عند كل حدث أو أزمة جديدة، تتكاثر الدعوات إلى “مؤتمر وطني” أو تشكيل مجلس أو هيئة تمثيلية، على الرغم من أن المعارضة أصبحت، منذ زمن ليس بالقليل، معارضات، والثورة ثورات، و”الشعب السوري” شعوبًا عند بعضهم. حصل ذلك مؤخرًا بعد إطلالات رامي مخلوف التي عوَّل عليها كثيرون، وبعد بدء عقوبات “قيصر” الأميركية، وبعد المقالات التي انتقدت “النظام السوري” في الصحافة الروسية، تلك التي رأى فيها كثير من “خبرائنا” و”محلِّلينا” بدء نهاية النظام. وأخيرًا، حصلت دعوات جديدة بعد قرار “الائتلاف الوطني” بإنشاء ما أطلق عليه “المفوضية العليا للانتخابات”.
ما سرّ أو أسرار ارتباكنا، خلال السنوات الماضية، في إنتاج هذا الجسم السياسي أو التمثيلي الذي نتحدث عنه دائمًا؟ في اعتقادي، إذا وضعنا جانبًا الأسباب الموضوعية التاريخية المتمثلة بالاستبداد المزمن، يمكن القول إن الخلل يكمن في مستويات عديدة؛ المفاهيم والتحليل والأهداف والآليات والشخصيات. هذا يعني أنه إذا كانت مشكلتنا بهذا العمق والاتساع، كما أرى، فإنه ينبغي لنا التخلص نهائيًا من فكرة “اللمّة” التي يجري في ضوئها إنتاج “المؤتمرات” و”المجالس” و”الهيئات”؛ أي دعوة وجمع أفراد وقوى هلامية وفوضوية، سياسية وعسكرية وثورية وجهادية ومدنية وإغاثية وفنية، وممثلي قوميات وطوائف وحارات وفصائل، على أساس التوافق على شعار إسقاط النظام.
1. المفاهيم
هناك مؤتمر وطني سوري واحد اسمه “المؤتمر الوطني السوري”، وهذا لما يحن وقته بعد، وقد يأتي أو لا يأتي. من المهم أن نتواضع بخصوص التسميات، خصوصًا بوجود عدة جهات تدعو كل منها إلى عقد “مؤتمر وطني سوري” على مقاسها، ووفق رؤيتها، ما ينفي عن “مؤتمرها” سلفًا صفة “الوطني”. ومن المهم أيضًا الانتباه إلى أن المؤتمر الوطني يُعقد في إحدى ثلاث حالات؛ الأولى: عندما يعترف النظام الحاكم في أي دولة بأزمة البلاد وانسداد الآفاق، ومن ثمّ بأهمية مشاركة أبناء البلد وممثلي قواها المختلفة في الخروج من الأزمة، وهذا غير وارد في الحالة السورية أو فات أوانه منذ زمن بعيد. الثانية: عندما يصل النظام الحاكم إلى درجة عالية من العزلة الداخلية، وتتقلص مساحة مؤيديه أو مواليه بصورة شديدة، وهي الحالة التي لم تحصل بعد، على الرغم من أزمة “النظام السوري” الكبيرة. الثالثة: عندما يصبح النظام الحاكم على شفير الهاوية أو السقوط، بحكم أزمته الداخلية أو بسبب التدخل الخارجي، وهذا أيضًا غير متحقِّق في الحالة السورية. لكن في الأحوال كلها، تنبغي مشاركة جميع فئات وقطاعات الشعب السوري، فلا مؤتمر وطني من دون البعثيين مثلًا، شريطة ألا يكونوا، هم أو غيرهم، في المعارضة أو الموالاة، من المندرجين في ممارسة القتل والفساد.
كذلك، تفشل أي ثورة عندما يتعارض خطابها مع الوطنية؛ ينبغي للثورة أن تكون في خدمة الوطنية السورية، لكننا شهدنا خلال العقد الفائت كثيرًا من الخطابات واللقاءات المدمِّرة للوطنية السورية: خطاب الكراهية القومية، الخطاب الطائفي، الخطاب الذي يضع سورية والسوريين في محاور إقليمية أو محاور دينية، اللقاءات والاجتماعات على أساس طائفي أو عشائري، وغيرها. تحوّلت كلمة “الثورة” عند بعضنا إلى أقنوم مقدس تجري باسمها موبقات كثيرة، وأحيانًا فهمنا الخاطئ لها يضعها في تضادٍ مع الوطنية السورية التي تعلو ولا يُعلى عليها شيء.
