هل يستطيع النظام وحلفاؤه شن هجوم جديد على إدلب؟
لم يكن التصعيد الروسي على منطقة جبل الزاوية في ريف إدلب مفاجئاً للسوريين الذين اعتادوا على إجرام الجيش الروسي قبل كل استحقاق سياسي أو جولة مفاوضات، وقد تزامن هذه المرة مع اقتراب موعد جلسة مجلس الأمن المقررة منتصف تموز/يوليو للتصويت على القرار 2533، الذي ينصّ على السماح بتدفق المساعدات الإنسانية الى سوريا عبر الحدود السورية التركية، لكن قبل ذلك اللقاء بين الرئيسين الأميركي والروسي الذي عُقد الأربعاء.
قضية المعابر والمساعدات الانسانية كانت محور حديث الرئيسين في ما يتعلق بالملف السوري، وتهديدات روسيا باستخدام حق النقض الفيتو، لإغلاق أحد أهم شرايين الحياة عن شمال غرب سوريا المتمثل بمعبر باب الهوى، وحرمان حوالي أربعة ملايين مدني من كافة المحافظات السورية من تلك المساعدات، وكأن موسكو تريد أن يلاحقهم الموت جوعاً بعد أن فتكت بهم طائراتها وأسلحة حليفها النظام.
التصعيد والقصف الجوي على قرى جبل الزاوية الذي راح ضحيته أكثر من عشرة قتلى من المدنيين، بالتأكيد لم يكن تزامنه مع زيارة وفد تركي رفيع برئاسة نائب وزير الخارجية سادات اونيل إلى موسكو من قبيل المصادفة، فالوفد طار إلى موسكو مستبقاً قمة الناتو، واجتماع بايدن-أردوغان، وبايدن-بوتين، لمحاولة إقناع المسؤولين الروس بعدم استخدام حق النقض الفيتو في مجلس الامن الدولي ضد قرار تمديد آلية ادخال المساعدات الإنسانية الى سوريا عبر الحدود، وأيضاً عدم التصعيد العسكري في إدلب، وثني موسكو عن التفكير بأي خطة لاجتياح مناطق ريفي إدلب واللاذقية، بعد وصول تهديدات روسية وتحذيرات غربية من نوايا روسية بهذا الخصوص. إلا أن مهمة الوفد لم تكن سهلة، وما جرى على الأرض يدلّ على عدم تفهم وقبول الروس، وليس من الواضح إن كانت هذه الرسائل الدموية التي يدفع ثمنها على الدوام المدنيون من الشعب السوري ستكون مقدمة لتصعيد أكبر.
يمكن القول إن القصف الروسي كان بمثابة الرد على زيارة المندوبة الأميركية الدائمة في مجلس الامن ليندا توماس غرينفيلد إلى معبر باب الهوى، وتأكيدها دعم بلادها استمرار إيصال المساعدات، ضمن حملة تقودها الولايات المتحدة لتمديد تفويض دخول المساعدات الأممية الى المناطق الخارجة عن سيطرة النظام في إدلب، في تحدٍ واضح للفيتو الروسي المحتمل في مجلس الأمن لوقف مرور المساعدات الأممية الى تلك المناطق.
الروس حاولوا من خلال هذا التصعيد توجيه رسائل متعددة، قبيل قمة الناتو، واجتماع جنيف بين قطبي العالم، لابتزاز تركيا والضغط عليها لتنفيذ ما تبقى من تفاهمات أستانة وسوتشي، خاصة فيما يتعلق بفتح الطرق الدولية “إم-4” و”إم-5″، وحلّ مشكلة هيئة تحرير الشام التي تتخذها روسيا ذريعة للقصف وقضم المزيد من المناطق.
روسيا تريد أيضاً مساومة الولايات المتحدة لتقديم تنازلات في ملف العقوبات الاقتصادية على النظام وفي ملف قانون قيصر للعقوبات، فليس غريباً على الجانب الروسي بعقليته البوتينية الإجرامية استخدام الأراضي السورية والدم السوري النازف الذي لطالما كان مداداً خُطت به رسائل الفرقاء المتداخلين بالملف السوري، لممارسة ضغوط على بايدن لتحصيل مكاسب في مناطق صراع متداخلة أخرى (أوكرانيا- القرم، وغيرها من الملفات).
وما قصف مشفى الشفاء الممول من قبل الجمعية الطبية السورية-الأميركية في مدينة عفرين، من قبل ميليشيا قسد وبأسلحة أميركية وغطاء وحماية روسية إلا إحدى هذه الرسائل بالغة الأهمية، مفادها ان الروس هم المتنفذون وأصحاب القرار في سوريا، وأن استقرار وأمن المنطقة مرتبط بتحقيق المصالح الروسية.
ومع ذلك، فإن المؤشرات العسكرية على الأرض لا توحي بأن الأمور سوف تتطور بسرعة، لأن الهجوم المباشر على إدلب أو جبال اللاذقية لم يعد نزهة كما كان من قبل، وسيجعل فلول قوات النظام والميليشيات الداعمة لها في مواجهة مباشرة مع الجيش التركي الذي عزّز قواته بشكل كبير في المنطقة، وحوّل نقاط المراقبة إلى قواعد عسكرية ضخمة معززة بكافة أصناف الأسلحة، وبالتالي المواجهة المباشرة بين شركاء أستانة وسوتشي، مما يعني انهيار وتداعي كل التفاهمات السابقة، وهذا سيكون له حسابات كبيرة لدى الروس، والتضحية به أمر مستبعد من قبل الروس والأتراك على حد سواء.
