في زيارة هي الأولى من نوعها منذ أكثر من عقد، وتشوبها علامات استفهام، وصل مسؤول أمريكي “رفيع المستوى” إلى العاصمة دمشق، مؤخراً لعقد مفاوضات وصفت بـ”السرية” مع نظام الأسد، وعلى الرغم من العنوان العريض لها بـ”التفاوض من أجل تحرير رهائن أمريكيين”، إلا أنها تفتح أبواب أخرى، تتعلق بطبيعة التواصل بين واشنطن ونظام الأسد، ولاسيما أن الأولى تصّر على عزله، وتقييده، من خلال العقوبات المتواترة، بموجب “قانون قيصر”.
وحسب ما ذكرت صحيفة “وول ستريت جورنال” في تقرير لها، اليوم الاثنين، فالمسؤول الأمريكي هو “كاش باتيل”، ويشغل منصب نائب مساعد الرئيس ترامب والمسؤول البارز في “مكافحة الإرهاب” في البيت الأبيض.
وأضافت الصحيفة أن زيارة “باتيل” إلى دمشق جاءت في محاولة من واشنطن لـ”تأمين إطلاق سراح أمريكيّين على الأقل كان نظام الأسد قد احتجزهما”، في مطلع أحداث الثورة السورية، أحدهما الصحفي “أوستن تايس”.
وهذه هي المرة الأولى التي يلتقي فيها مسؤول أمريكي رفيع المستوى في سورية مع نظام الأسد “المعزول” دولياً، منذ أكثر من عقد.
وكانت آخر الاجتماعات المعروفة بين البيت الأبيض والمسؤولين في نظام الأسد في دمشق في عام 2010.
ماذا وراء الزيارة؟
موقع “جورناليزم بوست” علّق في تقرير له على زيارة المسؤول الأمريكي إلى دمشق، وقال إنه لم يتضح ما إذا كان هناك تقدم في المناقشات بين واشنطن ونظام الأسد، أو سبب ظهور الأخبار الخاصة بالمحادثات في الوقت الحالي.
ويقول الموقع، حسب ما ترجم فريق “السورية.نت” إن الولايات المتحدة الأمريكية تدرك أن “نظام الأسد يبدو وكأنه راسخ في السلطة”.
وأضاف: “لقد جعل ترامب حجر الزاوية في إدارته لإعادة الأمريكيين المحتجزين في الخارج (…) إنه جزء من صورته الأكبر أمريكا أولاً”، ولاسيما أن ترامب كان قد قال، في وقت سابق إن على الولايات المتحدة إنهاء الحروب “التي لا نهاية لها”، و”أنه يريد إعادة القوات إلى الوطن من أفغانستان والعراق”.
والنقطة الأبرز التي تدور حولها الأسئلة هي حول ما قد تقدمه الولايات المتحدة كجزء من صفقة لإنجاز ذلك (إطلاق سراح الرهائن الأمريكيين، من قبل نظام الأسد).
وتسائل الموقع: “هل يمكن للولايات المتحدة أن تقدم شيئاً لإغراء سورية، أو مجرد تأجيل فرض عقوبات جديدة (…) سيتشاور النظام مع روسيا وإيران بشأن هذا، على الأقل هذا مرجح”.
و”كاش باتيل” هو محامي عام سابق، وانضم لاحقاً إلى وزارة العدل كمدعي عام لـ”مكافحة الإرهاب”، وعمل مع الجمهوريين في لجنة المخابرات بمجلس النواب، قبل الانتقال إلى البيت الأبيض ومجلس الأمن القومي في شهر شباط الماضي.
وكان “باتيل” في مكتب مدير المخابرات الوطنية في شباط 2020، لكنه الآن نائب مساعد رئيس الولايات المتحدة ومدير أول لمكافحة الإرهاب في مجلس الأمن القومي.
وكان قد ركّز في الماضي على أنظمة العقوبات العالمية على مجلس الأمن القومي، كما عمل سابقاً في مكتب النائب الأمريكي، ديفين نونيس.
واستناداً على ما سبق، أشار “جورناليزم بوست” إلى أن “باتيل” في وضع جيد مع الدوائر الإدارية، المرتبط بالجوانب الرئيسية لعمل إدارة ترامب على مدار السنوات الماضية وحلفاء الإدارة الرئيسيين في “الكونغرس”.
وأضاف الموقع أن واشنطن وفي حال استعادتها لرهائنها المحتجزين لدى نظام الأسد، ستكون هذه الخطوة بمثابة فوز كبير لترامب، وخاصةً قبل أيام من بدء الانتخابات الأمريكية.
عدا عن ذلك قد تفتح المفاوضات غير المباشرة، والجارية بين نظام الأسد وأمريكا، ملفات أخرى للتفاوض، قد يكون أحدها الوجود الإيراني في سورية، مع تخفيف حدة العقوبات المفروضة، والتي أنهكت الاقتصاد السوري، في الأشهر الماضية.
مراسلات سابقة بين ترامب والأسد
ويقود ما سبق إلى شهر آب من العام الحالي، حين كشف وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو، عن أن الرئيس دونالد ترامب، بعث برسالة في مارس/ آذار الماضي إلى رئيس النظام السوري، بشار الأسد، اقترح خلالها إجراء حوار مباشر بشأن مصير الصحفي الأمريكي “أوستن تايس”، الذي اختفى في سورية.
وقال بومبيو، حينها: “حاولنا مراراً التواصل مع المسؤولين السوريين بهدف الكشف عن مصير أوستن، وبعث الرئيس ترامب في مارس برسالة خطية إلى بشار الأسد اقترح فيها إقامة حوار مباشر”.
وبحسب ما قال مسؤولون أمريكيون لصحيفة “وول ستريت جورنال” فإن نظام الأسد يحتجز ما لا يقل عن أربعة أمريكيين آخرين، لكن لا يُعرف الكثير عن هذه الحالات.
ولم يعلق البيت الأبيض على زيارة المسؤول فيه إلى دمشق، بينما لم يصدر أي بيان من جانب نظام الأسد، والذي يتخذ سياسة معادية لأمريكا، ويتهمها بدعم مجموعات عسكرية في القتال ضده، منذ مطلع عام 2011.
ويأتي الكشف عن زيارة المسؤول الأمريكي إلى دمشق بعد زيارة مدير الأمن اللبناني، عباس إبراهيم إلى واشنطن، في الأيام الماضية، وفق ما قالت وسائل إعلام أمريكية، بينها وكالة “بلومبيرغ”.
ووفق التقرير الذي نشرته الوكالة، أول أمس السبت 17 من تشرين الأول، فإن إيراهيم أجرى محادثات مع كبار مسؤولي الإدارة الأمريكية في واشنطن، بالتزامن مع سعيها لحل نزاع الطاقة بين لبنان وإسرائيل، والإفراج عن صحفي أمريكي مختطف في سورية.