هناك مفاهيم عديدة أخرى ينبغي رميها وراء ظهرنا، تشكل خطرًا علينا، أو تشكل تدميرًا مسبقًا لأي لقاء سوري؛ الخطاب السلاحوي أو “الحربجي”، الخطاب الديني أو الطائفي، الخطاب المبتذل تجاه الدول الإقليمية الذي يستند إلى مبدأ الشحادة، مصطلح “المناطق المحررة” المضلِّل والذي تنبني على أساسه ممارسات خاطئة، ادعاء التمثيل الحصري للشعب السوري” أو “الثورة السورية” في غياب الانتخابات العامة، وغيرها من المفاهيم الخاطئة التي تتجسَّد بوضوح في “الائتلاف الوطني السوري”، على الرغم من أنها موجودة أيضًا باتساع خارجه، في صفوف من يريدون تغييره.
2. الرؤية والتحليل
إن أي لقاء سياسي ينبغي له أن ينطلق من قراءة سياسية للواقع أولًا، أي من تحليل سياسي لمسار العلاقات الدولية والإقليمية، ولموازين القوى، ليس من أجل التأقلم مع السائد، بل لتحديد حجم الدور المطلوب منا، والوسائل التي ينبغي توفيرها، والأهداف التي يجب وضعها، والمراحل والخطوات التي ينبغي اتباعها. هذا النقاش السياسي ضروري أيضًا للإجابة عن أسئلة رئيسة تشغل بالنا اليوم؛ ما الوسائل والآليات التي يمكننا توفيرها لتخليص سورية من الاحتلالات الخمس: الروسي والإيراني والتركي والأميركي والإسرائيلي؟ وغيرها من الأسئلة العديدة المرتبطة بهذا السؤال.
سؤال آخر؛ هل يمكن حقًا اليوم إسقاط “النظام السوري” دفعة واحدة؟ وهل إسقاطه ممكن من دون قرار أميركي؟ وهل يمكن بناء نظام جديد كليًا أم أن النظام المتوقع سيكون مختلطًا بين القديم والجديد بنسب مختلفة بحسب موازين القوى؟ وما طبيعة ودور النظام الناتج في الإقليم، وما قدراته المتوقعة وعلاقاته بالاحتلال الإسرائيلي والإيراني وغيرهما؟ فمن دون رؤية سياسية لا يمكن بناء لقاء أو تشكيل سياسي سوري ناجح، لأن الرؤية السياسية تُحدِّد طبيعة ودور وأهداف وآليات عمل اللقاء أو التشكيل المأمول.
3. الأهداف والمهمات
ما طبيعة المهمات التي ستُعطى للتشكيل السياسي الجديد، هل هي مهمات سياسية أم عسكرية، أم هي خليط من السياسة والحرب والإغاثة والعمل النقابي والنداء القومي والدعوة الدينية وتنظيم الحج والدفاع عن الإسلام في القارات الخمس؟ واحدة من الأخطاء الكبرى للتشكيلات الأساسية (المجلس الوطني، الائتلاف الوطني… إلخ) أنها اشتغلت في كل شيء إلا السياسة.
مهمات التشكيل السياسي الجديد الذي تحاول جهات كثيرة العمل على تخليقه ينبغي أن تكون سياسية، لا إغاثية ولا دينية، ولا عسكرية، ولهذه المهمات شخصياتها الملائمة التي يُفترض عدم التهاون أو المجاملة بخصوص مؤهلاتها. أيضًا، هي مهمات سوريّة، لا علاقة لها بناغورنو كاراباخ ولا بليبيا ولا بالخلاف أو الانقسام الخليجي، ولا بوضع الإسلام والمسلمين في فرنسا. لدينا مشكلات تكفي العالم كله، وليس من مصلحتنا التدخل أو الاندراج في مشكلات الآخرين.
وفي سياق تحديد الأهداف، لا بدَّ من تثبيت الهدف الرئيس بوضوح وإخلاص؛ بناء الدولة الوطنية الديمقراطية الحديثة، وإقرار مبدأ المواطنة المتساوية حقًا، بصرف النظر عن العقيدة أو الأيديولوجية أو القومية أو الطبقة أو الجنس، بما يعني التخلِّي عن أي أوهام، علنية أو خفية، تتعلق ببناء دويلات إسلامية أو كردية أو عربية أو علوية أو درزية، وغيرها.