لكن في ظل الاستعصاء السياسي والعسكري الحالي وانسداد أفق الحل، لا يمكن التكهن بما يمكن أن تقدم عليه روسيا، التي مازالت تغوص في مستنقع الرمال السورية المتحركة دون أن تجني حتى الآن ثمار انتصاراتها العسكرية، سياسياً واقتصادياً، وما هذا التصعيد العسكري والإصرار على إغلاق معابر المساعدات الإنسانية لمناطق الثوار إلا ورقة ضغط لتحسين شروط التفاوض لإعادة تعويم وتدوير الأسد، بعد مسرحية الانتخابات الهزلية، رغم تصريحات المسؤولين الروس بعدم التمسك بالأسد.
إن السؤال الذي يطرح نفسه فعلاً الآن هو: هل هناك نية روسية لاجتياح إدلب؟ أم أن الموضوع لا يعدو كونه ضغط وابتزاز، وهل هناك إمكانية أصلاً لهذا الاجتياح؟
من الناحية السياسية والإعلامية ليس من مصلحة روسيا في ظل وضعها الراهن وسعيها لترجمة انتصارها العسكري على الأرض الى مكسب سياسي واقتصادي، ومع استمرار مطالبتها للغرب بعودة اللاجئين والمساهمة بإعادة الاعمار، إثارة الضجيج عبر هدير الطائرات وأصوات المدافع، ما يعني تدفق المزيد من المهاجرين باتجاه أوروبا.
إضافة إلى أن روسيا لم يعد بإمكانها ممارسة الضغط عل تركيا بنفس الأريحية السابقة بعد نجاح اللقاء الأخير بين بايدن وأردوغان عل هامش اجتماع الناتو، وانكسار الجليد بين الزعيمين، وبالتالي حرص بوتين على الحفاظ على الحليف التركي خوفاً من انزلاقه أكثر باتجاه الغرب.
بالمقابل ليس من مصلحة تركيا تنفيذ كل الاتفاقيات مع الروس مجاناً، وخاصة ما يتعلق بورقة هيئة تحرير الشام وفتح الطرق التجارية مع النظام، في ظل عدم إيفاء الروس بالتزاماتهم بما يتعلق بتنظيم قسد في تل رفعت ومنبج وعين عيسى.
أما من الناحية العسكرية فالوضع على الأرض لم يعد كما كان قبل سحب نقاط المراقبة التركية وإعادة انتشارها وتموضعها في نقاط محكمة، على امتداد المنطقة، في جبل الزاوية وسهل الغاب وريف حلب الغربي وجبل التركمان وجبل الأكراد في الساحل، وتحويلها الى قواعد عسكرية معززة بكافة أصناف الأسلحة.
وبات عديد عناصر الجيش التركي في سوريا حوالي 15 ألفاً مقسمة على سبعة ألوية قتالية، ومعززة بخمسة ألوية من الجبهة الوطنية للتحرير، ولواءين من الجيش الوطني، كقوات رديفة يتراوح عددها بين 12000 إلى 14000 مقاتل تعمل مع الجيش التركي ومرتبطة به من حيث التدريب والتنظيم والتخطيط والتحصين والرباط. وينتشر الجيش التركي في كل المنطقة مشكلاً طوق حديدي حول كل محاور القتال التي يمكن للنظام أن يشن الهجوم منها. بالإضافة الى حوالي 25000 مقاتل من الجبهة الوطنية للتحرير، وما يزيد عن 10000 من مقاتلي هيئة تحرير الشام، التي تعمل بشكل منفصل.
ميدانياً، هناك أربعة محاور محتملة يمكن للنظام عبرها شن هجومه البري إذا اتخذ قرار العملية العسكرية، وهي:
المحور الأول: النيرب، أريحا، جبل الأربعين، وبالتالي السيطرة على جنوب طريق ال”إم-4″.
المحور الثاني: الدانا، كفرنبل، باتجاه البارة، بينين، وصولاً الى محمبل الواقعة أيضاً على ال”إم-4″.
المحور الثالث: كنصفرة، العنكاوي، سهل الغاب، وبالتالي تطويق جبل الزاوية والوصول الى أطراف جسر الشغور، ومحاصرة الكبينة، وطرف جبل الاكراد؟
المحور الرابع: يمتد من سهل الغاب، العنكاوي، اليعقوبية، وصولاً الى جسر الشغور، وهو ذو طبيعة جغرافية سهلية.
أيضاً يمكن أن يفكر النظام بالاجتياح من ريف حلب الغربي حيث التواجد الأكبر له في الفوج 46، للوصول الى معبر باب الهوى، لكنه سيكون في مواجهة القواعد التركية والفصائل المقاتلة المتمركزة في بلدات الأتارب وكفر نوران والابزمو.
خيارات لا يوجد فيها ما هو سهل، كما أن النظام لم ينسَ بعد كابوس مسيرات البيرقدارالتي فتكت بقواته في عملية “درع الربيع”، انتقاماً للجنود الاتراك الذين قتلوا بقصف النظام على نقطة المراقبة في قرية إبلين بجبل الزاوية، لذا لا يبدو أنه يملك هو وحلفاؤه الإمكانية ولا الجرأة للقيام بأي هجوم بري دون غطاء ودعم روسي، وعليه من المتوقع أن يكتفي بالخروقات لتوجيه رسائل سياسية بين الفينة والأخرى، ودائماً بأوامر روسية.
وييقى السؤال الأهم هل فعلاً ضغط الرئيس بايدن على بوتين خلال لقائهما في جنيف، من اجل إبقاء المعابر التي تعتبر شريان الحياة لأكثر من أربع مليون سوري مفتوحة، وما هو المقابل الذي سيعطيه لبوتين مقابل ذلك؟
المواد المنشورة والمترجمة على الموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر مؤسسة السورية.نت