمان على ضوء أخضر أمريكي للسير بهذا الاتجاه؟ وهل حصلت على موافقة إسرائيلية لإعادة تفعيل قناة التفاوض مع النظام السوري؟
لا يوجد في الواقع ما يؤشر على احتمال موافقة إسرائيل على خوض مفاوضات سلام مع الأسد لعدة أسباب؛ أولها أن المفاوضات مع الأسد بالنسبة لإسرائيل ليست ذات قيمة في الوقت الراهن؛ إذ عدا عن كون الأسد رهينة بيد إيران، فهو لا يمثل خطرا ملحّا على إسرائيل، بالإضافة إلى أن السلام معه لن يعود بفوائد دولية على إسرائيل، في حين أن عوائد التفاوض مع السلطة الفلسطينية ستكون أكثر جدوى، عربيا ودوليا، بالنسبة لإسرائيل.
من جهة أخرى، من غير المرجح قبول إسرائيل بشرط الأسد، إعادة الجولان، وهي غير مضطرة لفعل ذلك، ورغم ما يجري الحديث عنه من محاولات إيران التموضع قرب حدود الجولان وتشكيل جبهة مواجهة مع إسرائيل، يبدو أن الأخيرة باتت متكيفة مع هذا الأمر، وذلك من خلال ضرب كل تحرك إيراني قرب حدودها، ومنع مليشيات إيران من إنشاء بنية عسكرية في المنطقة، إذ بدون هذه البنية يصعب على هذه المليشيات، ومن ورائهم إيران، تحويل تهديداتهم إلى مخاطر حقيقية على الأرض.
على الجانب الأمريكي، لا يبدو أن الإدارة الحالية، ولا حتى الإدارة اللاحقة، على فرض فوز جو بايدن بالانتخابات الرئاسية، لديها أدنى استعداد لتقديم الجولان هدية للأسد، مع إدراكها أن السلام مع إسرائيل سيشكل مفتاحا مهما لإعادة تأهيله دوليا، في الوقت الذي ترغب فيه الولايات المتحدة إلى تحويل الأسد إلى عبء يستهلك طاقات روسيا وإيران، ويدفعهما لتقديم تنازلات في مفاوضاتهما مع واشنطن.
لكن ثمة سيناريو من الممكن التقاء جميع الأطراف عنده، وهو إعادة جزء من الجولان للأسد، والاحتفاظ بالجزء الاستراتيجي الأهم، المناطق المطلة على فلسطين المحتلة، كمناطق مستأجرة لإسرائيل لمدة 49 عاما قابلة للتجديد، مقابل ضمانات روسية بتحويل المنطقة الجنوبية من سوريا منطقة منزوعة السلاح، وإخراج جميع المليشيات التي تتبع إيران من هذه المنطقة.
وفق هذا السيناريو، تكون إسرائيل قد ضمنت أمنها لأعوام طويلة كافية لتغير المعطيات بشكل كلي في منطقة الشرق الأوسط برمتها، وهذا أمر ستوافق عليه الإدارة الأمريكية، جمهورية أم ديمقراطية، كما أن الأسد سيضمن من خلاله بقاء حكمه للأبد، فهل تشتغل الوساطة العمانية وفق هذه الرؤية؟
المواد المنشورة والمترجمة على الموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر مؤسسة السورية.نت