4. الآليات
كانت الآلية الرئيسة الغائبة هي الاعتماد على السوريين، وتنظيم قواهم ونشاطهم، في الداخل والخارج، واعتماد خطط عمل واقعية، متنوعة، صغيرة وكبيرة، آنية ومتدرجة، لحساب اللهاث وراء الدول ووعودها. عندما يحضر السوريون، تدريجيًا، في المعادلة السياسية، يبدأ تأثير الدول بالتناقص، أو يمكن أن يتعدَّل جزئيًا لمصلحة سورية والسوريين، أو ربما تأتي أحوال جديدة يستفيد السوريون فيها من تناقضات المصالح الإقليمية والدولية، لكن هذا غير وارد من دون أن يكون لديهم جاهزية ما تتعدى الانتظار والاستجداء والشحادة.
5. الشخصيات والقوى
هنا تبرز لدينا مشكلات عديدة، غالبًا ما يجري حلها بطريقة التغطية لتنفجر لاحقًا في وجهنا:
القوى السياسية؛ المشكلة الرئيسة أنه لا توجد لدينا قوى سياسية بالمعنى الحقيقي للكلمة، وهناك احتقار ضمني شائع للحزبية والتحزب، ربما نتيجة التجربة البائسة للبعث وما تركته في الأنفس والعقول. في الدعوات معظمها لا توجد معايير قابلة للقياس بخصوص الشخصيات والقوى المدعوة أو المشاركة؛ هل هناك وجود حقيقي لهذه القوة أو تلك؟ ما عدد أعضائها؟ برنامجها السياسي؟ نظامها الداخلي؟ … إلخ. هناك أسماء كبيرة متداولة لقوى غير موجودة أو صغيرة، وكلها تطالب بممثلين أو مندوبين لها!
التحالفات الهشة والهلامية؛ هناك أسماء عديدة لتحالفات وائتلافات واتحادات وتجمعات هشة أو هلامية، تقدِّم نفسها بطريقة غير متواضعة، من دون القدرة على التثبت من صحة وجودها أو عدد القوى والأفراد المنضوين فيها.
القوى المختلطة؛ هناك قوى غير محدَّدة المعالم، يختلط فيها السياسي بالعسكري بالمدني بالإغاثي، فضلًا عن القبلي والطائفي والقومي، وهي قوى فوضوية مربكة في أي عمل سياسي.
الشخصية الوطنية؛ درج هذا المصطلح في أوساط المعارضة والثورة، ولم تُوضع له أي معايير، إلى درجة أصبح مصطلحًا مضلِّلًا، ويتخلَّله كثيرٌ من الادعاء والوهم؛ إذ يكاد يكون المعيار الرئيس هو الظهور الإعلامي للشخصية، وهذه ليست دلالة على أي قدرة أو كفاءة، وربما تكون دلالة على الخفّة وحبّ الظهور أو عدم التمنع عن الاندراج في محاور إقليمية أو غيرها. في اعتقادي، لعلَّ المعنى الرئيس للشخصية الوطنية يتجسَّد في كونها قادرة على الدفاع حقًا عن سورية كلها، وفي انتمائها إلى سورية كلها، وفي عدم اندراجها في أي اصطفاف قومي أو قبلي أو طائفي أو إقليمي أو دولي، ويتوافر لديها شيء من التاريخ النضالي أو السياسي أو الثقافي أو الاقتصادي أو غيره، فضلًا عن توافر قدرات معقولة في الحقل السياسي أو غيره.
الشخصيات المستقلة والقوى؛ هذه واحدة من المشكلات أو النزاعات التي تتكرر في لقاءات المعارضة، وتتجلى في عدم منطقية تمثيل القوى السياسية في مقابل الأفراد المستقلين أو “الشخصيات الوطنية”، إذ يكون للفرد المستقل مثلًا صوت يعادل صوت مندوب أي قوة سياسية، وهي إشكالية تحتاج إلى التفكير في حلٍّ تنظيمي عادل ومقنع.
الاستقلالية؛ تنوس أغلبية التشكيلات والشخصيات المعارضة والثورية بين استقلالية موهومة من جهة، والذوبان في سياسات إقليمية من جهة أخرى. وليس أدلّ على ذلك من المنصات المعارضة التي تعمل استنادًا إلى مبدأ الأواني المستطرقة، إذ يأخذ المعارضون السوريون شكل الإناء/ الدولة الذي/التي يُوضعون فيه/ا.
فوضى إعلامية؛ يمكننا اكتشاف الأضرار التي لحقت بالثورة وصورتها من جراء التصريحات واللقاءات الإعلامية غير المدروسة، والمتناقضة، تلك التي قدمت صورة ساذجة عن معرفتنا بالنظام السوري والسوريين وتاريخ سورية وقوانين التحولات المجتمعية ومراحل الثورات والعلاقات الإقليمية والدولية ودور سورية في الإقليم، فضلًا عن خلط الحابل بالنابل من حيث فهمنا للأديان والثقافات والقوميات والطوائف ونظم الإدارة وبناء الدول.
هلامية تنظيمية؛ شًكِّلت مؤسسات وتشكيلات ومنصات سياسية عديدة، وبُنيت بطريقة اعتباطية وهلامية، ومن دون اعتماد نظم داخلية، أو اعتمدت من دون تطبيق. هذه المؤسسات لم تستطع ضبط أو محاسبة أفرادها على تصريحاتهم الإعلامية غير المسؤولة أو على ذهابهم في طرق سياسية، فوق الطاولة أو تحتها، تتناقض مع أهداف ومبرِّرات تشكيل مؤسساتهم الأصلية، كما فعل كثير من أعضاء “الائتلاف الوطني”.
تقاليد سياسية غائبة؛ يتصل بالهلامية التنظيمية غياب التقاليد السياسية، فليس من النادر أن نجد سوريًا موجودًا في عدة تجمعات أو حركات سياسية، ولا من النادر أن يغادر الفرد مكانه من دون إخبار أو رسالة اعتذار، وربما يصرُّ على الخروج بطريقة فضائحية أو فجة لا تبقي ولا تذر، ولا من النادر أيضًا أن يغيب طويلًا ثم يعود وكأن شيئًا لم يكن.
الاصطفافات المناقضة للوطنية؛ هناك شخصيات عديدة دخلت إلى التشكيلات السياسية الأساسية، خلال العقد الفائت، من بوابة القبيلة أو الطائفة، كأن يكون ممثلًا لقبيلة أو “اتحاد قبائل” أو لطائفة ما، وهي صيغ لا تتوافق مع الأهداف الوطنية المعلنة للتشكيل السياسي.
الشيوخ والشباب؛ منذ بداية الثورة، برزت مشكلة الكبار والشباب، شباب ينظرون إلى أنفسهم بوصفهم عماد الثورة وصانعيها، وكبار يرون أنهم أصحاب تاريخ نضالي والأكثر معرفة وخبرة، وهذا خلق شيئًا من التوتر والتنافس السلبي.
الرجل والمرأة؛ يجري عادة تناول مسألة تمثيل الذكور والإناث في أي هيئة، بصورة غير عقلانية، تستند إلى التمثيل المتساوي أو عدمه، وليس إلى الكفاءات السياسية المتوافرة، بصرف النظر عن الجنس.
التنافسات والعيوب الفردية؛ كانت العيوب الفردية من العوامل المعيقة والمفجِّرة لأي لقاء أو تجمع أو عمل جماعي، وهي كثيرة وتبرز إلى السطح وتكون مؤثرة بحكم هشاشة المؤسسات الموجودة وأنظمتها. كان التنافس على الزعامة أو القيادة أحد تلك العيوب، وهو الذي أدى في الحصيلة إلى تهشيم الجميع؛ إذا ما رأينا عملًا أو فردًا ناجحًا نتبارى في إفشاله، متناسين أن إفشاله سيعني أن أحدًا لن ينجح.
ومنها أيضًا اندراج كثير من الأفراد في خدمة سياسات إقليمية ودولية، وهناك مثلًا من حاول الركوب على حصان “الإخوان المسلمين” فامتطوه، وهناك أيضًا من حاول استثمار حصان “القوى الكردية المسلحة” فاستثمروه، فضلًا عن أحصنة “النصرة” و”داعش” التي هرست الجميع، وغيرها. وهناك أيضًا، على ما يبدو، “رجال” لكل اللحظات؛ للثورة والسياسة والحرب والتفاوض، وغيرها.
وهناك أفراد غير أكفاء في العمل السياسي، دخلوا هذا الباب بطرق عديدة لا علاقة لها بالوعي أو الرؤية أو القدرات، وتقلَّدوا مواقع متقدمة خلال السنوات الماضية، وغيروا أماكنهم وتشكيلاتهم عشرات المرات، وبعضهم يحاول اليوم “تبرئة الذات” من كل ركام الفشل المحيط بنا، ويقدِّم النصائح والقراءات السياسية المغايرة؛ في الحقيقة، تصبح النصائح ثقيلة جدًا عندما تأتي من أولئك الذين كانوا في صدارة المشهد. تكفي متابعة مقالات وتصريحات ومقابلات وتحليلات وأداء الجميع في محطات مختلفة، لنكتشف حجم الخطل السياسي أو الخفة أو الشعبوية أو الضلال أو الانتهازية أو السذاجة… إلخ.
أخيرًا؛
لا يهدف هذا التذكير بمشكلاتنا إلى إبراز الأخطاء، ومن ثمّ التسبّب بنشر الإحباط، بل يهدف، أولًا وقبل كل شيء، إلى التحذير من تكرارها في سياق المحاولات الجديدة الصادقة التي بدأت تبرز إلى العلن، وتعبر عن نفسها، وعن سعيها لبناء ما هو مختلف، بحسب ما تعلن، بالاستفادة من التجربة السابقة.
لكنني أعتقد، في ظل هذا التراكم الكبير للمشكلات والفشل، أن المسار الأجدى، وفي ضوء الوضع الراهن والقدرات المتوافرة، يتمثل ببناء هيئة مصغرة، مؤقتة، موثوقة، من شخصيات سياسية سورية، عارفة وخبيرة، بعيدًا عن الشخصيات التي شاركت في الهيئات والمجالس المختلفة خلال العقد الفائت، وبعيدًا عن الشخصيات التي تقيم في دول الخليج وتركيا ومصر ولبنان والأردن خصوصًا، ومن واجبنا، نحن الباقين، دعم هذه الهيئة المصغرة بالسبل كلها، في ضوء الاستفادة من أمراضنا السابقة.
في اعتقادي، تحتاج هذه الهيئة المصغرة إلى وثيقة سياسية محدَّدة وواضحة، توزيع أدوار وفقًا للمعرفة والإتقان، التزام خطاب سياسي إعلامي وطني وحديث يتناول التفاصيل، وبتوجه إلى السوريين كلهم لا إلى فئة أو فئة معينة فحسب، بنية تنظيمية مرنة ونواظم قانونية صارمة، التزام ميثاق يحدِّد السلوك السياسي والتقاليد السياسية، بناء قنوات اتصال عقلانية وعلنية مع السوريين أولًا، ومع الإعلام والدول، نشرة إعلامية دورية تضع السوريين في صورة ما يجري بوضوح… إلخ.
ومع ذلك، وفي حال أُنجز ذلك كله، ينبغي لنا ألا نتوقع كثيرًا، وفي الأفق المنظور. في الحقيقة، لست متيقنًا من نجاح هذا المسعى، فقد بات حالنا مثل المريض الذي جاء إلى طبيبه مصابًا بزكام، فوصف له الطبيب العلاج الملائم، لكنه لم يتبع النصيحة، ليعود إليه وقد تطور الزكام إلى التهاب حاد في قصباته، وليعاند مرة أخرى رافضًا العلاج، وهكذا، إلى أن عاد إليه مصابًا بقصور رئوي يضعه على حافة الموت.
سينتقد بعضنا هذه المقالة، وهذا طبيعي، ومرحبٌ به، لكن بعض الانتقادات ستنطلق من اعتبارها مقالة نظرية تطرح خططًا نظرية؛ ربما لأن هذا “البعض” اعتاد الهروب من الاستحقاقات الحقيقية، أو ربما لنفي المشاركة الذاتية في واقع الفشل. مع ذلك، أقول: نعم، قد تكون نظرية، لكنها مستوحاة من واقع الفشل المتراكم الذي يلفنا جميعًا ولا يمكننا التغطية عليه. على أي حال، ليست مقالة نظرية آتية من بلاد الواق واق.
المواد المنشورة والمترجمة على الموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر مؤسسة السورية.نت